درس في الضمائر

بقلم: الدكتور نائِل اليعقوبابي
سئل أعرابي, ما الذي يفجعك أكثر,
قال: عندما أسمع..
– الفاجر وهو يتحدث عن الفضيلة.‏
– الكذّاب وهو يتحدث عن الصدق.‏
– اللص وهو يتحدث عن الأمانة.‏
– الفاشل وهو يتحدث عن طعم النجاح..).‏
.. سألني مستفهماً باستغراب: يتحدَّثُ الناسُ عن الضمائر بصور محيرة، تدخلني في متاهات لا نهاية لها، فهلا أفدتني بماهيّتها، وأنتَ الخبير بملابساتها؟..‏
قلت متوجِّساً: أنت تسألني مُلْغِزاً؛ وأفيدُكَ أنَّ الضمائر ثلاثةُ أنواعٍ من حيثُ نسبتُها لأصحابها، فهي:‏
ضمائر للمتكلم والمخاطب والغائب؛ ومن حيث مادتها، فهي: منفصلة ومتصلة ومستترة ومن حيث إعرابها فهي: ضمائر للرفع والنصب والجر.‏
ويمكن أن أشرح لك حالاتها الإعرابية في بناء اللغة وتوجيه العبارة.‏
قال: ما أردتُ ذلكَ، وإنما أردتُ ما ترمي إليه في معنى القولِ المتداولِ على ألسنةِ الدَّهْماءِ، ولم أقصد مقامَها في البناء اللغوي مطلقاً.‏
قلت: ربما عنيت مغزى وجودها التربوي والتوجيهي في فلسفة الحياة من وُجهة المسار التقويمي؟‏
قال: ذاك ما أبتغي ـ أطالَ الله عُمْرَكَ ـ قلتُ: لقد خامرَ مخيَّلتي هذا، فاسمع ما لاحَ لي مما تريدُه وتبغي إدراكَه، وأنا مثلُك كان هذا الأمر طِلْبَتي في لحظةٍ من الزمن.‏
واعلمْ يا صاحبي أنَّ الضمائر شفافة فضاحةٌ وقد تكونُ كالمرآة العاكسة ترصدُ ما وراءَها. ولها أنواعٌ؛ فقد تكونُ ضمائر رفعٍ إن استطاع صاحبها أن يُجندها في تحقيق ما ينفع المرء، ويحسن حضوره، ليكون مضرب المثل في سمو الروح ونقاء السريرة ومن هنا جاءته سمة الرَّفع..!.‏
وقد تكونُ ضمائر نصب: وهنا يكونُ سلوكُ حاملِها؛ مُهيَّأً لانتهازِ فُرصة أو اكتسابِ منفعةٍ تجرُّ عليه الربح مادام منصوباً في وجاهة المكان، فإنْ زالت عنه الوجاهةُ انحطَّ إلى مرتبةٍ دنيا، يكون لها اسمٌ آخرُ في رصيدِ اللغةِ وسلّم المعرفة الترميزية مبنيٌّ على النَّصْبِ والاحتيال، وما أكثرَ من تتمثَّلُ عندَهم هذه الصفة في هذا الزمان الرديء، نلمسُها طاغيةً في ظلَّ المنصبِ حين ترى صاحبه يتصنع سمت الجدِّ، فإن زالَ طيفه زالت عنه حصانةُ التقويم.‏
وأما ضمائر الجر فإنها تمثل ارتكاساً في مدارج القيم، كثيراً ما تقودُ صاحبها إلى موارد الهلاك، حين ترتكس الضمائر بمالا يحمد جانبه من القيم التي تمرّغ صاحبها في الرذائل وتجرُّ عليه أفدحَ المصائب، ومن هنا يأتي القول: هذا ضميرُه مُدنّسٌ وذاك ضميره مزيَّفٌ، وذلك بلا ضمير، وبهذا تتجلى المرصودةُ فيما ترمزُ إليه الضمائر.‏
فضمير الرفع: يتربّع على عرشِ النقاء والعمل المتين الجادِّ.‏
وضمير النَّصب يغرقُ في الأنانيّة وحبِّ الذات وتسيطرُ عليه المصالحُ الشخصيةُ المسعورةُ.‏
وضميرُ الجرِّ، ينحدر إلى الهاوية في معارج القيم، أعاذنا الله ووقانا من شرِّه المستطير.‏
وسوف أحدثِّكَ في درسٍ آخرَ، إن أسعفني الحظُّ، عن الضمائر المتَّصلةِ والمنفصلة والمستترة، فاحفظْ هذا ـ رعاك الله ـ واستعدَّ له.
[email][email protected][/email] ‏

تعليق واحد

  1. وقــال النهــر… درس في الضمائر
    العدد:
    490

    سألني مستفهماً باستغراب : يتحدث الناس عن الضمائر بصور محيرة ، تدخلني في متاهات لا نهاية لها ، فهلا أفدتني بماهيتها وأنت الخبير بملابساتها ؟ قلت متوجساً أنت تسألني ملغزاً ، وأفيدك أن الضمائر ثلاثة أنواع من حيث نسبتها لأصحابها ، فهي ضمائر للمتكلم والمخاطب والغائب ، ومن حيث مادتها فهي : منفصلة ومتصلة ومستترة ومن حيث إعرابها فهي : ضمائر للرفع والنصب والجر ، ويمكن أن أشرح لك حالاتها الإعرابية في بناء اللغة وتوجيه العبارة .
    قال : ما أردت ذلك وإنما أردت ما ترمي إليه في معنى القول المتداول على ألسنة الدهماء ، ولم أقصد مقامها في البناء اللغوي مطلقاً .‏

    قلت : ربما عنيت مغزى وجودها التربوي والتوجيهي في فلسفة الحياة من وجهة المسار التقويمي ؟ قال ذاك ما أبتغي – أطال الله عمرك – قلت لقد خامر مخيلتي هذا فاسمع ما لاح لي مما تريده وتبغي إدراكه وأنا مثلك كان هذا الأمر طلبتي في لحظة من الدهر . واعلم يا صاحبي أن الضمائر شفافة فضاحة وقد تكون كالمرآة العاكسة ترصد ما وراءها .‏

    ولها أنواع ، فقد تكون ضمائر رفع إن استطاع صاحبها أن يجندها في تحقيق ما ينفع المرء ، ويحسن حضوره لدى الآخرين ليكون مضرب المثل في سمو الروح ونقاء السريرة في صنع الخير وبناء الوطن ،ومن هنا جاءته سمة الرفع !‏

    وقد تكون ضمائر نصب : وهنا يكون سلوك صاحب الجلالة ، حاملها ، مهيّأ لانتهاز فرصة أو اكتساب منفعة تجر عليه الربح مادام منصوباً في وجاهة المكان فإن زالت عنه الوجاهة انحط إلى مرتبة دنيا ، يكون لها اسم آخر في رصيد اللغة وسلم المعرفة الترميزية مبني على النصب والاحتيال ، وما أكثر مَن تتمثل عندهم هذه الصفة في هذا الزمان الرديء نلمسها طاغية في ظل المنصب حين ترى صاحبه يتصنع سمت الجد ، فإن زال طيفه زالت عنه حصانة التقويم .‏

    وأما ضمائر الجر فإنها تمثل ارتكاساً في مدارج القيم ، كثيراً ما تقود صاحبها إلى موارد الهلاك ، حين تتلطخ الضمائر بما لا يحمد جانبه من القيم التي تمرغ صاحبها في الرذائل وتجر عليه أفدح المصائب وهذا ما يجعل بعض الناس يقول : هذا ضميره مدنس وذاك ضميره مزيف وذلك بلا ضمير ، وبهذا تتجلى المعاني المرصودة في ما ترمز إليه الضمائر فضمير الرفع يتربع على عرش النقاء والعمل المتين الجاد وضمير النصب يغرق في الأنانية وحب الذات وتسيطر عليه المصالح الشخصية المسعورة وضمير الجر ينحدر إلى الهاوية في معارج القيم أعاذنا الله ووقانا من شره المستطير .‏

    وسوف أحدثك في درس آخر إن أسعفني الحظ عن الضمائر المتصلة والمنفصلة والمستترة فاحفظ هذا – رعاك الله – واستعد له .‏

    الفئة:
    صفحة أخيرة
    الكاتب:
    ? ? ? ?

    الفرات/الوحدة.
    هل انت كاتب المقال اعلاه في موقع الفرات/الوحدة يا دكتور؟

  2. وقــال النهــر… درس في الضمائر
    العدد:
    490

    سألني مستفهماً باستغراب : يتحدث الناس عن الضمائر بصور محيرة ، تدخلني في متاهات لا نهاية لها ، فهلا أفدتني بماهيتها وأنت الخبير بملابساتها ؟ قلت متوجساً أنت تسألني ملغزاً ، وأفيدك أن الضمائر ثلاثة أنواع من حيث نسبتها لأصحابها ، فهي ضمائر للمتكلم والمخاطب والغائب ، ومن حيث مادتها فهي : منفصلة ومتصلة ومستترة ومن حيث إعرابها فهي : ضمائر للرفع والنصب والجر ، ويمكن أن أشرح لك حالاتها الإعرابية في بناء اللغة وتوجيه العبارة .
    قال : ما أردت ذلك وإنما أردت ما ترمي إليه في معنى القول المتداول على ألسنة الدهماء ، ولم أقصد مقامها في البناء اللغوي مطلقاً .‏

    قلت : ربما عنيت مغزى وجودها التربوي والتوجيهي في فلسفة الحياة من وجهة المسار التقويمي ؟ قال ذاك ما أبتغي – أطال الله عمرك – قلت لقد خامر مخيلتي هذا فاسمع ما لاح لي مما تريده وتبغي إدراكه وأنا مثلك كان هذا الأمر طلبتي في لحظة من الدهر . واعلم يا صاحبي أن الضمائر شفافة فضاحة وقد تكون كالمرآة العاكسة ترصد ما وراءها .‏

    ولها أنواع ، فقد تكون ضمائر رفع إن استطاع صاحبها أن يجندها في تحقيق ما ينفع المرء ، ويحسن حضوره لدى الآخرين ليكون مضرب المثل في سمو الروح ونقاء السريرة في صنع الخير وبناء الوطن ،ومن هنا جاءته سمة الرفع !‏

    وقد تكون ضمائر نصب : وهنا يكون سلوك صاحب الجلالة ، حاملها ، مهيّأ لانتهاز فرصة أو اكتساب منفعة تجر عليه الربح مادام منصوباً في وجاهة المكان فإن زالت عنه الوجاهة انحط إلى مرتبة دنيا ، يكون لها اسم آخر في رصيد اللغة وسلم المعرفة الترميزية مبني على النصب والاحتيال ، وما أكثر مَن تتمثل عندهم هذه الصفة في هذا الزمان الرديء نلمسها طاغية في ظل المنصب حين ترى صاحبه يتصنع سمت الجد ، فإن زال طيفه زالت عنه حصانة التقويم .‏

    وأما ضمائر الجر فإنها تمثل ارتكاساً في مدارج القيم ، كثيراً ما تقود صاحبها إلى موارد الهلاك ، حين تتلطخ الضمائر بما لا يحمد جانبه من القيم التي تمرغ صاحبها في الرذائل وتجر عليه أفدح المصائب وهذا ما يجعل بعض الناس يقول : هذا ضميره مدنس وذاك ضميره مزيف وذلك بلا ضمير ، وبهذا تتجلى المعاني المرصودة في ما ترمز إليه الضمائر فضمير الرفع يتربع على عرش النقاء والعمل المتين الجاد وضمير النصب يغرق في الأنانية وحب الذات وتسيطر عليه المصالح الشخصية المسعورة وضمير الجر ينحدر إلى الهاوية في معارج القيم أعاذنا الله ووقانا من شره المستطير .‏

    وسوف أحدثك في درس آخر إن أسعفني الحظ عن الضمائر المتصلة والمنفصلة والمستترة فاحفظ هذا – رعاك الله – واستعد له .‏

    الفئة:
    صفحة أخيرة
    الكاتب:
    ? ? ? ?

    الفرات/الوحدة.
    هل انت كاتب المقال اعلاه في موقع الفرات/الوحدة يا دكتور؟

  3. الاخ دكتور نايل-اسمك يوحى بانك فخور باليعقوباب-وانت حقا فخر للسودان وللعروبة ولليعقوباب-فهل تكرمت بمقال يسطره بنانك الرائع عن تاريخ اليعقوباب واصنافهم والمنتسبين لهم حتى لا يختلط علينا الحابل بالنابل اذا وردنا حوض العم قوقل

  4. الكاتب يمكن ان ينقل ما يوافق آراءه ويوافق هوى في نفسه و يريد القرّاء ان يشاركوه هذا الإعجاب .
    تحياتنا للشاعر اليعقوبابي.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..