المتمرد النبيل ..!!

:: كان الأب يجتهد في قراءة الصحيفة، ولكن ابنه الصغير لم يتوقف عن مضايقته مُداعباً .. ما أن يفتح صفحة، إلا ويقلبها الابن ويفتح صفحة أخرى .. فكر في الحل .. ونزع من الصحيفة صفحة تغطي خريطة بلاده كل المساحة، ومزقها إلى أجزاء صغيرة ثم ناولها للابن مخاطباً ( اعد ترتيب الصفحة بحيث تعيد تجميع خريطة بلادك كما كانت)، ثم عاد للقراءة بعد نجاحه في إشغال الابن بإعادة الخريطة..وكانت المفاجأة أن الابن أعاد الخريطة – كما كانت – خلال دقائق .. !!

:: سأله الأب حائراً : ( هل أمك تعلمك الجغرافيا؟)، فرد الصغير ضاحكاً : ( لا، كانت هناك صورة إنسان – من بلادنا – على الوجه الآخر من الصفحة، وعندما أعدت بناء هذا الإنسان أعدت بناء شكل البلاد)..كانت العبارة عفوية – كما كل الحدث – ولكنها الأعمق في التعريف ما بين علاقة المواطن بالوطن .. ثم بالحدث – و شكل البناء – يتجلى فرق التفكير الشاسع ما بين جيل لم ينظر إلى الوجه الآخر للوطن والجغرافيا بحيث يرى فيه (الإنسان المستهدف بالبناء)، وجيل آخر لا يرى الوطن والجغرافيا إلا في شكل هذا ( الإنسان المستهدف بالبناء)..!!

:: وعندما يصف الأخ صلاح عووضة – بجهل أو بحسن نية أو مع سبق الإصرار والترصد – الجيل الأخير من شباب اليوم بجيل (أغاني و أغاني)، وأنه جيل لا يبالي بقضايا بلاده وشعبها، فان الأخ صلاح يفكر (كما ذاك الأب)، أي يظن أن البلاد هي محض جغرافيا وأرض و حكومة ومعارضة، وأن هذا الجيل كما هو عاجز عن ترتيب أوضاع الأرض والجغرافيا والحكومة والمعارضة، لا يبالي أيضاً حتى بقضايا ترتيب تلك الأوضاع..وللأسف العميق، هذا الظن ( خاطئ جداً)..!!

:: جيل أغاني و أغاني، رغم أنه من ضحايا الأجيال السابقة، إلا أنه الأكبر والأعمق وعياً بما يحدث (حالياً).. قد تبدو عليه علامات اللامبالاة ومظاهر التجاهل، ولكن من يحدق بعمق – في تلك العلامات والمظاهر – يكتشف فيها التمرد النبيل على هذا حال الواقع ( الواقع فعلا) ..تمرد على العنصرية والقبلية، تمرد على الطائفية والشمولية، تمرد على طرائق التفكير البالية وغير ذات الجدوى على الحاضر والمستقبل، ثم تمرد على أجيال لم تصنع الوطن المنشود ولم تحافظ على الوطن (كما هو)..وبالتأكيد، جيل بهذا التمرد النبيل لن يغرق في تفاصيل حياة الأجيال السالفة وتتشبع بها بحيث يبدو لها – وللأخ صلاح – بأنه ( جيل مبالي )..!!

:: ثم ليست من الحكمة أن تتحول الأقلام، في قامة قلم الأخ صلاح ، إلى أداة لنشر ثقافة اليأس والإحباط في جيل لم تصرفه أغاني وأغاني عن شارع الحوادث – و مئات النماذج الصامتة – ليسد عجز وفشل الأجيال السابقة .. ولم تصرفه أغاني وأغاني عن الخروج لرصاص سبتمبر ثم التحليق الجماعي بأجنحة الشجاعة تاركاً الأجيال السالفة تنشد وتغني لل ( قرشي وحده).. ولم تشغله أغاني وأغاني عن النفير و صدق التعبير عن حبه لبلده ومجتمع بلده بلا مقابل ثروة سلطة أو جاه معارضة ..!!

:: وكذلك، لم – ولن – تصرفه ثقافة الإحباط واليأس بحيث يكون ( أمل باكر).. هل تراهن يا صلاح؟ .. نعم، (أمل باكر)، بكل معاني هذا الأمل المرتجى منذ عام الاستقلال وجيل التضحيات، بما فيها معنى إعادة بناء الإنسان ليكتمل بناء الوطن من خلال هذا الانسان، أي ليس محض تغيير أشخاص بآخرين من ذات ( الأجيال السالفة)، ليواصلوا تمزيق الإنسان قبل الجغرافيا …!!

الطاهر ساتي
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. يا استاذ الطاهر ساتى صلاح عووضه هذا تعوضنا الله فيه ولارجاء منه وهو كمن اكل الميته والدم ولحم الخنزير مع كفيله الخال الرئاسى شكرا الطاهر لانصافك لهؤلاء الشباب

  2. للأسف يا عووضة تقييمك عن الشباب و عن بنات بلادي (الحاليين) كان خطأناً كبيراً
    و لكن من الممكن أن يخطيء الإنسان بعض الأحيان و كلنا نخطيء و لكن أن يكون صحافياً بقدرك كنا نتأمل فية الكثير، هذا ما لا نرضيه عندما يصر على كلامة و عنادة.

    تعتقد انك بهذا العناد انك معتد برأيك و انك صاحب مبادىْ لا تتنازل منها، و لكن شتان ما بين التمسك بالرأي و العناد.

    كتبنا لك كثيراً و وجهنا لكم النصح كثيراً و لكن

    على أي حال أصبحت لا تهمنا يا عووضة -خسارة_

  3. لا فض فوك أخي الطاهر

    كفى نشراً لثقافة التخذيل و الاحباط ….التي أتمنى أن لا تكون مخططة و ملعوبة… سترون يوما قريبا أن شبابنا هذا أوعى و أقدر من جيلنا و الذين سبقونا..
    و لا يعيبهم التغني و من لا يملك الاحساس لا يملك ارادة الأفعال
    ماذا فعلت الأجيال السابقة بمحافظتها و اتزانها …. سجلت كل الفشل و هي المسؤولة عما آل اليه الوضع الآن
    دعوهم يتغنون و يفعلون…….

  4. “قلم في قامة صلاح- عووضة-”
    ياخي إتلهي إنت كمان و إنت خلاص يعني بتقييم صاحبك دا؟؟ و الله هان الزمان و هنّا نحن الخليناكم تفتكروا إنكم أقلام

  5. الشباب مستهدف من قبل حكومة الابالسة لينشغل و يدع لهم امر السلطة و الثروة … الابالسة اصحاب الايادي المتوضئة عملوا على نشر اللهو و الغناء في كل مكان و كل وقت و اعملوا قنوات فضائية تغني و ترقص 24 ساعة و صار المغنين الصوايعية ضباط في جهاز امن النظام ، و حتى تكتمل البهجة فقد وفرت السلطة المخدرات بكل انواعها و اشكالها للشباب و اصبحنا اكبر الدول المستوردة للنخدرات في المنطقة حيث تدخل السفن محملة بحاويات المخدرات لينبسط الشباب .. الجكس باوامر الدولة اصبح متاح للشباب لتبادل المتعة مع انغام الموسيقى و دخان المخدرات ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..