الحلو مر عطر البيوت في شعبان

الخرطوم : ولاء جعفر: على مدار عقود خلت ظل مشروب الآبري بنوعيه الاحمر و الابيض يتربع على صدر المشروبات الرمضانية ولا تكاد تخلو مائدة سودانية فى هذه الشهر الفضيل منه وكأنه ماركة سودانية 100% وما ان يهل شهر رجب وشعبان الا وتنبعث رائحة الحلو مُر من داخل المطابخ والرواكيب في هذه الأيام الشعبانية المباركة، وتجوالها عبر الشوارع والأزِقَّة، بل وتغلغلها داخل البيوت ايذاناً بمقدم شهر رمضان الكريم وإعلاناً لجاهزيّة الناس لصيامه وقيامه إن شاء الله .. ورُغم تأخُّر إشهار رائحة الحلو مُر – إذا ما قورن بالماضي ـ عند كثير من الأُسَر لأسباب ارتفاع وتيرة أنفاس الحياة اللاهثة وايقاعاتها العجلى وانصياعاً لرغبات غيلان المادَّة، رُغم ذلك تظل رمزية إعداد الحلو مُر ذات دلالة روحيَّة مُمعنة في تفرُّد هذا الشعب وتميُّز ثقافته وخصوصيته ، لتنشط الأسر السودانية طوال شهر شعبان وتنشغل أيما انشغال بتحضيره وتجهيزه وتبدأ أولى مراحل تصنيع «الحلو مر»، بشراء الذرة التى تغسل ثم تنشر حتى تزرّع وما أن تبدأ طريقها إلى النمو حتى يصار إلى قلعها وفصل ما تشابك منها. ثم تترك لتجف، ثم تجمع ويبعث بها إلى الطواحين لطحنها دقيقا ناعما. وعندما تتحول الحصيلة إلى دقيق تشمر ربة المنزل عن ساعديها تأهبا لبدء عملية كيميائية دقيقة، غالبا ما تستعين عليها بخبيرات، سواء بالإيجار أو بعون مجان من كبيرات سيدات الأسرة وعدد من الجارات، في نفير سوداني اجتماعي مميز، على أساس«اليوم عندي.. وبعد يومين عندك، وهكذا»..
«الصحافة» وقفت على خطوات صناعة الآبري حيث تبدأ اول المراحل بتجهيز الزريعة التي تستغرق فترة زمنية لا تقل عن ثلاثة أسابيع.. العيش إما فيتريته أو هجين وطريقة التحضير يترك العيش لمدة أربع وعشرين ساعة في الماء حتى يبتل تماماً ثم ينقل إلى مكان زراعته وتحضر شوالات رطبة لتغطية الذرة في مرحلة الانبات الأولى اليومين الأوائل خاصة ثم يبدأ رفع الشوالات تدريجياً بعد ان يتم الاطمئنان على حسن انبات الزريعة ولأنها تحتاج في هذه المرحلة لقدر من التهوية..وبعد ذلك تترك الزريعة بلا ماء ثم تقلب الزريعة وتترك لتجف ثم تفصل الحبوب من القش وتنظف لتطحن في الطاحونة، اما بالنسبة للبهارات فحسب كمية الدقيق فمثلا إذا كان العجين به عشرة أرباع خمسة ذرة وخمسة زريعة يحتاج لرطلين كسبرة ونصف رطل هبهان ورطلين حلبة ورطلين قرنجال ورطلين قرفة وعشرة ارطال عرديب ورطلين كركدي وربعين بلح، لتأتي بعدها مرحلة تجهيز عجين الحلو مر حيث يوضع في صاج كبير على النار ربعين ونصف الربع يعمل في شكل عصيدة تفرغ في ازيار أو اوان كبيرة الحجم وتضاف الزريعة الى عجين الذرة حتى لا يكون العجين نياً ويترك لمدة اربع وعشرين ساعة أثناء النهار يصب على عجين الزريعة«خمّار» وهو عجين مُر نسبياً في تلك الأثناء يكون البلح قد نظف واستخلص منه النوى وغلى في النار وتعجن كل هذه المواد مع بعضها البعض وتضاف لعجين الحلو مر زائداً البهارات والكركدي المبلول وتكون بذلك جاهزة للعواسة