أخبار السودان

الشاي والقهوة وما بينهما

لو أن بائعات الشاي اللائي تم إرهابهن وقمعهن أمام قاعة الصداقة – لمجرد وقفتهن الاحتجاجية – كن تحت راية حركة تحرير أو مقاومة مسلحة، لخرج إليهن أرفع مسؤول بالدولة، واستقبلهن على أنغام السلام الجمهوري، ودلف بهن إلى نفس القاعة التي شهدت إذلالهن، وتفاوض معهن بشأن اقتسام الثروة والسلطة، ولصارت عوضية مساعداً للرئيس لشؤون الشاي والقهوة، ولتم تعيين أخريات وزيرات وواليات وعضوات ببرلمانات الحكومة.
وليس ما نقوله من نسج الأفلام الهندية بل هو سلوك النظام مع مختلف أشكال الحراك الجماهيري السلمي، فالمعارضة المدنية في نظر الحكومة يجب أن تسحق، وأن أمانيها في الحرية واستعادة الحقوق دونها (لحس الكوع)، وكل الميزانية توجه للرصاص والعسكرة لقمع أي صوت يحتج على الأوضاع الراهنة.
وبائعات الشاي اللائي يستأسد بهن هذا النظام تجمعن في يوم خصصته الأمم المتحدة لإزالة الفقر، وشهد لقاء رتبته جهات حكومية حول المسؤولية الاجتماعية ألقيت فيه الخطب الرنانة عن الشراكات والمشروعات من أجل كسب الدعم المالي من(الخواجات)، وبينما كان السدنة بالداخل يأكلون ويشربون ويقهقهون كانت ستات الشاي بالخارج تحت هجير الشمس ينلن العقاب من عسكر النظام.
وقمع النظام لأشكال المعارضة السلمية ليس فقط بسبب كونها بلا سلاح بل لأنها الخطر الأكبر عليهم، فالوقفة الاحتجاجية الصغيرة بالخرطوم تصبح غداً مظاهرة بعطبرة، والاعتصام في مناطق الذهب يتحول لعصيان مدني بالأبيض ومدني، وهكذا ينتشر لهيب الثورة في المدن والأرياف ولا تستطيع الآلة العسكرية للنظام فرملته ويسقط النظام في أيام معدودات.
وبالعودة لما حدث فإن بائعات الشاي يتعرضن للظلم والاضطهاد بقرارات الحكومة وأسلوب الكشة أشبه بسلوك القراصنة إذ تصادر معداتهن دون قرار من محكمة، ويتم رميهن في عربات لا تليق بالآدميين وكأنهن مجرمات وكأنهن بعن خط هيثرو أو سرقن قرض الأقطان، وفوق ذلك فإنهن داخل مظلة (حظر تجول) جديدة تحول دون عملهن بعد الساعة الخامسة، وتم طردهن من شارع النيل من أجل الاستثمارات الأجنبية القادمة.
دخل الجنجويد دارفور فأحرقوا القرى والمزارع؛ فقتل من قتل ونجا من نجا ونزح إلى المدن، وأغلقت المصانع وتفشت البطالة فلم تجد الغالبية غير بيع الشاي والأطعمة وخلافهما، لم يساعدهن هذا النظام ولا بشمسية تقيهن حر الشمس وهن أمام الكوانين بل جلسن تحت الشجر وبرندات الدكاكين فيحصلن على القليل من المال بعرق جبينهن، وآخرون يتوسدون المقاعد الوثيرة وصفتهم أصحاب مناصب دستورية، لا تغشاهم الشمس، ولا يأكلون من عرق جبينهم، فالفساد حرفتهم، والسرقة مهنتهم التي لا يعرفون غيرها، وهم سدنة النظام وأصحاب القرارات التي تطرد ستات الشاي وأصحاب الدرداقات.
معركة استرداد الحرية والديمقراطية هي أيضاً معركة الكرامة شعارها من حقي أن أعمل، واحتج، واتظاهر، واتكلم في ندوة، واهاجم الحرامية، وأدعو الناس للثورة على النظام فالسودان ليس حكراً على منسوبي الإنقاذ وماركة مسجلة لهم، إنهم الجبناء ونحن الأقوياء، وأما الزبد فيذهب جفاء.

كمال كرار
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. (أما الزبد فيذهب جفاءاً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)… ما يعني أن الزبد هو ما لا ينفع الناس ومعروف من لا ينفع الناس في عصرنا هذا – لا بل ومعروف من يضر الناس، فإن كان الزبد يذهب جفاءاً فكيف بمن يضر الناس؟ الله يضر البشير وعصابته وعاجلاً ضرراً لا شفاء منه!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..