الجمهورية الثانية..( تجريب المجرب)!ا

الجمهورية الثانية..( تجريب المجرب)!!
تقرير .. حسن بركية
[email protected]
بحلول يوم التاسع من يوليو الحالي فقد السودان 25% من مساحته، وبذلك لم يعد أكبر أقطار القارة الإفريقية، كما تراجع إلى المرتبة الثالثة من حيث المساحة بين البلاد العربية. وفقد ربع عدد سكانه وحوالي 75 من إيرادات النفط، وأصبحت شعارات الجمهورية الثانية أمام محك حقيقي خاصة أن كل تلك الخسائر كانت تبدو مبررة إلي حدما إذا كان الثمن وقف الحرب وجلب السلام- وعندما سئل الرئيس البشير أول أمس في حوار مع البي بي سي (عما اذا كان يتحمل مسؤولية انفصال الجنوب رد بالايجاب بشكل قاطع لكنه قال ان السلام يستحق دفع هذا الثمن ). جلب السلام أمر ضروري وحيوي ولكن الوصول إلي خيار بتر الجنوب ثم الدخول في حرب أخري سيكون بمثابة الكارثة وخاصة أن عوامل الانفجار في جسد دولة الشمال موجودة من دارفور إلي جنوب كردفان وصولا إلي النيل الأزرق التي بدأت فيها قبل أيام بروفات لصراع قادم عندما أقدمت قوات تابعة لقطاع الشمال بالقيام بعرض عسكري وبمصاحبة أسلحة ثقلية وهنا إقتربت صورة الحرب الممتدة من النيل الأزرق شرقا إلي دارفور غربا في الأذهان.
(1)
الجمهورية الثانية في الشمال والتي بشر بها البعض وقالوا بأنها ستكون خالية من التشاكس والصراع ووانها سوف تحتكم إلي الشريعة(دون دغمسة) واللغة العربية كلغة وحيدة يسمع فيها لعلة صوت الرصاص في أكثر من مكان، وبدت محاولات تصوير الشمال بعد بتر الجنوب في صورة الدولة الخالية من المشاكل والصراعات غير ذات جدوي في ظل واقع يكذب كل التصورات والأقوال. وهناك من لايزال يسهب في تعداد محاسن الانفصال ومنهم رئيس المجلس الوطني احمد ابراهيم الطاهر الذي قال(أن السودان بعد انفصال الجنوب يملك فرصة كبيرة لتحقيق الوحدة خاصة في ظل التجانس الثقافي والعرقي والتداخل بين مكوناته). وبعيدا عن التجانس العرقي والديني هناك تحديات كبيرة تواجه الشمال وهي تحديات سياسية واقتصادية تقفز فوق كل الأعراق والديانات وتتعلق بالانسان من حيث هو انسان في معاشه، ومنها قضية الديون وترسيم الحدود أبيي ودارفور والأوضاع الاقتصادية المتدهورة في ظل حصار دولي مستحكم ومتوقع أن يشتد في الفترة المقبلة وهذا قالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون (يعتمد نجاح السودان في المستقبل علي قدرته علي انهاء عزلته الدولية وهذا هو السبيل الوحيد الذي سيضمن من خلاله الحصول علي تمويل واستثمارات دولية وقرارات بتخفيض ديونه).
(2)
ومن أبرز التحديات التي تواجه الجمهورية الثانية التحدي الاقتصادي في ظل تراجع مداخيل النفط بانفصال الجنوب وتدهور القطاعات الانتاجية الأخري مثل الزراعة والصناعة وغيرها، ويقول الدكتور بابكر محمد التوم نائب رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس الوطني??أنه بالرغم من دعم برامج الزراعة فقد لازم التعثر مشروع الجزيرة وكذلك الكثير من المصانع باستثناء العاملة في السكر وغيرها إضافة لوجود البطالة. ومن القضايا الهامة التي تستحق عناية خاصة تفكك الجبهة الداخلية في الشمال ففي الوقت الذي كان فيه الجنوب رغم كل التباينات العرقية والقبلية موحدا في خطوطه العريضة وبرامجه الأساسية كان الشمال وزال منقسما بين الحكومة والمعارضة ولازالت شقة الخلافات كبيرة بين الحكومة ومعظم قوي المعارضة الحزبية والمسلحة. وبالتالي من الهم إجراء تعديلات دستورية وسياسية تعيد صياغة الواقع في الشمال لمجابهة التحديات القادمة.
(3)
وتتصدر الهموم الاقتصادية قائمة التحديات التي تنتظر شمال السودان وبعد يوم واحد من انفصال الجنوب انخفضت قيمة الجنيه السوداني مقابل الدولار الامريكي في ظل تخوفات من تأثر الاقتصاد السوداني بفقدان عائدات النفط المستخرج من الجنوب والذي يمثل 75% من اجمالي انتاج السودان النفطي، وتضم قائمة المخاوف والهموم الاقتصادية الانفلات الذي يشهده السوق السوداني والارتفاع الجنوني في الأسعار خاصة المواد الغذائية، ويذكر ان تقرير لادارة الأمم المتحدة للشئون الاقتصادية والاجتماعية وضع السودان علي رأس قائمة الدول الأكثر تضررا من إرتفاع أسعار الغذاء وجاء الترتيب كمايلي، السوادن ثم باكستان وتنزانيا وتشاد ومالي وكينيا والهند.
(4)
وأمام (الجمهورية الثانية) قائمة طويلة وممتدة من التحديات والملفات الساخنة التي لاتقبل التأخير وهي تصل مرحلة تهديد بقاء ماتبقي من السودان موحدا ، قضية دارفور مرشحة لمزيد من التدهور ومايجري في الدوحة لن يكون كافيا لوضع أسس الحل الجذري وجبال النوبة تشتعل والنيل الأزرق تتحسس (كروت ضغطها) والخرطوم وباقي أنحاء السودان الغلاء يطحنهم طحنا والركود يضرب الأسواق والبطالة تحاصر كل الأسر، والمطلوب إجتراح حلول وطنية جادة ودون الالتفات للذين يقرعون طبول الحرب.
أراك يا أخي بركية قد استهللت مقالك بأن السودان قد فقد 25% من أراضيه ولم يعد أكبر دولة أفريقية وعربية، ألا ترى أن هذه الجملة بالذات هي أصل المشكلة السودانية ذلك بأن النخب الحاكمة قد اهتمت بالأرض قبل الإنسان الذي يقطنها وأن الكل إبتداءً من الحكومة حتى أبسط واحد في السودان الشمالي مهتمون بشكل الخريطة حتى أنهم أجروا استطلاعات عن شكل خريطة السودان بعد إنفصال الجنوب، بالله عليكم أما كان من الأجدر عليكم أن تركزوا على فقد البشر والعقول التي ذهبت نتيجةً للفهم العنصري البغيض لدى كثير من المسئولين وغيرهم؟