ثقافة وفنون

دفقة من الشعور النبيل والحس الجميل بشير عباس.. وبكت شتلات قمحنا!!

كتب: سراج الدين مصطفى

(1)

حينما تحاول الكتابة عن رجل بقامة بشير عباس .. يجب أن تتحسس لغتك جيداً.. وتختار أنضرها وأجملها وأعمقها .. يجب عليك أن تختار تعابيرك وتضعها محل الاستثناء .. لأنه مبدع استثنائي وبمواصفات خاصة جداً .. لا تتوافر عادة إلا في فنان وهبه الله الموهبة والعبقرية ودفقة من الشعور النبيل والحس الجميل الذي لون حياتنا بأجمل الأغاني.. ذلك أبسط ما يمكن أن يقال عن الموسيقار بشير عباس حياً أو ميتاً .. وإن كان الرجل قد غادرنا جسداً .. فلا شك هو باق في وجدان الشعب السوداني الذي يعرف تماماً ويقدر من صاغوا وجدانه.

وكما قال عنه الدكتور أنس العاقب (إن كان قد رحل عن دنيانا الفانية فسيبقى اسم بشير عباس خالداً في وجدان وتاريخ الأمة السودانية أحد أفذاذ الموسيقيين والملحنين وامهر من نقرش اوتار العود ونقش بها أجمل الألحان والمعزوفات.. اللهم تقبل عبدك بشير عباس برحيب مغفرتك وواسع رحمتك يتفيأ ظلال الفراديس بين الصديقين والشهداء والصالحين يفجؤنا فراقك يا أستاذنا وحبيبنا خُلقاً وإبداعاً يا بشير عباس).

(إنا لله وإنا إليه راجعون)

(2)

الموسيقار بشير عباس ذلكم الملحن الفخيم النغم العوادي الماهر، حينما يمسك بريشته المموسقة ويوقع بها على اوتار العود ثق تماما انك لا تراها مرة اخرى حتى يتوقف عن العزف لبراعته ورشاقته على العزف رغم كبر حجمه الجسماني، ولكن  فنه رشيق ومقطوعاته عميقه الدلالة تكاد تحس انها تترجم على صوت مغنٍ مصحوبة بصفارته الطبيعية التي تخرج من فمه .. هكذا قال عنه الباحث أمير أحمد محمد . فصفارته هذه تدل على احتشاد دواخله بالنغم الشجي الذي ابى ان يبقى في جوفه فتمازجت مع انغام اوتاره فكان الالق الموسيقي مكتملا  في ابهى صوره.

(3)

كان  والده هو الراعي الاول لموهبته التي بدأت معه منذ الصغر فأهدى له  صفارة مصنوعة من الابنوس حتى يشبع غريزة ابنه الفنية كما اشبعه من مأكل ومشرب، ولم تبخل عليه ابنة عمه الأستاذة أسماء حمزة وهي اول ملحنة معترف بها من العنصر النسائي بتعليمه العزف على العود. هكذا كانت بداية مسيرته الفنية التي خرجت من محيط اسرته الصغيرة والكبيرة واستقرت في وجدان كل محب للفن الأصيل، تأثر كثيراً بمن سبقوه في هذا المجال وكان يعتبر الموسيقار برعي محمد دفع الله واحدا من الذين تأثر بهم في العزف على العود وربما هذا التأثر جعله قريباً منه ولارتباط برعي بعبد العزيز محمد داؤود تشاء الاقدار ان يكون اول لحن عرفه بالمستمع السوداني كان من نصيب عبد العزيز محمد داؤود وهو لحن اغنية (اشوفك في عيني) من كلمات شاعر العيون عبد الله النجيب.

(4)

ذلك اللحن اكد علو كعب الموسيقار بشير عباس في التلحين وأكسبه ثقة كبيرة في نفسه بانه يسير في الطريق الصحيح، وبعدها انداحت ألحانه وشعت ضياءً وسنا في سماوات الابداع الفني السوداني فكانت (كنوز محبة) عقدا فريدا في جيد اغنيات زيدان من كلمات الدكتور بشير عبد الماجد، وكذلك كان مساهما بلحن في مسيرة ثنائي الجزيرة اغنية (الشال قلبي وسلا اصارحو ولا لا) من كلمات عوض جبريل، كما حلّق (بطائر الهوى) في سماء كابلي بريشة ورسم البارع الحسين الحسن وكان حبه كما النيل في مجرى حسن عطية الإبداعي وكذلك حينما احال كلمات الشاعر تاج السر عباس (امير الناس) الى نغم شجي عبر حنجرة ثنائي النغم فكانت فاتحة وفخرا لشاعرها ان يلحن له بشير، عباس وهو في العتبة.

(5)

ولا يفوتنا  ان نذكر لحنه البديع الذي، بثه على حنجرة الفنان الانيق الباسم دائماً محمد حسنين (يا سهاري تعالوا شوفي البي)، وهي من كلمات الشاعر الجميل عبد المنعم عبد الحي وحتى عبد العزيز المبارك وصله نغم من انغامه فكان لحن، اغنية (لا تدعني). كما لا ننسى انه رفد مكتبة الاذاعة بالعديد من المقطوعات الموسيقية الرائعة، واول مقطوعة له هي (الشروق) وتلتها اخريات مثل (القمر في كنانة) و(العسل في كنانة) و(امي) و(ليالي)، واشنطن ونهر الجوروبامبو سنار وغيرها من المقطوعات.

(6)

ولكن تبقى مسيرته مع بنات طلسم، البلابل هي الأكبر والأكثر انتاجاً فمنحهن ألحانا ظلت خالدة رغم ابتعاد البلابل عن الساحة الفنية لأكثر من عشرين عاماً لاتزال هذه الالحان حية تسعى في وجدان الناس، ارتبط بشير بالبلابل ما يقارب الاربعة عقود من الزمان فكان اول لحن معهن هو لحن  (تسلم يا ابو عاج اخوي يا دراج المحن) عام 1971من كلمات الشاعر الفريق جعفر فضل المولى، وكان هذا اللحن بعد فشل انقلاب هاشم العطا وعودة الرئيس جعفر محمد نميري مرة أخرى للحكم، وبعد ذلك تدفقت ألحانه شلالاً روياً على البلابل وتكاد تكون كل اغنيات البلابل من ألحان بشير عباس مثل (رجعنالك) لعبد الباسط سبدرات، (نور بيتنا) لصلاح حاج سعيد، (مشوار) و(موجة) لسيف الدين الدسوقي، (عشة صغيرة .. لون المنقة .. سكة مدرستنا) للحلنقي، (سلافة الفن ) لعثمان خالد ولم يشاركه في مسيرته اللحنية مع البلابل إلا القليل، منهم أنس العاقب بلحن اغنية ليل الشجن وموسى محمد ابراهيم بلحن اغنية خاتم المنى ويوسف الموصلي (بريدك يا حبيبي بريدك) وأغنية الطريق من كلمات يحيى فضل الله.

الصيحة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..