حنان النيل .. لك الله وتقدير الشعب

كانت إحدى زميلاتي في الدراسة الجامعية بل وفي التخصص كفيفة تماماً، لم أكن قبل هذه الزميلة الكفيفة قد عاشرت وعايشت عن قرب أي كفيف، كنت أعتقد أن لا مكان لأي كفيف يرغب في الدراسة سوى معهد النور أو المعاهد الشبيهة، يتعلم فيها من أجل التعليم فقط لسقف محدد لا يمكنه تجاوزه، ولهذا كنت مبهوراً بهذه الزميلة ومشفقاً عليها في آنٍ معاً، ولكن مع الأيام ومع اضطراد النجاحات التي ظلت تحرزها بتفوق، زالت الشفقة وزاد الانبهار، ومن تلك التجربة لم أتعلم فقط بأن الإعاقة الجسدية أياً كانت ليست هي ما يعجز الإنسان ويقعد بطموحه ويتدنى بقدراته، وإنما هي عجز المرء نفسه، وإن كان صحيح البدن (متعافياً) ذا بسطة؛ يناطح الصخر، وإنما كذلك أعلمتني هذه الزميلة أن أعداداً لا تُحصى ولا تعد من ذوي الاحتياجات الخاصة؛ كانوا من العظماء الذين صنعوا تاريخ شعوبهم وأغنوا العالم وأثروه بإضافاتهم ومساهماتهم التي غطت المجالات كافة، فغير عميد الأدب العربي طه حسين الذي طالعت قصته بمكتبة المدرسة حين كانت للمدارس مكتبات، وأعمى المعرة أبو العلاء المعري الكفيف الفيلسوف والشاعر والمفكر، أضافت لمعلوماتي على سبيل التمثيل لا الحصر، الموسيقي العظيم روبرت شومان المصاب بشلل الأصابع (فتأمل هذا الإبداع)، وبيتهوفن (أبو السمفونيات) الأصم، وهيلين كيلر، الصماء الكفيفة المعجزة في تحصيل العلم والتأليف، وهوميروس الشاعر اليوناني؛ الكفيف صاحب ملحمتي الإلياذة والأوديسا، ثم عرجت على عالمنا العربي الإسلامي، وقالت خذ عندك وأيضاً على سبيل التمثيل لا الحصر، بشار بن برد الكفيف الذي كان يلقب بإمام الشعراء في عصره، والإمام الزمخشري الأعرج الذي قيل فيه (لولا هذا الأعرج لرُفع القرآن بكراً)، والإمام الترمذي كان أعمى، والشيخ السعودي بن باز و? و? مئات غيرهم لا تنسى أن من بينهم جوتة أديب ألمانيا الأول الذي كان مصاباً بالجنون الدوري، وجون ملتون الشاعر الإنجليزي المعروف، صاحب الفردوس المفقود، والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت المشلول الذي كانت كلمة منه يمكن أن تشل العالم بأسره.
وحنان النيل من هذه الطينة، طينة الكبار والعظماء الذين تحدوا الإعاقة ولم يعرف قاموسهم مفردة (العجز)، وهي ليست في حاجة لتزكية مني أو تذكير بمساهماتها في إثراء الوجدان السوداني، وكم كان مؤلماً أن نسمع ونقرأ أنها فُصلت من عمل لم تبدأه بعد بسبب أنها كفيفة أو أن أداءها لم يؤهلها للاستمرار في وظيفة لم تتسلمها بعد كما حدث لها من قبل من إحدى الجامعات، وقد آلمني جداً كما آلم الكثيرين ما نشرته الغراء (الانتباهة) أمس عن أن هذه الفنانة الشهيرة عرفت نفسها في أحد المحافل بأنها فنانة بالمعاش وأنها بلا وظيفة تعتاش منها.. وهذا والله حال لا تستحقه فنانة في رقة وحساسية حنان، ولكن ماذا نقول في هذا الزمان الأغبر، غير أن نقول لحنان لك الله وحب الشعب السوداني الذي يعرف من هي حنان النيل.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. ليس مستغرب من هذه الحكومة التى يوظف فيها الغندور ال بيته من الاميون والجهلة فى مرافق حكومية
    ليس مستغرب ان لا تجد حنان النيل مكنا لعمل والبلاد تحتاج لفكرها وتجاربها الثرة
    سؤال برئ ما هى مؤهلات معتمد امدرمان مجدى عبد العرير هذا الوصولى الذى ارى ان تقديمه ودخوله فقط لمحلية امدرمان اهانة للمرفق ناهيك عن منخه صلاحيات لاعرق مدن العالم
    دا لا قراء تاريخ لاجغراقية لا طب لاهندسة وما اعرفه عنه من نتهارية وحب ذات كفيل باخراجه اليوم قبل الغد من امدرمان ونفيه الى الجحيم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..