أخبار السودان

الإسلاميون: بين التمكين والتداول

حيدر إبراهيم علي

أضفت فترة السرية والخفاء والغموض مقداراً كبيراً من المجد وهالات التقدير وبطولية التضحية على الإسلاميين، وكونوا رأسمالاً رمزياً معتبراً حولوه لتأييد شعبي وأصوات انتخابية أوصلتهم، منفردين أو مشاركين، إلى السلطة. ولكن شمس العلنية والاحتكاك المباشر بالناس، أذابت سريعاً الوهج السابق. وانحدر رصيدهم بسرعة إلى دَرْك سحيق، ونزعت عنهم كل مظاهر الإجلال والاحترام والرهبة، ولم يعد هناك من يخشى الإسلاميين. وهذه هي أعظم الخسائر، حتى قبل أن نعود مجدداً إلى صناديق الانتخابات. فالسلطة لم تضف للإسلاميين هيبة، بل صاروا أهدافاً سهلة للنقد والسخرية حتى من أكثر العناصر تردداً في مواجهتهم في الماضي.

لكن الأمر ليس كذلك، فقد نزل الإسلاميون لأول مرة من اليوتوبيا والمثال إلى الواقع والممارسة، لكنهم غير مزودين بأي نموذج استرشادي (باراديم) لكيفية الحكم في القرن الحادي والعشرين وفي دول عالمثالثية محاطة بتحديات التنمية والتقدم والنهضة الحقيقية. وذلك لأن الفكر السياسي الإسلامي لم يقدم خلال أكثر من ألف وأربعمئة سنة، تجربة حكم لا تستند إلى الاستبداد، حتى كاد أن يصبح الاستبداد طبيعة.

لم ينشغل الإسلاميون العرب كثيراً بشؤون الفكر والتنظير، مفضلين الاهتمام بالحركية والتنظيم والفعل السياسي المباشر. وقد كان هذا الخيار نتيجة انتصار تفكير تيار الدولة، أي السلطة السياسية والحكم أولاً، والذي يقوده الشيخان حسن الترابي وراشد الغنوشي، وحماس، على تيار تربية المجتمع تمهيداً لقيام الدولة والسلطة (أو التيار الدعوي كما أعلن في بدايات الشيخ حسن البنا). ووقعت الحركات الإسلامية بعد وصولها للسلطة في حيرة وارتباك لغياب أي مرجعية إسلامية – سياسية حديثة تستند إليها في الاستراتيجية والقرارات. لكن معضلة الإسلاميين الحقيقية كانت: هل هم قادرون على السماح بالمشاركة الشعبية (الديموقراطية) في إدارة شؤون البلاد؟ لقد قبلوا تكتيكياً بمبدأ «السيادة للشعب» بينما في دواخلهم تظل الفكرة الصحيحة هي «السيادة لله». لقد كان السلفيون أكثر صدقاً واتساقاً مع أنفسهم أكثر من دعاة التجديد والحداثة. وقد قدم الأخيرون تنازلات كبيرة مثل قبول مدنية الدولة من دون تشدد في مضمون المفهوم. إذ يتم تداول مصطلح يقول بدولة مدنية ذات مرجعية إسلامية أو دينية. وهذا مزج مستحيل واقعياً. وبالتأكيد فالإسلاميون مقبلون على صراع مع السلفيين والذين أصبحوا، للمفارقة، فزّاعة «الإخوان المسلمين» في مصر والنهضة في تونس، لأن السلفيين لا يرضون بالبراغماتية أو التوفيقية التي تغلب على ممارسات بقية الإسلاميين التجديديين.

هذه الخلافات ظاهرية تماماً، لأن دينية الدولة في قلب تفكير كل الإسلاميين بلا فرز، وبمختلف تياراتهم، معتدلين ومتطرفين. وإلا فما الذي يميّزهم عن الليبراليين والعلمانيين حين تختفي فكرة دينية الدولة من خطابهم؟ والمتأمل كتاباتهم المتعمقة، وثنايا خطابهم السياسي، وليس ما يُتداول ويكتب في الصحف السيّارة والإعلام، يلاحظ ترديد مفهوم «التمكين» لتأصيل وصولهم الكاسح للسلطة في أكثر من بلد عربي بالانقلاب أو الانتخاب. وفي السودان لا تستخدم كتابات الإسلاميين ومقالاتهم غير هذا المفهوم، بقصد تجاهل كلمات مثل «التفويض الشعبي» و «تداول السلطة». ويتردد المفهوم في بعض خطب المساجد ولدى بعض الدعاة في مصر. ويستند المفهوم إلى الآية الكريمة: «الذين إن مكّناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور». وتكشف الآية عن الوظائف الدينية الصريحة وبلا لبس، لدولة التمكين: الصلاة، الزكاة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ويستخدم الإسلاميون آية أخرى بمعنى أقوى يعبر عن التحول من الاستضعاف الذي تعرضوا له إلى أن يكونوا أئمة ووارثين، وهذه نهاية التاريخ بطريقة تمكين الدولة الإسلامية: «ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين».

انعكس هذا الفهم على تعامل الإسلاميين مع مخالفيهم في الرأي. ولقد اندهش معارضوهم للتحول في المعاملة والمخاطبة، بخاصة من إسلاميين عرفوا بتسامحهم وقبولهم الآخر. لكن الإسلامي في السلطة يختلف تماماً عنه في المعارضة أو خارج السلطة. ويظهر الإسلاميون تعالياً مستهجناً، على رغم أن التعالي صفة غير ديموقراطية، ولا دينية أيضاً. وأخشى أن يكون ذلك نتيجة فهم القول «أشداء على الكفار». وهنا يظهر تناقض الدين، مع فهم الدعوة لبعض الدين حين يوظف لخدمتها، بخاصة أن الحركة تعتبر نفسها ديناً وزيادة، كما يقول المناطقة. ولكنهم قد يجدون لتصرفاتهم هذه سنداً من القرآن، وفق الآية «ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين». كذلك كان الشيخ حسن البنا يخاطب شباب «الإخوان»، بقوله مؤكداً تميّزهم: «هذه منزلتكم، فلا تصغروا في أنفسكم، فتقيسوا أنفسكم بغيركم، أو تسلكوا في دعوتكم سبيلاً غير سبيل المؤمنين، أو توازنوا بين دعوتكم التي تتخذ نورها من نور الله ومنهاجها من سنّة رسوله، بغيرها من الدعوات التي تبررها الضرورات، وتذهب بها الحوادث والأيام».

يلاحقني، بإلحاح، سؤال حول قدرة الإسلاميين على أن يوفقوا بين فكرة التمكين وتداول السلطة. فلنفرض جدلاً أن حزباً إسلامياً قرر تطبيق الشريعة الإسلامية أثناء دورته الانتخابية، ثم خسر الانتخابات بعد أربع سنوات لمصلحة حزب ليبرالي أو اشتراكي. فكيف يمكن هذا الحزب أن يقوم بـ «إلغاء شرع الله» لو كان يريد تطبيق برنامجه المختلف عن برنامج الإسلاميين؟ ومن المؤكد أن إقرار الشريعة يتطلب تعديلاً في مجمل العملية السياسية، وتحديد مستقبلها ومسارها. وهذا يعني نوعاً جديداً في طبيعة الصراع والأسئلة والغايات المطروحة. والخشية أن يتحول النقاش السياسي – الوطني إلى آخر فقهي – ديني، علماً أن الخلافات الفقهية الكثيرة لم تحسم منذ قرون. وستضاف إلى ذلك القضايا المستحدثة: وبالفعل شغل موضوع قرض صندوق النقد الدولي لمصر العقول والناس لفترة. وفي النهاية، فاز مبدأ «الضرورات تبيح المحظورات». وهذا مبدأ مريح ولكنه خطر، لأنه لا يبقي من الشريعة أي قاعدة ثابتة، لأن الحياة المعاصرة متحركة وأصبحت كلها ضرورات للمسلمين.

من الواضح أن التحديات التي تواجه الإسلاميين عظيمة، وعلى رأسها الممارسة الديموقراطية الحقة. ويبدو أن فهمهم الحالي للديموقراطية لن يسعفهم في اجتياز المرحلة. فقد ثبّتوا أنفسهم في مرحلة الديموقراطية الأداتية فقط، أي كمجرد أداة يتم فصلها من أسسها الفلسفية والفكرية. وفي هذه الحال تُختزل في صناديق الاقتراع والأحزاب والبرلمان. لكن أهم مكون للديموقراطية، مع حق الغالبية في الحكم، هو حق الأقلية في التعبير وبلا قيود أو حدود. واتخاذ القرار لا يتم في البرلمان فقط بل في المجتمع المدني والصحف والتظاهرات. وليس هذا إنقاصاً من حق الشعب، بل هو استكمال مشروع لحق أجزاء أخرى من الشعب. وهذا هو الطريق الصحيح للخروج من وثوقية التمكين إلى فقه التداول ورحابة الديموقراطية.

* كاتب سوداني
دار الحياة

تعليق واحد

  1. لعل الآية الأشد حضاً على التمكين والتي تزين للإسلاميين الكثير من الإنتهاكات لحقوق الآخرين هي الآية التي استند إليها سيد قطب إبراهيم في سك مفهوم “إستعلاء الإيمان” وهي: ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون. حيث قام بتفسيرها -في كتابيه في ظلال القرآن ومعالم في الطريق- للتأسيس لرفض الآخر واستباحة حرماته في نفسية وذهنية وسلوك المسلم. لذلك في ظني أن هزيمة مشورع الإسلام السياسي ليست فس صناديق الإقتراع ولا في ساحات الحروب -التي هي هم أجبن من خوضها- وإنما في ساحات التعليم والتربية والإعلام والحياة عموماً للتأسيس لنفسية موازية تحترم حقوق الإنسان وترسخ للتعايش واحترام الآخر وحقه في أن يكون آخراً والتسويق للحياة العصرية المنبثقة عن التطور العلمي والتقني. ذلك هو الترياق (panacea)اللذي سيعيد الإسلام السياسي إلى حيث أتى.

  2. * عفوا خارج نطاق الخدمة

    ** نافع جن واشتغل بناء
    نافع خرف
    نافع هرطق (( السؤال لسيادتة ماهو الفرق بين متمرد وحامل سلاح خارج وغبي مثلك ))

    د. نافع: قطاع الشمال إذا لم يراجع حساباته سيبقى الكلام بـ(الكلاش والدانة)

    التفاصيل
    نشر بتاريخ الجمعة, 04 كانون2/يناير 2013 13:00
    د. نافع:2013 عام خلوِّ السودان من أي متمرد
    الخرطوم ــ كادوقلي: الإنتباهة
    أعلن مساعد رئيس الجمهورية د. نافع علي نافع رفض الحكومة للسلام الذي تمليه أجندة التمرد، مؤكدًا السعي إلى السلام والاستقرار في السودان.
    وقال نافع خلال مخاطبته الاحتفال الجماهيري بمدينة كادقلي بمناسبة أعياد الاستقلال أمس إن أي محاولة للمتمردين لفرض أجندة للوصول إلى السلام عليهم مراجعة حساباتهم السياسية، وأضاف: في حال عدم المراجعة فإن الحكومة سوف تحسم الأمر عسكرياً.
    قائلاً: «كنا زمان مع السلام وسوف نظل مع السلام ولا أحد يزاود علينا بالسلام ولا نريد سلاماً بالذلة والذي يريد أن يفرض علينا أجندة السلام عليه أن يراجع حساباته وإذا لم يراجع يبقى الكلام بـ«الكلاش والدانة» وسوف يهزم هزيمة نكراء» .
    وأعلن نافع أن عام 2013 سيكون عام خلوِّ أرض السودان من أي تمرد أو حركة مسلحة أو قطّاع طرق حتى يلتفت الجميع إلى البناء والتنمية، ودعا جماهير ولاية جنوب كردفان إلى التوحد والترابط من أجل الكشف عن الطابور الخامس في أوساط المواطنين، وقال « في عام 2013 لا نريد ولا شبراً واحداً من أرض السودان به خارج أو متمرد أو شايل سلاح»، وأضاف أن القضية ليست قضية دحر التمرد وإنما تطهير الصف من الطابور الخامس والمخذّلين والمندسين.

  3. انا اختلف معكم .. الاسلاميين السودانيين لا يهمهم الدين اطلاقا .تهمهم كراسى السلطة والدولار . هذا هو دينهم الذى يثقون به .. ثم يتظاهرون بانهم حماة بيضة الاسلام .انظروا لهيئة علماء السودان .. انهم رجال دين للبيع . ولو كانت المسيحيه تدر عليهم اموالا لاعتنقوها ولكن تجاوز البشر المسيحيه ووضعوها فى مخازن الكنائس لانها كانت ضد العلم والتقدم .. فوجدوا فرصتهم فى الاسلام بادعاء انهم اصحابه .

  4. عجبتني (حقه فى ان يكون اخرا) دي,انتو اسوء من الجبهجية.ياملاعين.

    يا جماعة ادروب ده ببيع شنو راكب من وين ونازل وين انت ما تشبف

  5. لن تكون هناك ديمقراطية .. ما لم يتطور الخطاب الديني.. ليجعل الديمقراطية من أركان الاسلام(فلتكن هي وحقوق الانسان الركن السادس) وليكن الايمان بها من أركان الايمان في المفهوم الاسلامي الحديث !!

    + كما قلنا مرارا, لن تكون هناك ديمقراطية حقيقية في المنطقة, ما لم يحدث تنوير ديني Religious Enlightenment على طريقة مارتن لوثر وجون كالفن أو على طريقة محمد عبد ورشيد رضا والباكستاني محمد اقبال, أواخر التاسع عشر وأوائل العشرين, وما لم ينشأتطوير للخطاب الديني يأخذ شكلا واسعا, يجعل من الديمقراطية من أركان الدين ومن مباديء الاسلام, وليس فحسب تكتيكا, كما هو حادث اليوم من قبل اسلاموي المنطقة الذين فاجأتهم الثورات العربية حد الدهشة , وطفقوا بعد ذلك يسقطون عليها قوالبهم الأيدولوجية الجاهزة.

    + (التمكين) أصلا فكرة غير ديمقراطية في الأساس.. لأن الأصل في الدولة الحديثة هو أن الدولة للجميع والسلطة تتداول باستمرار .. استخدام هذا المفهوم من اسلامويي السودان لأنهم أصلا جاءوا بالانقلاب وبسبيل غير ديمقراطي.. وعلى اسلامويي المنطقة عدم الانجرار مع ناس على عثمان وترديد هذا المفهوم ( في المؤتمر الأخير للحركة في السودان أوحوا للغنوشي ومحمد بديع باستخدام مصطلح (التمكين) !!!

  6. كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: “لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله”

  7. الإسلاميون الأتراك استطاعوا بذكاء ( ربما بسبب الجوار المتقدم ) تجاوز كل العقبات والتجاوزات المتناقضة مع الأيدلوجية الإسلامية بقبولها النظام العلماني كمرحلة انتقالية !!
    ولو فعل إسلاميو السودان ومصر الشئ نفسه لكفوا البلاد والعباد الكثير من المحن والتوهان لهثاً وراء الإجابات والحلول لقضايا عمرها مئات السنين…..
    لقد أضاعوا 24 عاماً في السودان وانتهوا به بلدين متحاربان وربما ثلاثة أو خمسة عما قريب ….. ولا احد يدري ما هم ذاهبون اليه في مصر!!
    أستاذي حيدر هؤلاء أصحاب الطفولة البائسة لا يرون أو يسمعون ….. انه المرض !!
    فشرع الله هو الشماعة التي تعلق فوقها علل الطفولة المرهقة للرجولة الحاضرة ….المشكلة نفسية قبل ان تكون فكرية أو سياسة عند هؤلاء!!
    اللذي يفرق بينك وبينهم ليس هم مسلمين ونحن وانت كفار ولكنها العلل النفسية الباطنة في اعماقهم المرهقة …. لذالك الحوار لا يجدي مع المرضي !
    والدواء هو محاربتهم بكل الوسائل حالياً ……..ومستقبلاً بالعمل الجاد (كل من منزله ) في بناء جيل جديد شجاع واثق من نفسه وخالي من …… علة الطفولة المقهورة الباحثة عن السكينة في الرجولة بتأديب الآخرين وقهرهم !!
    أطفال الأمس هم رجال اليوم
    صدقوني….
    والله من وراء القصد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..