مقالات سياسية

شوق الدرويش … الرواية والإطار! (2)

شوق الدرويش…الرواية والإطار! (2)

إنّ “شوق الدرويش” تعد رواية تاريخية مكتملة الجوانب من حيث إطارها الزمني وموضوعها السردي الذي بنيت عليه. فهي تعالج فترة المهدية في قالب روائي كغيرها من الروايات التاريخية. ومن حيث الأسلوب السردي، يستخدم المؤلف طريقة الاسترجاع إذ تبدأ القصة مع اجتياح أم درمان من قبل الجيش الإنجليزي ?المصري الذي قضى على دولة المهدية، بيد أن أحداثها تمتد من قبيل المهدية وتستمر خلالها وحتى بعدها بقليل. ويستخدم الكاتب أسلوب السينما في ربط أحداث الرواية. وفيما يتعلق بلغة الرواية اعتمد المؤلف اللغة العربية الفصحى في كل الأحوال حتى في الحوار بين الشخصيات السودانية البسيطة من أمثال بخيت منديل ورفاقه في سجن الساير ومريسلية والتومة! بشكل عام، هنالك ملاحظات جوهرية وشكلية حول هذه الرواية؛ فالعنوان نفسه يوحي بموقف المؤلف من فترة المهدية؛ لأن مسمى”الدراويش” هو مصطلح ازدرائي أطلقته المخابرات المصرية والإنجليزية على أنصار المهدية! كما أن صورة الغلاف مأخوذة من مؤلف “الأب أوهر ولدر” المسوم “عشرة سنوات في معسكر المهدي” وهي تظهر بعض النسوة اللائي تبدو على وجوههن الكآبة والبؤس وهن قعود أمام “درويش” مدجج بالسلاح، مما يوحي للقارئ بموقف الدراويش من النساء! ومن وجهة نظري، يمكن أن تقرأ الرواية بعدة مستويات فيما يتعلق بالشوق المعني حسبما يوحي بذلك عنوانها؛ فهنالك شوق بخيت منديل وعشقه لحواء أو ثيودورا وحلمه بالزواج منها، فهذا هو الشوق الظاهر خلال كل الرواية. يضاف إلى ذلك، شوق بخيت منديل نفسه إلى الحرية إلا أنه كلما ظن أنه قد أفلت من ربقة العبودية، وجد نفسه في استرقاق أو أسر جديد، وووفقاً لسلوكه لا اعتقد أن بخيت هو الدرويش المثالي!فهنالك شوق الحسن الجريفاوي وتطلعه للجهاد في سبيل الله بحسب تأثير ما كان سائداً من معتقدات أن زمان المهدي المنتظر قد حان،واضعين في الاعتبار تربية أمه وشيخه له، حتى صار درويشاً فعلياً؛إذ كان يظن أن المهدية سوف تملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً وأن جيوش مهدي الله سوف تفتح مصر والحجاز وبلاد الشام ولكن أشواقه ذهبت أدراج الرياح بعد مذبحة المتمة ومقتل تلك الطفلة التي أصبح يراها كلما أغمض جفنه وهي تقول له:”يا عمي! أين أمي؟” وعيناها تسيلان دماً. شعرها مبعثر. شفتاها قد شققهما الموت. وما عاد الحسن يرى نبي الله الخضر! تقول الكاتبة ملكة الفاضل عمر عن شوق الدرويش: ( هذه الرواية تعد عملاً أدبياً رائعاً؛ فهي تحتوي على كثير من عناصر الرواية المشوقة، ولغتها ثرة وجزلة ولكن في اعتقادي أن المؤلف قد وقع في فخ التاريخ، إن صح التعبير، فمن يقرأ الرواية وهو لا يعرف شيئاً عن تاريخ السودان والثورة المهدية سيعتقد بأن “شوق الدرويش” تؤرخ وتوثق بطريقة ما لتلك الحقبة المهمة؛ خاصة وأن كاتبها سوداني، ومن هنا ثار الجدل الكثيف حول الرواية، التي يرى البعض أنها ما كانت ترشح لجائزة نجيب محفوظ لولا أنها تسير وفق ما يريد بعض المتعصبين في شمال الوادي وغيرهم ممن يبحثون عن أي دليل يؤكد وجهة نظرهم عن المهدية). وهنا يبرز مأزق كاتب الرواية التاريخية فمهما أدعى هذا الكاتب الحياد إلا أن معالجته وحبكته الروائية تظلان ممعنتان في الشخصنة، ذلك لأن التاريخ في حد ذاته مادة مطاطة تحتمل أن يُخفي المرء في ثناياها ما يريد ويشتهي، ويحورها كيفما أراد. ولهذا السبب، هنالك من يرى أن شوق الدرويش لو جردت من محتواها السردي أو الخيالي، الذي أضفاه عليها الكاتب؛ لأصبحت مرجعاً تاريخياً غير محايد! وحتى شخصية بخيت نفسها يقال إنها تجسد حياة شخص بعينه عاش في أم درمان إبان فترة المهدية؛ ولذلك فإن الكاتب يكون قد استقصى الحراك الاجتماعي والفكري للمهدية وكيّفه ليخدم أغراضه الفكرية والثقافية وربما موقفه السياسي حيال تلك الحقبة! ولكن يقول الكاتب حمّور زيادة “للجزيرة نت” رداً على سؤال بشأن ما أراد قوله من خلال روايته “من الصعب أن يقول الكاتب الروائي هذا ما أردت قوله، فالأدب والفن عموماً عمل رمزي تماماً، فلو كان الكاتب يرغب في قول الأشياء بشكل مباشر لكتب مقالاً أو دراسة” ويضيف “أريد تقديم حكاية ممتعة، وأترك تأويل مقاصدها للقراء”. ولا شك أن الرواية ممتعة وتحوي معلومات ثرة وتستخدم أسلوباً روائياً مشوقاً وتشد القارئ للمتابعة ولكنها لا تخلو من الغرض الشخصي للكاتب خاصة إذا وضعنا في الاعتبار انتمائه السياسي المناهض للمهدية جملة وتفصيلاً! من جانب آخر، يشير الدكتور الناقد مصطفى الصاوي، أستاذ النقد بالجامعات السودانية، إلى أن “الكاتب حمّور زيادة في هذا النص استطاع إعطاء المتلقي متعة تجسدت في السرد السلس ونمذجة شخصيات على أساس فني رفيع تضمن النبوءة والإرهاص والتعرّف، مع قدرة على المزاوجة بين التاريخي والصوفي”. ومن جانب آخر، يتساءل الدكتور عبد الرحمن الغالي في تناوله لرواية “شوق الدرويش “هل هي مجرد كتابة متمردة ناقمة كشأن ارتباط الأدب في عصرنا الراهن بالمغالاة وصدم المشاعر؟ عموماً، ستظل شوق الدرويش مثار جدل واسع حتى حين.

محمد التجاني عمر قش
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. المستوى السردي للرواية تتشابك فيه شخصيات عديدة تقاطعت خلال مشوار حياة بخيت منديل ومحطاتها العديدة من العبودية إلى الحرية ثم الأسر، ومن الرحيل إلى مصر إلى السجن، ومن الحياة ما بين الخرطوم وأم درمان. أما على المستوى الفني فالرواية مليئة بالرموز الدينية التي تلائم الخلفية التاريخية للأحداث : تصارع بين المد المهداوي والمد المسيحي في السودان الذي ينعكس في آيات من القرآن الكريم وأخرى من الكتاب المقدس، بالإضافة إلى ذلك يتخلل السرد أشعار حب محلية وأخرى عربية لمجنون ليلى وامرئ القيس وغيرهما، وأقوال لكبار المتصوفة مثل ابن عربي والحلاج وغيرهما، توظف جميعها لإثراء السرد القصصي فتندمج في نسيجه وتتوزع بين أقوال تجري على ألسنة شخوص العمل، أو تظهر في رسائلهم، أو تندس بين ثنايا المشاهد الروائية.

  2. الناس فى شنو والحسانية فى شنو !!!!!الناس فى محنة البلد الحكمها الدريش عمر البشير وحول الناس كلهم دراويش .. كيف الفكاك من نظامه الخرب ..وانتم فى عرض الخيال القصصي ….

  3. المستوى السردي للرواية تتشابك فيه شخصيات عديدة تقاطعت خلال مشوار حياة بخيت منديل ومحطاتها العديدة من العبودية إلى الحرية ثم الأسر، ومن الرحيل إلى مصر إلى السجن، ومن الحياة ما بين الخرطوم وأم درمان. أما على المستوى الفني فالرواية مليئة بالرموز الدينية التي تلائم الخلفية التاريخية للأحداث : تصارع بين المد المهداوي والمد المسيحي في السودان الذي ينعكس في آيات من القرآن الكريم وأخرى من الكتاب المقدس، بالإضافة إلى ذلك يتخلل السرد أشعار حب محلية وأخرى عربية لمجنون ليلى وامرئ القيس وغيرهما، وأقوال لكبار المتصوفة مثل ابن عربي والحلاج وغيرهما، توظف جميعها لإثراء السرد القصصي فتندمج في نسيجه وتتوزع بين أقوال تجري على ألسنة شخوص العمل، أو تظهر في رسائلهم، أو تندس بين ثنايا المشاهد الروائية.

  4. الناس فى شنو والحسانية فى شنو !!!!!الناس فى محنة البلد الحكمها الدريش عمر البشير وحول الناس كلهم دراويش .. كيف الفكاك من نظامه الخرب ..وانتم فى عرض الخيال القصصي ….

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..