عادة ما أصادف عربة النفايات تمر بشارعي الأربعين أو العرضة، وأحيانا قليلة أصادفها يوميا لأنها تغيب طويلا ثم تظهر لتقوم بجمع النفايات التي تراكمت على طول الشارعين، وبالمناسبة فهما لا ينظفان أبدا مثل كل الشوارع.. 27 سنة وهما في نفس الحال ، والشاهد ان المواطنين أنفسهم يتخلصون من النفايات بمنتهى الإهمال مما يلقى أعباء إضافية على عمال جمع النفايات وهم أصلا يعملون بنفس مسدودة لظروف العمل طبعا والعائد منه ،ولذلك يؤدونه بمنتهى الإهمال أيضا، ومع إهمال الطرفين تغادر العربة الشارعين وتتركهما مفروشيْن بالنفايات على مدّ البصر .. هكذا يتعامل المواطن والعمال مع النفايات.. ليس هناك نظام او رقيب او حسيب وهذا حال كل الشوارع، العرضة والأربعين مجرد مثال .
المشكلة الكبرى ليست في هذه الفوضى وعدم المسؤولية التي تتعامل بها الجهات المسؤولة ويقابلها المواطن بالمستوى نفسه ، بل في عمال النظافة أنفسهم ، فهم يعملون في هذه المهنة حفاة عراة ..أي والله ما وقعت عيني على عربة نفايات قط الا وكان الشباب الذين يقومون برفع النفايات يمشون حفاة عراة الا من بنطلون مهترئ (مكفكف ) إلى فوق الركبة ، ولا يرتدون قفازات تحمي أيديهم من التلوث ، ومن انتعل شيئا في قدمه ينتعل (سفنجة) أي أنهم يعرضون أنفسهم للخطر مقابل أجر لا يكفي حتى للمعيشة ، ومعلوم أن هذا النوع من العمل يعرض العامل للإمراض و الإصابات ، فهل تضمن لهم الدولة أي نوع من الرعاية : تأمين صحي أو اجتماعي مثلا ؟.
السؤال المهم الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا لا توفر الحكومة لهؤلاء العمال نوعا خاصا من اللبس مثل كل عمال العالم يشمل حذاءً يحمى القدمين وحتى الساق وقفازات وتلزمهم به على ألا تتحرك العربة ما لم يتأكد السائق أن كل عامل يرتدى كامل اللبس .. لماذا لا يوجد نظام يلزمهم بإجراءات السلامة وهو أمر غير مكلف ؟ وهذا أقل واجب يمكن ن تقوم به الحكومة تجاه عمالها ، أين تلك الجهة التى تسمى اتحاد العمال ؟ أليس من واجبها ضمان حقوق كل العمال أم أنها لا ترى هؤلاء المساكين الذين يعملون في الشارع؟ .
اما بالنسبة للمواطنين الذين يتخلصون من النفايات على (كيفهم) فكان يمكن ان يتم إلزامهم بالتخلص من النفايات عبر طريقة معينة ويشرف عليها العطالى (بتاعين) اللجان الشعبية ، وبعد مرور الزمن سيصبح الأمر عادة لا يحتاج إلى إشراف احد .
الظروف التي يعمل بها عمال النفايات جريمة ترتكبها الحكومة في حق شباب مازالوا في بداية حيواتهم يمكنهم أن يكونوا أكثر كفاءة وفاعلية في جمع النفايات إذا اهتمت بهم الحكومة ، فالملاحظ ان كل العاملين في جمع النفايات هم من فئة الشباب وبينهم أطفال أيضا .
السيد والى الخرطوم.. هزمتك نفايات الخرطوم مثلما هزمت كل الولاة الذين سبقوك ، رغم وفرة وسهولة الحلول ، ولكن لا أظن ان فكرة ضمان سلامة عمال النفايات يمكن ان تهزمك .. مطلوب منك فقط ان توفر لهم (أحذية بلاستيكية وقفازات وأوفر أول) وهي ليست مكلفة ولا تساوي شيئا مقابل حماية أرواح شباب يعملون حفاة عراة في مهنة كلها مخاطر .
التيار
