
في سودان ما بعد الثورة ، يجب ألا ينظر إلى الأحداث دون الرجوع إلى علاقتها بالتغيير الضخم الذي ينتظم البلاد رغم ضراوة الصراع والمعوقات .ومن هذه الزاوية تحديداً ، نظرت إلى الاحتفال الفخيم الذي أقامته روابط طلاب القرية 13 بالجامعات والمعاهد العليا بتكريم لم يترك للائم سبيلا. فقد شمل كل الناجحات الأثر عدداً والناجحين في شهادتي الأساس والجامعي وكل من كان له دور من مدارس ولجان معاونة ثم امتد كرم اللجنة لتكريم المتقاعدين من المعلمين أياً كانت سنوات تقاعدهم وكنت منهم. ولم ينس تكريم أسر من اختارهم الله إلى جواره .
بالعودة إلى الحفل نفسه ، وبالمنظار الذي رأيت أن أتناوله به ، فقد كان بحق حفلاً يمثل عنواناً للمستقبل القريب للقرية كنموذج يمكن أن تقاس عليه بقية المناظق والقرى في السودان.
لقد اشتهرت القرية بالإجادة في تنظيم الاحتفالات عبر لجان ثابتة .فشمل التكريم هذه اللجان .ونجاح الحفل يشير إلى مقدرة الشباب على القيام بذلك . ولئن استناروا بنصائح الآباء ،فإن بصماتهم كانت واضحة.وشهدت شخصياً للمرة الأولى مذيعة داخلية أجادت الربط بين الفقرات. وقد كان اختيار النادي موفقاً بديلاً للمدرسة.فبالإضافة للرحابة وتفعيل دور النادي .فقد أتاح للجميع الحضور كباراً وصغاراً وأطفالاً مادون المدرسة وتلاميذها الذين حاولوا جهدهم لبس أجمل ما لديهم. وربما كانت المدرسة مُلزمتهم بالحضور بالزي المدرسي وتجلدهم إن خالفوا . فما زال في عقل الكثيرين من الآباء والمعلمين والمعلمات بقايا من الحجوة التي عفا عليها الزمن فيمن له اللحم وله العظم.فلحم أطفالنا مر بعد أن تغيرت المفاهيم للمستقبل وأصبحت للطفل حقوق تصان بالقانون. لذلك كنت سعيداً وهم يمارسون شقاوتهم بالرقص كيفما اتفق إن عزفت الموسيقى لملء الفواصل.فشعار الثورة الأول بالحرية ، ليست للسياسيين وأعضاء الحركات .بل لكل أجيالنا خاصة الصاعدة.وهذا ما رسخه الحفل.
من ضمن من شملهم التكريم طالبات منقبات . لم يمنعهن نقابهن من الصعود على المسرح لتسلم شهاداتهن دون مصافحة الرجال . وهذا قمة الاحترام مع حرية المذهب . بالتوازي ما أن قدمت فقرة من الغناء حتى كان ظهر الجرجار النوبي وصفوف الراقصين والراقصات . هاهو التاريخ يعيد نفسه. فبلدة إشكيت .انجبت حسن طنون وابوزيد محمد حمزة ومحمد سيد حاج ومحمد الأمين اسماعيل. لكنها بنفس القدر والتوقيت ، أنجبت معظم فناني حلفا بداية من ولولي مروراً بصلاح ياسين وشاكر وفرقة 13 وزكريا. وكان ولولي يرتاح بزفة العريس في نفس الشارع الذي كان أبوزيد يفتي فيه بحرمة الغناء والرقص والاختلاط.
أما فلتة الحفل .فهو ظهور بوادر لنفس المسيرة بظهور الموهبة الغنائية الطفل توفيق ليمثل امتدادا لمن سبق وعنوانا لمستقبل الغناء .0صحيح أن الحكم على صوته ومسيرته مبكر لكونه لم يبلغ الحلم بعد. لكن توافقه مع الزمن وهيمنته بل وتمكنه من المشاركة مع الأستاذ عبد الرؤوف بأسلوبه الخاص ، يبشر بالخير. ختاماً لا نملك كمواطني قرية إلا أن نزجي أسمى آيات الشكر لأبنائنا على هذا الحفل باسم الجميع . ونقول أننا اطمأننا على مستقبل قريتنا.