عندما تصبح السلطة للمتعة الشخصية

عندما تغيب معادلة القانون والدستور والديمقراطية في أية دولة تكثر المشاكل السياسية، وينفتح الباب على مصراعيه لغير المؤهلين عقلياً ونفسياً ليكونوا جزءاً من السباق إلى السلطة، الذي يتحول إلى صراع تستخدم فيه كل الأدوات غير الشريفة مثلما ظل يحدث في السودان بعد الاستقلال حين فشل الرعيل الأول في تأسيس تلك الدولة، مما أدى إلى تسلق الكثيرين سلالم المسؤولية دون تأهيل، وما جاءت حكومة الإنقاذ إلى السلطة إلا لنفس هذا السبب فكانت الطامة الكبرى من أراد التمتع بالسلطة يتبع المؤتمر الوطني وحركته.

الإنقاذ فتحت الأبواب مشرعة أمام جميع غير المؤهلين عقلياً ونفسياً ليتطاولوا دون قامات ويصبحوا مسؤولين في دولة تعاني الهشاشة أصلاً، و مثل هؤلاء لا يهمهم الوطن بقدر ما يهمهم ما توفره لهم المناصب من وضع يخاطب نواقصهم، فكانت النتيجة وطناً مازوماً ومثقلاً بالجراحات والآلام والفقر والجهل والمرض ويعاني العزلة رغم ثرائه بكل أسباب الازدهار، فأزمة السودان تكمن في هؤلاء إن ذهبوا يتحرر من كل المشاكل والأزمات، ولكن تلك النواقص تأبى إلا أن تدفعهم إلى التمسك بالسلطة بأي ثمن فهم يعلمون إنهم لن يجدوا هذه الفرصة في حكومة غير هذه الحكومة، التي جعلت (ضواقة) المناصب كمتعة شخصية خير وسيلة لكسب الأتباع.

بالأمس نقلت الصحف حديثاً لما قيل إنه نائب برلماني إسمه حسن صباحي، قال معبراً عن نفسه (نحن ضقنا الحكم ولو قلعتوه مننا بنبكي وبكانا شين) وما دفعه لقول هذا ما أثير بشأن تقليص المحليات، ومضى إلى أبعد من ذلك وهدد قائلاً إن (الدواس في الحكم من زمن الجنوبيين وكل زول بداوس على حسب قدرتو) الغريبة هو مجرد عضو في برلمان ديكوري ولا أدري ماذا كان سيفعل إن كان والياً وأعفي، الرجل عبر بصدق عن إحساسه وهو يجلس على مقعد إكرامي يبدو إنه وفر له احساساً يفتقده، وهو لتواضع أحلامه يراه (حكم عديل) وليس مجرد مقعد، والله هو راجل قنوع رضي (بالضواقة) وأمامه آخرون شبعوا حتى امتلأت كروشهم وهو ليس أقل منهم.

يبدو أن السيد حسن جاء ممثلاً لمحلية من المحليات التي تكاثرت في عهد الإنقاذ من أجل توسيع دائرة (الضواقة) لكسب أكبر عدد من الأعضاء، وأصبحت المحلية معرضة للتقليص فأصيب الرجل بالفزع من فقد المقعد خاصة إنه لا يملك القدرة التي تؤهله للدواس من أجل منصب أعلى من سياق حديثه.

هنا تظهر لنا فداحة الجريمة التي ارتكبها المؤتمر الوطني وحركته في حق الوطن ليجمع له عضوية همها الكم وليس الكيف، وهكذا هم لا يعرفون معنى المناصب التي جاءوا إليها غير إنها فرصة (حكم) في الخرطوم توفر لهم التواجد في مكاتب مكيفة وتمنحهم بعض المال ووضع يقيهم شر البقاء في محلياتهم الفقيرة التي لا تزال تفتقر إلى مياه الشرب كأبسط حق، فيزورها الواحد منهم مرات معدودة وعند الحاجة.

تخيلوا عضو البرلمان هذا لم يهدد بالتمرد من أجل منطقته الفقيرة بل من أجل مقعده، ووصف تقليص المحليات بالتقليعة ولم يفعل ذلك حين تكاثرت وأصبحت عبئاً حقيقياً على الولاية وفرصة (الضواقة) متاحة من غير مؤهلات.

حقيقة حالة هذا (الزول) ليست استثناء بل هي القاعدة في عضوية المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية يعشقون السلطة والمناصب وينسون المسؤولية، ومتعة السلطة عندهم تستحق التضحية بأي شيء، فكلهم عندما تقتضي المصلحة العامة التضحية يرفعون شعار (يا فيها يا نطفيها) هذا هو مستوى المؤتمر الوطني الذي تنتظرونه.

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..