الفكر العربي الإسلامي والأزمة السودانية

مقدمة:
للأسف تتجنب النخب السودانية الدخول في معترك مع ما يسمي بالفكر العربي الإسلامي رغم انه سبب الأزمة الحقيقية لكل المشكل السوداني. وتترك النخب مجال الأفكار وتهرب منه في اتجاه مجال تطبيق تلك الأفكار فنجدها في المجالات السياسية والفنية والرياضية وغيرها تتحدث بإسهاب دون وعي بان ذلك مجال لاحق، فالأولي هو صياغة الأفكار الكلية ثم يأتي بعدها تطبيق تلك الأفكار ومن خلال تلك الثنائية تأتي مراجعة مستمرة للأفكار الكلية وللتطبيق من اجل معالجة ما يظهر من أزمات إذا كانت في الأولى أو في الثانية وهو مجال البحوث الاجتماعية. ولكن عندما يقف النخبوي عاجزا أمام مقولات الفكر العربي أو يسلم بها ويحتج بالواقع باعتباره لا يصلح لتلك الأفكار أو غيرها من منافذ الخروج التي يهرب من خلالها، هو في الحقيقة يسوق لتلك الأفكار ويدعمها لتستمر في التحكم بالواقع من خلال تلك المواقف السلبية، فلا تنتظر المجتمعات من النخب رفض تلك الأفكار فقط أو ممارسة أنماط سلوكية مضادة لتلك الأفكار ولكن تنتظر أفكار بقيم مختلفة تستطيع من خلالها الحكم بينهما.
وحقيقة النخب السودانية في خوفها من الخوض في مجال الفكر العربي الإسلامي هي في ذلك توازي خوف الإنسان العادي الذي لم يجد غير الخرافات ليؤمن بها، فهي توازيه عند مرحلته التي وقف عندها في إدراك مفهوم الإله، واستغل الفكر العربي الإسلامي ذلك وأصبح لا ينشر سوى الخرافات عن الإله وبطشه وناره وخسفه بالناس الأرض وغيرها التي جاءت في الرسالة كإرشاد وأصبحت تستغل لتمرير الفكر العربي، والذي في ذاته أي الفكر العربي الإسلامي لا يدرك الاختلاف بين المجال الإنساني والمجال الإلهي وأين تقف حدود المقدرة الإنسانية. فعبادة الله مخافة منه هي عبادة الإنسان الأول الذي عبد النار والحيوانات وغيرها حتى يامن شرها، وعندما عرف ان هنالك ماوارء الطبيعة أيضا عبده كما يعبد تلك الأشياء، وللأسف استمر ذلك الوعي رغم كل الرسالات التي جاءت لتعديل إدراك مفهوم الإله وكذلك تعديل مفهوم الإنسان وغيره من المفاهيم التي توقف إدراكها نتيجة لقصور النخب.

مدخل:
العرب والإسلام:
من خلال الكتابين (الإرشاد في الرسالات الإلهية وكتاب استيعاب الرسالة المحمدية) توصلنا إلى وجود بون شاسع بين الرسالة الإلهية الخاتمة وبين ما يسمي بالفكر العربي الإسلامي (راجع الكتابين على مدونة الثقافة السودانية وأزمة التدوين)، ووجدنا ان الفكر العربي قد حور الرسالة الإرشادية إلى رسالة اجتماعية تختص بالمجتمعات العربية وبفترة زمنية محددة، فكل ما يبشر به الفكر العربي الإسلامي ليس هو ما أرادت ان توصله الرسالة الإرشادية، وفي كثير من الأحيان يكون المراد عكس ما يسوق له الفكر العربي الإسلامي. فمن مفهوم الإسلام الذي اقتطعه ذلك الفكر من معناه الحقيقي ليحوره إلى معني اجتماعي يدور في فلك المجتمعات العربية إلى مفهوم الآخر والعلاقة معه إلى اقل المفاهيم تأثيرا، كل ذلك يختلف في الإرشاد عن ما في الفكر العربي الإسلامي.
ودون ان تدرك النخب العربية ما تفعله نجدها حولت الرسالة إلى غطاء لنشر قيمها الاجتماعية ومفهومها للحياة الإنسانية، فلم تكن الحروب التي خاضتها المجتمعات العربية من اجل نشر الرسالة الإرشادية، والرسالات لا تنشر بالحروب ولكن كانت تلك الحروب من اجل نشر الرسالة المجتمعية التي تم استيعابها من قبل تلك النخب باعتبارها رسالة إلهية. فكل الحروب التي قامت بخلاف رد العدوان هي حروب بدوافع إنسانية حتى ولو تدثرت بالغطاء الإلهي.
ولم تحاول المجتمعات العربية ونخبها مراجعة تلك الأفكار والمراحل التاريخية التي أنتجتها وقامت عليها ولكنها أصرت على تمثيل الإله في الأرض بالنسبة لكل المجتمعات الأخرى، وأصبح يقول كل من امن بالفكر العربي الإسلامي ان كل الأفكار والأفعال التي حدثت وتحدث منذ فترة الرسالة هي من الله واليه ويفرض ذلك القول ليس على الإنسان فقط ولكن على الله أيضا، فهي تدعي ذلك حتى لو قال الإرشاد بخلافه، فيتم لوي الإرشاد ليؤكد ما تفعله وتقوله. فلا يوجد في من يؤمن بالفكر العربي الإسلامي من يقول ان هذا ما استطعت إدراكه وعلى الآخرين محاورته اذا وجدوه صحيحا اتبعوه وإذا وجدوه خطا تركوه ولكن الكل يقول ان هذا من الله ومن اتبعه اتبع ما أراد الله ومن تركه فقد فارق الطريق الإلهي، فيجعلون من ذاتهم والله في نفس المرتبة ويصبحون هم آلهة على الأرض.

المجتمع السوداني والفكر العربي الإسلامي:
خاض المجتمع السوداني صراع طويل مع الفكر العربي الإسلامي، فقد حاولت الممالك العربية أو التي تنتمي إلى الفكر العربي التي قامت في مصر الاستيلاء على الأراضي السودانية بحجة نشر رسالتها المجتمعية ولكن وقفت لها المجتمعات السودانية التي رفضت القهر والظلم والعبودية حتى ولو جاءت باسم الله. فرغم خلو الفضاء السوداني من المجهود الفكري وتكوين رؤية لماهية الحياة في ذلك الوقت إلا انه اوجد قيم إنسانية كانت تعبر عن استيعاب متقدم للحياة من خلال التكامل بين المجتمعات والتعامل مع الآخر المجتمعي كآخر إنساني. فالمجتمع السوداني هو المجتمع الوحيد في ذلك الظلام الذي كان يمارس وليس يؤمن فقط الاختلاف المجتمعي والإنساني ويتيح للآخر الحياة داخل حدوده المجتمعية، ومن خلال تلك القيم تقبل المجتمع السوداني الأفراد والمجتمعات العربية التي جاءت مسالمة باحثة عن فرص للحياة ولكنه في ذات الوقت حارب كل من جاءه حاملا سلاحا يحاول ان يفرض عليه ذاته ومفهومه للحياة. ورغم الامتزاج بين الدماء السودانية والعربية داخل الواقع إلا ان الصراع بينهما كان متصلا، فالدماء العربية كانت تمتلك فكر داعم لقيمها ورؤيتها للحياة التي تعود جذورها إلى واقع مختلف ولكنها كانت قاصرة عن إدراك المجتمعات السودانية ومرحلة تحولاتها التي استمرت رغم محاولة تحجيمها من قبل ذلك الفكر. اما الدماء السودانية فكانت تمتلك قيم تتيح إمكانية تجسيد الفرد لإنسانيته وكذلك تعمل على التكامل المجتمعي بالإضافة إلى وجود مساحات في تلك القيم لاستيعاب أفراد آخرين أو مجتمعات أخرى وممارستها دون ضغوط وكانت تلك القيم تحقق الكثير من ذات الفرد والمجتمع، ولكن ما كان ينقصها هو الرؤية التي تبلور ذلك التحول وتلك القيم داخل مفاهيم كلية وجزئية تخدم المجتمعات وتستطيع ان تحاور وتجادل الرؤى الأخرى. استمر الصراع ذلك وقاد إلى حالة من التجاذب داخل الواقع السوداني أدت في النهاية بعد استحواذ الفكر العربي على كامل الفضاء الفكري السوداني إلى حالة من القطيعة التاريخية بين الإنسان السوداني والواقع والتاريخ والقيم. وأصبحت المجتمعات السودانية تعيش وفق ما تتطلبه اللحظة التاريخية وتعبر وفق الرؤية العربية التي لا ارتباط لها بالواقع مباشرة. ورغم حالة الشد والجذب تلك إلا ان متانة القيم السودانية التي جاءت من خلال تاريخ طويل للحضارة السودانية نجدها لازالت تحافظ على الشكل المجتمعي للمجتمعات السودانية رغم ما تحمله الرؤية العربية من رفض للآخر يقود إلى تمزق المجتمعات من داخلها.

الفكر العربي الإسلامي والنخب السودانية:
جاء الفكر العربي الإسلامي كما ذكرنا ملتحف ثوب الإله، فلم تقدم النخب العربية رؤيتها باعتبارها محاولة لاستيعاب الرسالة الإلهية ولكن قدمتها باعتبارها هي الرسالة، فكانت تقول قال الله ثم تشرع بدمج ذلك القول مع القيم والمفاهيم المجتمعية العربية باعتبارهم جزء مكمل لبعضها البعض، ولم تفطن النخب السودانية أو غيرها إلى الاختلاف بين الرسالة الإلهية الإرشادية وبين الرسالة القيمية العربية التي حملتها المجتمعات العربية إلى غيرها ومن ضمنها المجتمع السوداني، واستسلمت تلك النخب لتلك المقولات وأصبحت تحاول من منحي توفيقي إيجاد توازن بين الواقع السوداني وبين مقولات نبعت تاريخيا في مجتمعات أخرى رغم البون الشاسع بين الواقع السوداني واحترامه لمفهوم الإنسانية والآخر والتعامل على أساس أنساني وبين تلك المقولات العربية التي لا يوجد بها مساحة للاختلاف فهي مع أو ضد.
خاتمة:
لا نريد في هذا المجال التحدث عن الاختلاف بين الإرشاد الإلهي وبين الرسالة والمقولات التي ينسبها العرب إلى الله، ففي الكتب التي ذكرناها سابقا ما يفي بهذا الغرض، ولكن نريد في مقال لاحق التحدث عن مفهوم الهوية الذي أتي به الفكر العربي وتمت زراعته في السودان مما أدي إلى الكثير من الأزمات بين المجتمعات.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. ياخالد ممكن تسمعني؟

    ياخالد هل مطلوب من السودانيين حل اسئلة الدين والفلسفة؟
    ياخالد السودان بلد متنوع عديل كدا ف ليه يكون حقل تجارب لافكار بتتطلب شي من الانسجام النوعي في تركيبتو؟

    ياخالد الانكليز حكمو السودان دون اي ايدلوجيا ولادين.. والنتيجة دوله مؤسسة منتجة وبحترم كل الاديان والايدلوجيا

    ياخالد افكار الاسلاميين دي في بلاد اهلها ماظبطت.. اولادنا اتغشو وبقو رسل ليها اي عبيد لسادة من خارج الوطن

    ياخالد المواطن السوداني في حاجة للتعليم والصحة والعمل مش الافكار النيه

    ياخ اطلع منها واذا ماعاجبك شوف ليك بلد تانيه امرقو خلوا لينا سودانا نبنيهو

  2. ياخالد ممكن تسمعني؟

    ياخالد هل مطلوب من السودانيين حل اسئلة الدين والفلسفة؟
    ياخالد السودان بلد متنوع عديل كدا ف ليه يكون حقل تجارب لافكار بتتطلب شي من الانسجام النوعي في تركيبتو؟

    ياخالد الانكليز حكمو السودان دون اي ايدلوجيا ولادين.. والنتيجة دوله مؤسسة منتجة وبحترم كل الاديان والايدلوجيا

    ياخالد افكار الاسلاميين دي في بلاد اهلها ماظبطت.. اولادنا اتغشو وبقو رسل ليها اي عبيد لسادة من خارج الوطن

    ياخالد المواطن السوداني في حاجة للتعليم والصحة والعمل مش الافكار النيه

    ياخ اطلع منها واذا ماعاجبك شوف ليك بلد تانيه امرقو خلوا لينا سودانا نبنيهو

  3. السودان مما بارى العرب وانضم لجامعة العهر والدعارة السياسية العربية ورفض الانضمام لدول الكومونولث واخذ بالنظام العربى العاهر الداعر القذر الواطى المتخلف من انقلابات الضباط الاحرار واليسار العربى بمختلف مدارسه والاسلام السياسى الذى اتانا من مصر وترك النظام الديموقراطى والمؤسسات السياسية والاقتصادية والادارية التى تركها البريطانيين الجزمتهم اطهر واشرف من كل العرب بقى بلد واطى وقذر وفاشل ما اصلا البيبارى القذارة والوساخة بيبقى زيها واقصد النظام العربى الواطى القذر الفاسد الفاشل العاهر الداعر والما عاجبه هذا الكلام ……امه!!!

  4. السودان مما بارى العرب وانضم لجامعة العهر والدعارة السياسية العربية ورفض الانضمام لدول الكومونولث واخذ بالنظام العربى العاهر الداعر القذر الواطى المتخلف من انقلابات الضباط الاحرار واليسار العربى بمختلف مدارسه والاسلام السياسى الذى اتانا من مصر وترك النظام الديموقراطى والمؤسسات السياسية والاقتصادية والادارية التى تركها البريطانيين الجزمتهم اطهر واشرف من كل العرب بقى بلد واطى وقذر وفاشل ما اصلا البيبارى القذارة والوساخة بيبقى زيها واقصد النظام العربى الواطى القذر الفاسد الفاشل العاهر الداعر والما عاجبه هذا الكلام ……امه!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..