من ذاكرة الكبار..

بدأت علاقتي مع الفن في العام 1947م، حيث كنت حينها طالباً بمدرسة الكاملين المتوسطه بنين, و كانت الحصاحيصا حينها مركز للثقافة والفن و كان الرائد في ذلك لوكاندة المرحوم/ عبد الكريم علي موسي، له الرحمة.. حيث كان الصفوة من أهالي الحصاحيصا يتجمعون هناك أمثال حاج علي و حمدنا الله عبد القادر خرومي و أخرون يلعبون الورق(الكوشتينة).. كان حينها صلاح عبد الكريم علي موسي(له الرحمة) صديقاً للفن و الفنانين وكانت هذه اللوكاندة مسرح الحصاحيصا الوحيد، حيث يحط بها عمالقة الفن السوداني آنذاك، و تغني بها مراراً إبراهيم الكاشف، عثمان الشفيع، عائشه الفلاتية و عثمان حسين و أخرين، إلا أنني كنت أميل نحو عثمان حسين أكثر من غيره و من حينها تمدد ذلك التعلق بأبو عفان..
– لم تكن حينها توجد أجهزة راديو كافية بمدينة الحصاحيصا، حيث كٌنا نتجمع في هذه اللوكاندة و نجمع(sharing) أي مساهمات مادية و من ثم نرسل للإذاعة السودانية (أم درمان) حيث نطلب أغنية (الزيارة) للراحل /إبراهيم الكاشف.. وكنا أيضاً نطلب أغنيات عثمان حسين و عثمان الشفيع و كلُ حسب ما يهوي و إن كان كل الجمع حينها علي قلب رجل واحد..
– في العام 1951م، تم قبولي بمدرسة خور طقت الثانوية و فيها إنتقل تعلقي بأبو عفان من (المحلية) إلي( القومية).. كانت علاقاتنا و صداقاتنا الشخصية يحددها الإنتماء الرياضي و الفني.. كنت أكثر ميالاً لمن يعشقون المريخ و عثمان حسين.. شاطرني في ذلك صديقي إلي يومي هذا الشاعر الأستاذ (السر دوليب) أمد الله في أيامه و أيامي..كنا نجلس كل يوم جمعة، جميع طلاب خور طقت الثانوية لنستمع لبرنامج (ما يطلبه المستمعون).. و كانت أغلبية الأغاني المٌقدمه في البرنامج للفنان الراحل / أحمد المصطفي.. وكنا فرقاً فنية ثلاثة تتبارى في السماع و الترنم بأغنيات أولئك السوامق.. فريق يهوى أحمد المصطفي، أخر يهوى حسن عطية و نحن مجموعة عثمان حسين برئاسة الشاعر السر دوليب، أنا، الشاعر الحسين الحسن، الراحل إبراهيم أحمد عبد الكريم (ملك كل الفنون إلي أن رحل، له الرحمة)، الأخ الأستاذ عبد الله يعقوب و أخرون وكان يوم الجمعة يزداد جمالاً بالنسبة لناً عندما يأتي إلينا البرنامج ب(الفراش الحاير) أو (كيف لا أعشق جمالك) و هُن كانتا الأكثر شعبية من بين تلك الحسناوات من إبداعات أبو عفان حينها و غيرهن أحلى و أنضر، إلا أن قلب العاشق يعشق معشوقه و يصطفيه من بين غيره..
– لا أزال أجلس أستمع للراحل عثمان حسين، و في القلب ذكرى و شجن لا ينقطع أبد الدهر له و لأصدقائي إلي الأن.. و كم تسقط مني دموع عفوية عندما يشدو هذا الشادي بلحنه أو يمُر طيف أولئك بذاكرتي..
حبيب الله التوم نمر سليمان
عنه / الرشيد حبيب الله التوم نمر
[email][email protected][/email]