
أصبت بالغثيان حقيقة وبالصدمة لخبر تزوير التقريرالطبي عن أسباب وفاة الشهيد بهاء الدين – رحمة الله عليه–، لم أكن أتوقع أن تصل أخلاقيات العمل في الخدمة السودانية الي ذلك الحضيض وتمس عصب الخدمات الطبية . كنت أحسب تعطيل الضمير يقف عند تزوير مستندات مالية للحصول علي رواتب بعض المتوفين ، تزوير يقوم به طبيب و مدير مشرحة تدرجت خبرته بعد أداء قسم المهنة الشهيرلم أكن أتخيله يحصل بين منسوبي الخدمة المدنية ا لسودانية وتحديدا في مجال الطب.
تشربت الخدمة المدنية في السودان بأخلاقيات مرعية حافظت عليها الاجيال ، ثم صاغها المشروع الحضاري في اعادة الصياغة التي تبناها علي عثمان طه وعندها هبطت أخلاقيات المهن المختلفة. في الحقيقة تبدلت طرائق العمل فكان زعيم العمال هو أكاديمي لم يتدرج في سلك النقابات وأصبح دكتور غندور هو رئيس الحركة النقابية في السودان . صالح الكيزان جاء تفضيله علي الصالح العام فكان احلال كوادر الجبهة بديلا لخبرات ووظائف الخدمة المدنية التي صرفت عليها الدولة أموالا ووقتا.
تزوير تقرير طبي هو رأس جبل الجليد الذي يؤشر الي الدمار الذي حاق بالخدمة المدنية من سوء أخلاق وتخل عن بروتكولات العمل . دوافع التزوير في ظل اليقظة الثورية لا تبررها حجج دفع بها مدير المشرحة الذي ارتكب الجرم، قولة الحق لها حلاوة والوقوف مناصرة ومنافحة للرأي الفني يرفع من شأن الانسان مهما تواضع عمله.
الحاجة ماسة في السودان الي الاعتراف بأن اعادة الصياغة بموجب متطلبات المشرع الحضاري أضرت كثيرا بعمل الجهاز الفني للدولة السودانية ، لم تعد الخدمة المدنية تراعي أخلاقيات العمل والطبيب لا يحترم مهنته والمجالس العالمية التي تضبط العمل الطبي عالميا وما تصدره من بروتوكولات عمل ينحيها جانبا الطبيب في السودان ثم يشتغل ببدائية تثير الغثيان.
لا بد من صرخة لإصلاح وتقويم أخلاقيات الخدمة المدنية في السودان ، فلنطرح الامر في مناقصة عالمية لتتقدم شركات ودول لإدارة الخدمات العامة في السودان لإعادة صياغة الخدمة المدنية الي سيرتها الاولي قبل المشروع الحضاري وزرع الاخلاق في روحها التي انتزعتها الانقاذ وكوادرها
وتقبلوا أطيب تحياتي