رواية مارخدر للروائي عمر الصايم

خالد أبو بكر ميرغني
تُعَد رواية مارخدر للروائي عمر الصايم من الروايات التي تخترق المتخيل المُعتمد على الاساطير وتتمحور حول مواضيع عدة كـ العنصرية- الحب- احلام الوطن- النضال- المرأة.
ما يدهش ويربك في آن واحد، الطريقة السردية المكتوبة بها الرواية، فادهاشها انها تعمل ككاميرا ذاتية في كل مرة ينتقل صوت المتكلم الى احدى شخصيات الرواية، وانتقالها يكون متعاقبا بدرجة كبيرة في حدث سردي متشابك له عدة نظرات واوجه، وارباكها في الاستيعاب المتأخر الذي يحصل بعد عدة صفحات وربما عشرات الصفحات ليدرك القارئ ذلك.
عندما نتفحص العنوان بموازاة القصة المصاحبة له في متن الرواية نجد انها معالج موضوعي لقضية العنصرية؛ فمارخدر هما رجلان ابيض واسود ، اسمهما مارجريس و الخدر ، فاشتق من اسميهما اسم مارخدر ويربط بينهما عصا نورانية. الادهى من ذلك ان قصة مارخدر هي متخيل لشخصيتين في الرواية[استيفانوس، مدثر] حتى يستطيعا تجاوز العقبات التي تواجه صداقتهما لانهما مختلفان دينا وعرقا، وهذه دلالة على ان المتخيل الايجابي يساعد في رتق العلاقات الانسانية المواجهة بعقد العنصرية ووهم تفوق فئة على فئة اخرى.
يُلاحظ ايضا ان هناك امتزاج بين متخيل في الامكنة والازمنة وبين ماهو موازي للمكان/الزمان ذي الطبيعة السودانية، فهناك مملكة اسمها مَدوي /وسوبا، والزمان يبدو انه في زمن يتسع في الخمسينيات من القرن العشرين من واقع اشارات ل جدار برلين/شعارات مثل لن يحكمنا البنك الدولي ، لن يحكمنا السي اي ايه/ وجود حكومة متعددة الاطراف كاشارة لعهد الديمقراطية.
يمنح هذا الامتزاج بعدا متخيلا يفتح دلالة التأويل عند المقارنة بين مكان متخيل لا وجود له بما يوازي ذلك الزمان مع ما وجود سوبا كمهد تاريخي تشير الى الممالك القديمة، وهذه متصلة بالاحداث السردية التي تربط جميع الشخصيات[مدثر- استيفانوتس- كابلا وامها تاسي]. حيث تتمفصل هذه الشخصيات حول المواضيع بصورة متنقلة تصاعديا وتراكميا في المكان/الزمان. وتشعب الاحداث لدخول شخصيات اخرى ، فمن قرية كانت تاسي تمثل دور ام متعلمة تحارب ضد ختان ابنتها مواجهة كل عقبات المجتمع الذي يشتم الغلفاء بالنجاسة وهروبها عبر النهر الى ان تنتهي قصتهما في مملكة مدوى وحكايات الشعب -الملك الظالم.
ولا انسى ايضا اهتمام الام بجمال بنتها حسب المعيار المتعارف عليه مما جعلتها في قيد اخر وكما تعبر بنتها عن نفسها بأنها في قيد منذ الصغر كل شئ مرسوم لها بالطقوس التجميلية التي تعدها امها لها، وهذا نقاش مستفيض حول المرأءة ومدى قدرتها على الخروج من وظيفة جمالية ، ولكن هناك معالكة موضوعية للمشكل الوجداني الذي نشأ بداخلها حيث التقائها بشاب من كلية الفنون حيث اعطاها كينونتها وانوثتها كما تقول عندما اعتبرها بوحة فنية، ومن علاقة عاطفية وقفت ضدها العنصرية مرة اخرى باعتباره عبد كما تصف الرواية.
تشعب الاحداث السردية وانسلالها من منبع واحد هو ما يضفي الجذب في متابعة القراءة، وربما شئ من التشتيت خصوصا مع تقنية تغاير الاصوات السردية وزوايا الكاميرا، حيث نجد انسلال لقصص تحوم حول مدثر = من المدرسة التي جمعته مع استيفانوس وكابلا الى ودخوله في دور المناضل الماركسي الملتهم للكتب عبر مدخل المسرحيات.
اما استيفانوس = قصته التي تتحول من مراهق مسيحي لونه ابيض كان يغتصب الى قاتل في المانيا بعد عدة تحولات سردية عبر الهجرة، دلالة على ان التنشئة النفسية لها دور كبير بما يصبحه الشخص في مستقبله، حيث ان تحوله لقاتل رمزية لغضب الوقوف امام المعتدين منذ ان شجعه صديقه على ذلك عند دخولهما الثانوي الى ان امتهن القتل بسبب عنصرية النازيين الجدد، وهي دلالة اخرى على بؤس العالم الاول باحلامه المتوهمة عندما هرب من عنصرية بلاده الى عنصرية اخرى والكل كما يقول – تربطنا عصا نورانية تجمعنا مرة اخرى-
اما كابلا فقصتها تدل على انتقال لوعيها الذاتي لدرجة التمرد على كل شئ فرض عليها والاهتمام بما يحقق ذاتها، فمنذ ان حفاظ امها الشديد الى نظرات الرجال في المملكة وعبر تداعي تصل الى ان حياتها مقررة من قبل اخرين بسبب جمالها وجسدها، بسبب انها امرأءة لكن تقرر حياة اخرى كما تريد.
امها دلالة على امرأة تحارب كل العالم من اجل الحفاظ على بنتها سليمة، لكنها تقع في فخ اخر وقيد اخر حيث انها تفعل ذلك بسبب نظرة اخرين والوصول الى نموذج انغلاقي على نفسه.
اخيرا نهايات الرواية تعد تشويقا في الحبكة باعتبار انها رواية تسرد بعين راوي ضمن شخصياته، وهي كمتجمع من وثائق ومذكرات شخصية ل كابلا.