ثقافة وفنون

هاء السكت .. عمايلك دي

سمعت بعودته، قريبها الغائب، منذ أكثر من عقد. تجربة المداعبات غير البريئة التي حدثت معه كانت وهي طفلة. أقسى ما فيها تلك السانحة اللعينة حين ضغطها على الحائط . انسحبت عنه فجأة. لم تخبر أحداً من بقية أهلها. كانت في الثامنة. الآن هي أم لطفلة. خلال عقد أحرزت وغضبت وشددت قبضتها وغضبتها وهي تقول بينها وبين نفسها أنها لو صادفته
– حأفرمه.
لكن الغضبة ساحت بإلهام من عصام. وبعد سنوات خفّفت وسيلة العذاب المفترضة من مفرمة إلى كف داو جرّبت كم مرة كيف تطبعه على وجهه المنتفخ مصحوباً بكل حرقة السنين.
– أحيي عليك!
وبفعل الزمن المفاعل القوي؛ ولعله بفعل الوعي، خفّضت الصفعة إلى تقريع ثم جففّت التقريع إلى سؤال استنكاري
– ليه يعني تغرر بي كدا وأنا طفلة ما حرام عليك؟
– وظلّت تختصر السؤال وتقول إنه طويل شوية. تعدله وتعدله إلى أن أصبح فقط
– ليه يعني؟
التعديل الأخير لسبب ما صارت تصحبه ابتسامة كلما جهرت به لنفسها. كانت تقول لدواخلها :
– معقولة دي؟ شخص لم تصادفه منذ قرابة العقدين، أول كلمة تقولها له (ليه يعني؟) وبعدين كلمة يعني دي (متساهلة أكتر من اللازم).
أمس صادفته وسط الزحام في شارع السوق واستعدت وهو يقبل عليها بسؤالها المضحك الذي تدربت عليه في الشهور الأخيرة وأضافت إليه عبارة (عمايلك دي).
– ليه يعني عمايلك الزمان دي؟
لكنه مرّ. هي أغمضت عينيها، وتباطأت في سيرها، كأنما خشيت أن تلطمها (دُكْمة). وهو مرّ سريعاً ولم يرها. حين فتحت عينيها، رمقته وهو يمر جانباً. وكادت أن تناديه لتوجه له سؤالها الذي في مقام السلام. لكنها وقفت تحت شجرة وطفقت تفكّر وتفكّر في حالة ضعفها المتلبسة بإنسانية ليست بنت يومها. سالت من عينها دمعة، وما صدّتها بمنديل عجول، ومعها دهمتها هاء السّّكتْ فسكتت.

بشرى الفاضل

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..