سودانير..الفرصة الأخيرة

سودانير..الفرصة الأخيرة
الطاهر ساتي
** حكاية عباس .. يرويها أحمد مطر شعرا ، فابحثوا عنها ثم استمتعوا بها ، بيد أني اليوم أكتفي بترجمتها إلى نثر يناسب قضية الزاوية .. عباس جبان ولكنه لم يكن معترفا بجبنه ، بل كان يدعي الشجاعة .. داهمه لص ذات مساء ، فقدم له عباس القهوة ، شربها ثم سرق ما سرق ، ولم يكتف بذلك ، حيث قتل أطفال عباس ثم راود زوجته أيضا ، وخرج بعد أن خط دائرة حول عباس ، ومحذرا إياه بألا يتجاوز تلك الدائرة .. ولكن عباس الذي كان يمتلك سيفا مصقولا ، تجاوز الدائرة متحديا اللص بعد رحيله بكل المسروقات .. وإلى يومنا هذا يتباهى عباس بشجاعته التي تجاوز بها خط الدائرة .. هكذا شجاعة عباس في أي زمان ومكان ، كما في شعر مطر ، شجاعة يستخدمها صاحبها بعد ( خراب مالطا ) ..!!
** تلك شجاعة عباس ، وهي بمثابة ابنة عم شجاعة الهيئة النقابية للعاملين بشركة الخطوط الجوية السودانية .. نعم ، تلك الهيئة النقابية سمعت بأن مجموعة عارف عرضت أسهمها في سودانير للبيع لبعض شركات الطيران العربية ، الهيئة النقابية سمعت بخبر العرض ثم رأت أن تبدي للرأي العام نوعا من الشجاعة ، كذاك النوع المذكور في الفقرة أعلاها .. فلنشاهد شجاعة الهيئة النقابية التي ظهرت في بيانها الأخير كما يلي : نطالب الحكومة بالحفاظ على كيان الخطوط ناقلا وطنيا..هكذا طالبت ، ثم أكدت بأنها ستظل في حالة تأهب قصوى للحفاظ على دور ومكانة الناقل الوطني .. حلوة تأهب قصوى دي ، ولكن القادم أحلى ، حيث قطعت الهيئة عهدا بالحفاظ على كيان الخطوط الجوية السودانية ، وتقديم أفضل الخدمات دون مساومة أو تهاون في الحفاظ على حقوق ومكتسبات العاملين وعلى رأسها الالتزام بالعقد القاضي بعدم تشريد العاملين ..هكذا أبدت الهيئة شجاعتها للرأي العام ..!!
** حسنا ، حين تقرأ مقدمة البيان تكتشف – بلا عناء – بأن الهيئة النقابية لسودانير إما جاهلة أوغافلة أو تظن بأن الرأي العام هو الجاهل والغافل .. ولو لم تكن كذلك ، لما طالبت الحكومة بالحفاظ على كيان الخطوط ناقلا وطنيا..فالهيئة تعرف بأن الحكومة فرطت في الناقل الوطني – قبل كذا سنة – حين باعت نصيب الأسد من أسهم الشعب لمجموعة عارف الكويتية وجماعة الفيحاء السودانية ، فأين كانت شجاعة الهيئة عامئذ ..؟..ثم أن الهيئة تعلم أن الحكومة عجزت عن الحفاظ على كيان سودانير ناقلا وطنيا ، فباعت ذاك الكيان الوطني لعارف والفيحاء ، بمعنى صارت كيانا ( عارفيا فيحائيا خاصا ) وليس وطنيا عاما ، فما بال الهيئة تطالب الحكومة اليوم بالحفاظ على كيان ضاع منها بالأمس ..؟ ..إذ كيف لفاقدة الناقل الوطني أن تعطي الناس ناقلا وطنيا ..؟..ولذلك أرى بأن الهيئة أخطأت حين طالبت الحكومة بما لا تسطيع إليه سبيلا ..!!
** نعم أخطأت ، وشعرت بالخطأ ، ولذلك تجاوزت الحكومة وناشدت عارف وفيحاء بأمر آخر ، حيث توسلت إليهما في الفقرة الثانية – بذات البيان – بالحفاظ على حقوق ومكتسبات العاملين بعدم تشريدهم عند البيع المرتقب .. وتلك الفقرة هي الغاية الجوهرية للهيئة ، عدم تشريد العاملين..وما سبق – كيان وطني وغيره – كان محض ( طق حنك ) مراد به كسب العواطف الغافلة ، فالهيئة تتوجس من تشريد العالمين ، ولم ولن ولا تبالي بالتفريط في الناقل الوطني .. ولذلك ، فلندعها تقاتل وحدها في سبيل ( همها الذاتي ) .. ونشغل أقلامنا بالحديث عن ( الهم العام) .. وإذا أرادت الهيئة أن تساهم في الهم العام ، فلتساهم .. وذلك بتحريك عقل السلطة الحاكمة إلى حيث التفكير بجدية في إعادة أسهم سودانير إلى أصحابها الذين أسسوها قبل نصف قرن .. نعم ، على الدولة أن تتخلص من عارف والفيحاء ، وتعيد سودانير إلى الشعب السوداني..إنها فرصة ذهبية ، فاستغلوها لصالح الناس والبلد قبل أن تستغلها عارف والفيحاء لصالحهما…!!
صحيفة الحقيقة