مقالات وآراء

التعليم في السودان .. تصور منذ العام ١٩٥٣م

حسن عبد الرضي

 

اثناء بحثي عن مادة أقدمها في سلسلة اكتبها باسم (شذرات من الثقافة) عثرت على تصور لمنهاج تعليم سوداني مثمرا ، ونافعا ، لمفكر سوداني ، رأيت أن ألخص بعض نقاطه في اختصار ، أرجو الا يكون مخلاً ..
ولك ، عزيزي القارئ ان تتصوروا ان هذه السياحة قد كانت في خطاب بُعِثٓ الى عميد بخت الرضا عام ١٩٥٣م يهدف الى رسم منهج تعليمي ، يجعل الطالب يكلف بمواصلة تعليم نفسه ، طوال حياته، بدلاً عن حشو ادمغة الطلبة بطائفة من المعلومات الكثيرة ، التي تأكد أنها طريقة فاشلة ، ومضرة ، إذ أن الحياة تتطلب من الإنسان أن يظل طالب علم طوال حياته .. فإن إستطاع تعليمنا النظامي أن يعطي المتعلم الأسلوب العلمي الذي به يستطيع أن يعلم نفسه فسوف يتم اعداد المتعلم للحياة الإعداد المطلوب ، لإن فائدة التعليم تكمن في مقدرة المتعلم أن يوائم بين نفسه وبين بيئته. فوظيفة التعليم هي أن يأخذ المتعلم صورة كاملة وصحيحة عن البيئة التي يعيش فيها .. ثم أن يمكن التعليم الفرد من تحقيق التوفيق بين حريته الفردية ، وحرية الجماعية، حتى لا يعيش الفرد في عداء مع نفسه ومع مجتمعه .. لأن الفرد الذي يستطيع أن يعيش ، عيشة فردية . مستقيمة ، حرة ، خصبة ، منتجة ، يستطيع أن يعيش في مجتمعه مفيدا ، نافعا ، منتجا ، يستمد سعادته من إسعاد الآخرين .. هذا ولا بد لنا من الاهتمام بالتعليم المهني ، لأن المجتمع لا يُخْدَم ، خدمة نافعة معينة على التقدم والتمدن ، إلا بفضل المهارة المهنية ، وبجعل المتعلم يتقن عملاً جسدياً ..
وهذا يتطلب الإهتمام بمواهب أطفالنا ، لنحدد المؤهلين منهم ، بالفطرة ، ليكونوا مهندسين مهرة ، وأطباء مقتدرين ، ورياضيين ضليعين .. فعلينا أن نكتشف الموهبة الطبيعية ، في كل طفل ثم نعمل على تنميتها ، وتثقيفها .. فإنه ليس في طوق كل طفل أن يكون طبيبا .. وإذا حاولنا أن نخلق من الموسيقار الموهوب ، مثلا ، طبيبا ، قديرا ، فإنا قد نضيع الموهبة التى فيه ، ونضعه في غير موضعه ، ونضيع على المجتمع عدة مزايا .. ولا بد من توجيه التعليم المهني ، بعد الكشف عن المواهب الطبيعية لدى الأطفال ، للمهن المختلفة حسب حاجتنا للمهن المعينة في سنين معينة .. ذلك لرفع مستوى معيشة المواطنين ، فيجب أن يشمل تعليمنا المهني التدبير المنزلي، من غسيل، ومكوة ، وتفصيل ملابس ، وتطريز ، وخياطة ، وطهو الطعام ، ومعرفة القيم الغذائية في المأكولات المتوفرة محليا ، وصحة الأسرة ، والأطفال بشكل خاص ، والتمريض ، وطرف صالح من العادات الإجتماعية الحميدة ، للبنات ، لتتعلم كل فتاة ما يعدها لتكون زوجة صالحة .. ونعلم الأولاد في مدارسهم ، طرفا صالحا من المهن المختلفة التي تجعل منهم رجالاً صالحين واسعي الحيل يستطيعون أن يخلقوا من ظروفهم المحلية ظروفا لحياة أرقى مما وجدوا عليها آباءهم ، ليكونوا أزواجا صالحين .

ثم نتطلع الى تعليم جامعي ينبت من طبيعة أرضنا، وتفكيرنا، وشخصية قومنا، يتلقى ما يتلقى من أفكار غربية وشرقية ، فيهضمها ، ويجعلها سودانية أصيلة ، بأن ينظر إلى العالم الشرقي ، والغربي ، من وجهة نظر سودانية ، فيكون تعليمنا أصيلا ، لا دخيلا .. ويكون خريجونا إنسانيين ، سودانيين ، أصلاء يسعون لإسعاد قومهم ، ولإسعاد البشرية عامة ، كعمل طبيعى ، في غير تكلف ولا رياء ..
ويتطلب كل ذلك أن يكون تعليمنا بالقدوة، لا بالكلام.. وأن يكون الدين من أكبر وسائل تعليم الخلق الجميل ، على ألا يكون تعليم الدين مستقلا عن النشاط اليومي ، وإنما يكون متلبسا بكل أولئك. وليقوم تعليمنا الديني بإبراز قيم السلوك الإنساني التي عاشها العظماء ، لترسخ في أذهان الطلاب النماذج البشرية الممجدة .. ولذلك يجب أن تكون حياة المعلمين نموذجا حيا للخلق القويم ، حتى لا نحتاج الى فصل التعليم إلى تعليم ديني ، وتعليم مدني، ننتظر فيه من رجال الدين إستقامة الخلق ، ما لا ينتظر من غيرهم .. وبما أن الدين أكبر أسلوب يعين على تحصيل الأخلاق ، بوصاياه ، وبقرآنه ، وبعبادته ، وبسيرة نبيه ، وأصحابه ، وجب علينا أن نولي الدين إهتماما خاصا ، لنحقق به التربية الخلقية ، ذلك لإن روح الدين البسيطة، المنبعثة من القول البسيط (لا إله إلا الله) ، هي شعار التربية ، ذلك لأنها تدعو إلى الحرية، وترسم الطريق إلى الخلق الذي يليق بالأحرار .. وهناك حديث مأثور عن النبى وهو قوله صلى الله عليه وسلم : (إن الله كتب الإحسان على كل شىء .. فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة .. وليحدد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته) .. ففى كل عمل إعتبار يتعلق بالآخرين .

فيجب  توخى العدل فيه ، وتوخى الرحمة .. فإذا ما توكد هذا المعنى ، في كل مهنة ، أصبحت الأخلاق كالروح ، تتلبس جسد كل عمل ، وكل مهنة ، مهما دقت ، وصغرت ..

 

[email protected]

تعليق واحد

  1. الأخطاء
    عثرت على تصور لمنهاج تعليم سوداني مثمرا ، ونافعا > لمنهاجِ تعليمٍ سودانيٍّ مثمرٍ ونافعٍ
    خطاب بُعِثٓ (به) إلى عميد بخت الرضا عام ١٩٥٣م يهدف الى رسم منهج تعليمي
    وخلافها

    صحيحة فكرة أن يُعَلَّمَ التلميذُ كيف يعلم نفسَهُ و(كلُّ واحدٍ يعلم واحداً) شعار بخت الرضا القديم والحشو غير مفيد ولكن لابد من حشو المعلومات الأساسية على الأقل تلك التي تجعله صالحاً لوظائف الدولة المدنية والعسكرية، وهو إن صَلُح لذلك فهو سيعي مسئوليته في تعليم نفسه إلى أي مدى يطمح فيه وهذه هي الفلسفة التعليمية التي خرجت لنا قادة الخدمة العامة، ولا أقول السياسيين، الأفذاذ في كافة المجالات ولا أرى أفضل من ذلك؛ ولقد رأينا كيف حادت سياسة التعليم في ثورة تعليم الأنجاس بقيادة بروفسور البخرات حينما تركت فلسفة بخت الرضا وسيَّست المادة التعليمية وكذلك التدرج في المراحل التعليمية فاختفى النبوغ وحلت المحسوبية في الرعاية والبعثات ومنح الدرجات العلمية وهي ليست درجات علمية في الحقيقة وانما مجرد وجاهات وظيفية سياسية واجتماعية تفاخرية ليس إلا.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..