السودان ومصر – من حُكم الله على العباد والبلاد

د. أحمد التيجاني سيد أحمد
1. الغشاوة التراكمية على الدولة المصرية الرسمية
مصر الرسمية، غشاوتها تراكمت عبر القرون، ويمكن تلخيصها في ثلاث صور:
• أولًا: الغشاوة التاريخية
من يحكمونها اليوم ليسوا من أهلها الأصليين، بل خلاصة هجرات قوقازية وشركسية وأوروبية وعربية وبعض من الزنج، جاءوا في فترات لاحقة، خاصة بعد الغزو العثماني والاحتلال البريطاني، وتمركزوا في السلطة مع تهميش النوبيين والأقباط (انظر: ناعوم شقير، تاريخ السودان، 1903).
• ثانيًا: الغشاوة العرقية المتعنتة
مصر الحديثة تكرّس سياسة مركزية عنصرية تتجاهل الجنوب – سواء الجنوب المصري أو السوداني – وتتوارث هذه العقدة من صراع داخلي على الهوية (راجع: فهمي هويدي، مصر ليست أم الدنيا فقط، 1990).
• ثالثًا: الغشاوة المعرفية
تحمل الدولة المصرية كثيرًا من التراث ولكن بلا وعي نقدي، فتروّج لنفسها كصاحبة الريادة بينما تهمل مراجعة علاقتها بالجوار الجنوبي، الذي لم يكن تابعًا بل شريكًا أصيلًا (انظر: عبد العزيز الدوري، الجذور التاريخية لمسألة السودان، 1975).
2. السودان ومصر: من ذرّيتي هاجر وسارة إلى جغرافيا الصراع
خرج من إبراهيم الخليل ابنان:
– إسماعيل، من هاجر – الأسيرة، الأميرة النوبية، التي جاءت من بلاد كوش، لا خادمة بل سيدة، أُسرت في زمن القهر، فاُختزلت في الرواية العبرانية إلى “جارية”، لكنها في الذاكرة النوبية والضمير التاريخي، أميرة سباها الظلم وباركها الوحي.
– إسحاق، من سارة السامية السمراء، التي خافت أن تُشاركها هاجر في النسب، فطلبت من إبراهيم أن يُبعدها.
ومنذ تلك اللحظة، تشكّل الصراع الرمزي بين أمتين: أمة الصحراء والنضال، وأمة القصر والنبوءة الحصرية.
3. حروب الساميين: بين إسماعيل وإسحاق
الصراع بين العرب واليهود ليس حديثًا، بل متجذّر في البنية الرمزية لعلاقة إسماعيل بإسحاق.
إسماعيل الذي طُرد إلى الصحراء، وإسحاق الذي ورث البيت، هما تجسيد لانقسام روحي وسياسي تحول إلى صراع دموي تاريخي (انظر: التوراة، سفر التكوين الإصحاح 16 و21؛ والطبري، تاريخ الأمم والملوك).
4. السودان: حامل الذنب ومكشوف الظهر
السودان ظلّ حاضنًا لكل الذنوب التاريخية دون أن يكون مُقترفًا لها.
مصر تعاملت معه كحديقة خلفية؛ العرب حمّلوه تبعات الفشل القومي؛ والغرب رآه من الهامش. لكن السودان هو ابن كوش، من نسل حام، من حضارة ضاربة في عمق التاريخ (راجع: Basil Davidson, The African Genius, 1969).
5. من الغشاوة إلى النور
لن يتحرر السودان إلا إذا تحررت مصر من غشاوتها،
ولن يتحرر الشرق الأوسط إلا إذا توقفت ذرّيتا إسماعيل وإسحاق عن توريث الحروب.
إن الاعتراف بهاجر – الأسيرة، الأميرة النوبية – لا كاسيرةًً حرب بل كامرأة أفريقية نبيلة، هو مفتاح تحرر الجنوب من عقدة الظل.
النبوة لم تكن حكرًا على القصور، والحق لم يكن حكرًا على بياضٍ مصطنع. وفي هذه اللحظة الفاصلة، ربما يصبح السودان أول من يكسر الدائرة،
ويكتب سرده، لا كضحية، بل كفاعل في قدر هذه الأرض.
6. شرح أوسع: هاجر … الأسيرة، الأميرة النوبية
إن وصف هاجر في كثير من النصوص التوراتية والإسلامية التقليدية بأنها “جارية” ليس بريئًا،
بل يُستخدم كأداة لتقليل شأنها التاريخي والرمزي.
لكن الحقيقة الأعمق، التي تعضدها تحليلات أنثروبولوجية وتاريخية، أن هاجر كانت في الأصل أميرة نوبية من بلاد كوش، أسرتها قوى الحكم في مصر الفرعونية أو في الحروب القبلية،
ثم أُهدِيَت إلى سارة زوجة إبراهيم ضمن تقاليد الأسر الملكي.
هاجر لم تكن اسيرة ، بل رمزٌ لنساء إفريقيا المقهورات اللواتي حملن في أرحامهن النبوة،
لكنهن لم يُمنحن دورًا في كتابة التاريخ.
7. مصر والسودان: جدلية المركز والهامش
طوال التاريخ الحديث، تم تصوير مصر كـ”مركز” حضاري، والسودان كـ”هامش” تابع. لكن هذه الرؤية مبنية على تأريخ استعماري يُعيد إنتاج علاقات السلطة حتى بين الأشقاء. في الحقبة الحديثة، منذ محمد علي باشا، وحتى الاحتلال البريطاني، استخدمت مصر السودان كمنطقة نفوذ واقتصاد مكمل، وسعت إلى فرض ثقافتها وإدارتها، مع تجاهل الهوية المحلية السودانية.
وقد ورثت الدولة الوطنية المصرية هذا النمط، فأصبحت تتعامل مع السودان لا كشريك، بل كـ”عمق استراتيجي”، وهو مصطلح يُخفي في طياته استعلاء مبطّن واستعمار ثقافي.
8. عن الساميين: وحدة النسب، وانقسام المصير
العرب واليهود – بحسب التصنيفات القديمة – ينتمون إلى “الساميين”، أي إلى نسل سام بن نوح. لكن هذا الاشتراك لم يمنع الحروب، بل ربما فاقمها، لأن القرب في الدم يولّد أشدّ صور التنافس.
هذا الانقسام التاريخي ما زال يُعاد إنتاجه في شكل صراعات بين العرب واليهود، في فلسطين وخارجها، في الخطاب السياسي كما في التحالفات الجيوستراتيجية.
9. السودان ومصر: نحو مستقبل يعترف بالأصل
إن أي محاولة لحل النزاعات في المنطقة، تبدأ من الاعتراف بالجذور: بأن السودان ليس تابعًا لمصر، بل أخٌ أكبر حضاريًا في بعض مراحل التاريخ. وأن هاجر ليست أسيرة، بل أميرة. وأن النوبة ليست منطقة عازلة، بل أصل حضاري ضارب في الأرض.
يجب أن يُعاد تعريف العلاقة بين السودان ومصر على أساس الندية، والاحترام المتبادل، واعتراف مصر بدينها التاريخي للجنوب.
المراجع
– ناعوم شقير، تاريخ السودان، القاهرة، 1903.
– فهمي هويدي، مصر ليست أم الدنيا فقط، القاهرة، 1990.
– عبد العزيز الدوري، الجذور التاريخية لمسألة السودان، بيروت، 1975.
– الطبري، تاريخ الأمم والملوك، القرن الثالث الهجري.
– Basil Davidson, The African Genius, Longman, 1969.
– التوراة، سفر التكوين، الإصحاح 16 والإصحاح 21.
المشكلة ليست فى هاجر او ساره وابنائهما .. اليهود يغضبهم السطو على تراثهم وشخصياتهم التاريخية وابطالهم وكتبهم المقدسة والتعدى على حقوق الملكية الفكرية الخاصة بهم . فعلها بولس الرسول من قبل فى القرن الاول الميلادى ثم كررها العرب بعد عدة قرون . وقالها الدكتور طه حسين بكل صراحة . واقواله فى هذا الصدد من الممنوعات .
الكارثة الكبرى التي حلت بالارث الحضاري التاريخي النوبي هو السماح بدخول العرب الى السودان بعد اتفاقية البقد (او البقط تحريفا ) فبالرغم من أن الاتفاقية نصت في أحد بنودها بدخول العرب الى بلاد النوبة مجتازين غير مقيمين , غير أن ذلك الاجتياز شكل تهديدا وكتلة ضغط على الممالك النوبية من الناحية الجنوية خاصة جنوب مملكة علوة , تمثل هذا التهديد في عض الايادي التي مدت للعرب باستقبالهم كمهاجرين من جوع وعطش وحروب الجزيرة العربية وحروب الفاطميين والمماليك في مصر فتآمروا مع الفونج وارتكبوا أبشع خراب ودمار للتراث النوبي والثقافة النوبية بتدمير سوبا أو ما يعرف ب ( خراب سوبا ) .ما من أرض وطوؤها وإلا كانت خرابا أشعلوا فيها الفتن والحروب . وتوالت مكائد الاستعراب وفرض الثقافية العروبية من عهد محمد علي باشا وأشدها كان عقب الاستقلال ثم المرحلة التي سميت بالمشروع الحضاري كأخطر مرحلة تم تمرير أجندة المستعربين عبرها باعتراف الترابي ..
الاخ فريد نظام التعليم والتلقين في العالم العربي وخاصة السوداني ابرز ان تاريخ الفتح العربي وليس الغزو العربي، كان عبارة عن عسل مصفى وسمن سائل وما جاء الا في صالح الشعوب التى قدم اليها الاعراب، اعادة كتابة التاريخ عن حقيقة هذا العهد قد لا يتم الا في ظل حكومات ديمقراطية ليبرالية لا تجامل ولا تحامل،، بل واعادة كتابة التاريخ الاسلامي الحقيقي وانه السبب الاساسي في تدمير حضارات المنطقة وصولا للحظات الانية من تاريخ السودان وان ما تكرر ايام عبد الله ابن ابي السرح تكرر ايام الفونج وتكرر ايام المهدي ويتكرر اليوم ايام حميدتي والبرهان، وان جزئية صغيرة مما فعله حميدتي من انتزاع بيوت السودانيين واغتصاب لاهله هو تماما ما فعله الغزاة من المسلمين في مصر وفي السودان وكل البلاد التي تم غزوها،،، الكلام كثير ومبذول في هذا المجال ولكن الوقت لا يسمح