أخبار السودان

(الاحد العظيمة) … قصة حياة جديدة للسودان

تحليل وقراءة : صالح عمار

طوال يوم الاحد (9 ديسمبر) عاشت الخرطوم يوماً طويلاً من التظاهرات المفاجئة وغير المتوقعة _ من حيث الحجم والكثافة _ لدرجة اربكت الاجهزة الامنية والشرطية المكلفة بتأمين النظام والسيطرة علي التظاهرات.
ومن خلال الاتصالات واللقاءات التي اجريتها مع مشاركين في الاحداث والصحفيين الموجودين في موقع الحدث لتقييم ماجري، اتفق الجميع علي ان حجم التظاهرات كان فوق المعتاد وبلغت درجة من القوة مكنتها من الاستمرارية لساعات طويلة وشلت الحركة في اجزاء واسعة من وسط الخرطوم.

كل الظروف كانت في مصلحة المتظاهرين، فاليوم الاحد هو اول ايام العمل الرسمي والدراسة للمؤسسات التعليمية وتشهد الخرطوم فيه ازدحاما وحركة اكبر من باقي ايام الاسبوع يقابلها ازمة مواصلات حادة تشهدها العاصمة ويقاسيها سكانها منذ اشهر بصمت (قنبلة موقوتة يمكن ان تندلع المظاهرات التلقائية بسببها في اي لحظة).
ونهار وعصر الاحد كان كل اهالي العاصمة المثلثة علي علم باخبار التظاهرات، وطوال مروري راجلاً كغيري ممن لم يجدوا وسيلة للنقل كانت التلفونات التي استمع اليها والحوارات تتركز حول واقعة واحدة “الخرطوم فيها مظاهرات”، ويضيف اليها الاغلبية “ونحن مالاقين مواصلات”.

العامل الثاني المهم جداً والذي يحتاج لتحليل واختبار ايضا لصحته وادي قوة دفع خفية للتظاهرات، هو اداء الشرطة _ وربما حتي الاجهزة الامنية نفسها _ وفشلها في ايقاف الطلاب المتظاهرين وحصرهم في محيط جامعاتهم كما كان يحدث في مراتٍ سابقة، وهو مايثير التساؤلات وربما حتي الشكوك.

حيث يُّعد نجاح طلاب جامعات الخرطوم والنيلين والسودان في كسر الحصار المفروض عليهم والوصول لوسط الخرطوم والاستيلاء عليه سابقة نادرة التكرار، بسبب جغرافيا ومواقع هذه الجامعات غير المساعدة للتظاهر، وامكانات التسليح والحركة التي تتمتع بها الاجهزة الشرطية والامنية.

ومايثير هذا التساؤل هو ان الشرطة وجهاز الامن كانوا علي دراية بالتظاهرات التي تم الاعلان عنها منذ نهار السبت _ اي قبل 24 ساعة من قيامها _ وهي ردة فعل متوقعة لمقتل اربعه من الطلاب بودمدني.
فهل تتواطؤ الشرطة مع المتظاهرين ؟ ام هي قوة الشارع الكاسحة وفشل للاجهزة الامنية في ايقاف التظاهرات ؟ سؤال ستتضح اجابته قطعاً خلال الايام القادمة في حال استمرار التظاهرات، ولكن من المفيد ان نذكر ان للافتراض والسؤال علاقة بالخلافات الداخلية الحادة التي يعاني منها النظام بين اركانه، ولايستبعد محللون ان تؤدي في القريب العاجل لتغييرات بداخله او حتي لاعمال عنيفة.

غير أن يوم الاحد (9 ديسمبر 2012) بكل المقاييس سيسجل ضمن الايام المهمة والمشرقة في تاريخ السودان، ليس للعوامل التي تم سردها من حجم التظاهرات وقوتها النوعية وكسرها لحواجز الخوف وحتي كونها جاءت بعد انقطاع اشهر، ولكن لسبب آخر له حساسيته واهميته وهو وحدة الوجدان القومي السوداني والشعور بالانتماء لوطن واحد بين جميع السودانيين، الامر الذي يشكل التحدي الاكبر الآن لمستقبل السودان .

فمع توجه نظام الانقاذ نحو الاعتماد علي افراد من الشمال والوسط واندلاع ازمة دارفور والدمار الذي لحق بالاقليم واهله، يشعر الدارفوريون بغبن كبير له مايبرره من دمار علي الارض. وتخرج من بينهم بصمت في غالب الاحيان وجهراً في احيان قليلة، نبرات استياء من مواطني ماتم الإصطلاح علي تسميتهم بـ (المركز) والاحزاب والفعاليات الموجودة فيه بسبب غياب مساندتهم للدارفوريين في محنتهم.

وخروج الطلاب القوي في هذا التوقيت وكسرهم لحاجز الخوف، كان من الاهمية القصوي بمكان لمستقبل السودان ووحدته وفرصة استمراريته كدولة موحدة باظهار الروح القومية، بجانب العامل ذي الاعتبار الاهم ايضاً وهو قتل اربعة طلاب لمجرد اعتراضهم علي دفع رسوم اعطتهم الدولة نفسها حق اعفائهم منها بقرار جمهوري من رأس النظام.
وبعد انتهاء مايمكن تسميته بـ (الاحد العظيمة) ورغم غموض المستقبل القريب للتظاهرات وامكانية استمرارها من عدمه، تؤكد كل المعطيات بجلاء ان القوة الامنية والعسكرية المساندة لنظام المشير البشير وصلت لاقصي درجات تحملها، وليس ذلك بسبب ضعف عتادها وعدتها العددية والمادية وإنما بسبب غياب غطاء المشروعية الاخلاقية والقانونية لعملها، وموت المشروع الفكري الذي كانت تدافع عنه. وبهذه الوضعية لن يستغرق القضاء علي مقاومتها سوي ايام معدودة وباعداد ربما لاتتجاوز الالفين او الثلاثة الآف متظاهر.

ومع انتعاش الآمال بفجر جديد، يطلُّ سؤال البديل بقوة فارضاً نفسه. وهنا يجب الا يحاول من يقاومون نظام الانقاذ الهروب من التفكير عن اجابة السؤال في نفس الوقت الذي لايجب فيه التوقف عن العمل لاسقاط النظام لحين الاجابة علي السؤال.
من الحكمة ان يمضي الخطين في توقيت واحد، لان الحديث عن البديل بمعزل عن سقوط الانقاذ قد يؤدي لضياع السودان كدولة موحدة وبالتالي لن يجد البديل وطناً يحكمه، وكما هو معلومٌ فإن كل يوم يستمر فيه نظام الانقاذ في السلطة هو في مصلحة تقوية مشروع تفكيك السودان الذي يمضي علي قدم وساق بتنفيذ الانقاذيين وبموافقة ورعاية قوي دولية واقليمية.
وسؤال البديل مشروعٌ ومن الاهمية بمكان، ونظرة واحده لما جري ويجري في مصر وتونس وغيرها من سرقة للثورات بواسطة القوي المنظمة التي كانت تتعامل مع الانظمة الشمولية تحت الطاولة يؤكد ذلك، ولماذا يذهب بنا المثال بعيدا فلقد عايش السودانيون هذا الوضع من قبل مرتين في اكتوبر وابريل اي “سيناريو ان يزرع الشعب ويحصد السادة”.
وفيما يتعلق بالبديل، الشباب والطلاب هم الاغلبية في المجتمع السوداني عدداً ونوعاً وحان آوان اعتلائهم لمنصات القيادة، وليس من الصعب تشخيص الازمة السودانية ووضع البرامج النظرية لحلها، ليكون البرنامج هو المتحكم في القيادة وليس الامزجة والاهواء.

كما أن معظم الاجيال الطلابية والشبابية من جيل التسعينيات في الجامعات ومابعدها وصلت لقناعة الآن ان مايجمعها اكبر من انتماءاتها السياسية السابقة وبدأ بعضها فعلياً في التوحد، فقط علي هولاء الانتباه ان السودان لم يعد ذلك البلد الذي يُدار من وبواسطة جغرافيا ضيقة، مساحة السودان شاسعه وشعوبه وثقافاته متنوعة وثرية ويجب ان تكون حضوراً كشركاء فاعلين (انتهي زمن الترميز والادارة بالوكالة)، وحتي لو طالب بعضها بحق تقرير المصير يجب الا ينزعج احدٌ لان هذا حق، الحوار الصادق وتفهم المظالم هو فقط الطريق السليم للحل.

وفي سياق البديل ايضاً، البعض من الجيل الشاب وكسنة غالبية السياسيين السودانيين التقليديين، لديه حب السلطة من أجل السلطة وشهوتها فقط، مثل هولاء قد لايكونوا من العمق بحيث يدركوا ان ادارة الحكم والسلطة في السودان مع تركة الانقاذ ستكون مهمة اقرب للمستحيلات، وفي الغالب سيدفع من يودُّ قيادة السودان مستقبلاً ثمناً باهظاً.
وعلي صعيدٍ ذي صلة، للسيدين مواقف اقرب للانقاذ ربما يستقونها من حكمة اوهاتفٌ لدني ورثوهو من اسلافهم، وليس من المنطق ازعاجهما بالبيانات وغيرها والانطلاق من مساجدهم ودورهم، اكبر خطأ يمكن ان ترتكبه قوي التغيير هو انطلاقها من دور ومساجد السيدين الصادق المهدي والميرغني، ومن مصلحة مستقبل “مشروع التغيير” ان يتم علي مسافة منهم ولو ادي ذلك لتاخير عجلة التغيير لاسابيع واشهر.

السودانيون في الخارج عددهم لايستهان به وبصمتهم في المواقع الالكترونية مشهودة، ولكن الناشطين علي الارض يحتاجون لافعال اكبر لانجاز عملية التغيير ومابعده. من الغريب مثلاً الا تكون هناك عدد من القنوات الفضائية تعبر عن الشارع، او ان تقف مبالغ مالية ضئيلة ومعينات مادية امام تنفيذ مشاريع وبرامج ناتجها لايقارن باي مال
.
اما الذين كسروا حاجز الصمت وخرجوا يوم “الاحد العظيمة” فهم قطعاً ادري بقضيتهم ومن المؤكد أنهم لايحتاجون لمن يوضح لهم المسار، ولكني فقط اقول : ستنتصرون حتماً وفي القريب العاجل وكل شئ يقول ذلك علي الارض ولكن السوابق تقول ان “ارواح الاشرار والشموليين لتذهب لمزبلة التاريخ تستغرق احيانا بعض الوقت”.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. كل الشباب السوداني الواعي لن يلتفت لمن يحكمه بعد الأن ولاكن سوف يهتم بماذا يحكم “البرنامج” كل الدول المتقدمة ضحوا بالملايين عشان يصلوا للبرنامج ونحن بنعاند والانقاذ كان برنامجها امريكيا روسيا قد دنا عذابها ودخلونا الدفاع الشعبي عشان نهتف أمريكيا روسيا قد دنا عذابها والنتجة طلع السودان هو الدنا عذابه وتعذب أرض وطن وشعب.

  2. كل ماورد صحيح ويلامس الواقع بدقة، فلنخرج جميعا للشوارع وليقودنا شباب امثالنا انتهي عهد الوصاية .. السودان لكل لاهله، لانريد ان نخرج للشوارع لنستبدل البشير بابناء عمومته الميرغني والصادق
    الثورة ستنتصر قريبا وسنرمي بالانقاذ واعوانها في جهنم وسيفرون قريبا من ارض المعركة
    المجد لشهداء السودان جميعا، والمجد لشهداء جامعة الجزيرة

  3. مع كامل تأييدنا لثورة الشعب والطلاب.. لكن هنالك مسألة يجب الإلتفات إليها.. المظاهرات الصغيرة المتفرقة العشوائية وإن كانت تضعف و تنهك القوى الأمنية إلا أنها ليست الحل طويل المدي إذ أن تجربة يونيو 2012 أثبتت فشلها.. الحل يكمن بتجمع كل الطلاب الثائرين والمواطنين الشرفاء أمام القصر الجمهوري.. و تأكدوا إن إحتشدنا بالآلاف فلن تستطيع القوى الأمنية من فعل أي شئ.. و سيسهل التوثيق الإعلامي و بالتالي الضغط السياسي على النظام…

  4. انتبهو أيها السادة والسيدات لما أورده الكاتب و هو:
    “فمع توجه نظام الانقاذ نحو الاعتماد علي افراد من الشمال والوسط واندلاع ازمة دارفور والدمار الذي لحق بالاقليم واهله، يشعر الدارفوريون بغبن كبير له مايبرره من دمار علي الارض. وتخرج من بينهم بصمت في غالب الاحيان وجهراً في احيان قليلة، نبرات استياء من مواطني ماتم الإصطلاح علي تسميتهم بـ (المركز) والاحزاب والفعاليات الموجودة فيه بسبب غياب مساندتهم للدارفوريين في محنتهم.. ”
    لا تعليق

  5. كل الشباب السوداني الواعي لن يلتفت لمن يحكمه بعد الأن ولاكن سوف يهتم بماذا يحكم “البرنامج” كل الدول المتقدمة ضحوا بالملايين عشان يصلوا للبرنامج ونحن بنعاند والانقاذ كان برنامجها امريكيا روسيا قد دنا عذابها ودخلونا الدفاع الشعبي عشان نهتف أمريكيا روسيا قد دنا عذابها والنتجة طلع السودان هو الدنا عذابه وتعذب أرض وطن وشعب.

  6. كل ماورد صحيح ويلامس الواقع بدقة، فلنخرج جميعا للشوارع وليقودنا شباب امثالنا انتهي عهد الوصاية .. السودان لكل لاهله، لانريد ان نخرج للشوارع لنستبدل البشير بابناء عمومته الميرغني والصادق
    الثورة ستنتصر قريبا وسنرمي بالانقاذ واعوانها في جهنم وسيفرون قريبا من ارض المعركة
    المجد لشهداء السودان جميعا، والمجد لشهداء جامعة الجزيرة

  7. مع كامل تأييدنا لثورة الشعب والطلاب.. لكن هنالك مسألة يجب الإلتفات إليها.. المظاهرات الصغيرة المتفرقة العشوائية وإن كانت تضعف و تنهك القوى الأمنية إلا أنها ليست الحل طويل المدي إذ أن تجربة يونيو 2012 أثبتت فشلها.. الحل يكمن بتجمع كل الطلاب الثائرين والمواطنين الشرفاء أمام القصر الجمهوري.. و تأكدوا إن إحتشدنا بالآلاف فلن تستطيع القوى الأمنية من فعل أي شئ.. و سيسهل التوثيق الإعلامي و بالتالي الضغط السياسي على النظام…

  8. انتبهو أيها السادة والسيدات لما أورده الكاتب و هو:
    “فمع توجه نظام الانقاذ نحو الاعتماد علي افراد من الشمال والوسط واندلاع ازمة دارفور والدمار الذي لحق بالاقليم واهله، يشعر الدارفوريون بغبن كبير له مايبرره من دمار علي الارض. وتخرج من بينهم بصمت في غالب الاحيان وجهراً في احيان قليلة، نبرات استياء من مواطني ماتم الإصطلاح علي تسميتهم بـ (المركز) والاحزاب والفعاليات الموجودة فيه بسبب غياب مساندتهم للدارفوريين في محنتهم.. ”
    لا تعليق

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..