لو كان ذو القرنين ذا قرن (لكان الطفل أفضل) الأسماء وظلالها

الدوحة – أمير تاج السر
منذ عدة أيام زارني أحد المرضى برفقة والده، حيث أعمل. كان في الواقع، طفلاً في الخامسة، جميلاً ورشيقاً وقد تدلى شعره الناعم الغزير حتى كتفيه، يحمل جهاز (سامسونج تاب)، صغير الحجم، ويلعب لعبة حامية كما يبدو. كان مرضه عادياً، نزلة برد عادية، تأتي بتغير المناخ وتصيب كل الناس، لكن غير العادي، كان موجوداً أيضاً، كان اسمه ذا القرنين، وقد كتب بحروف كبيرة على شاشة الكمبيوتر أمامي.
مقاربة سريالية
ظللت برهة أتأمل الطفل، أقارن حجمه الصغير، بحجم الاسم الممتد، غير المألوف، وقد كنت مغرماً بالأسماء الغريبة، اتتبعها في كل مكان، وأعرف أسماء القبائل المفضلة في بلادي، وأحياناً أدرس أسماء البلاد التي أحتاج لشخصية منها كي أوظفها في نص، باسم مناسب، لكني لم أسمع أبداً بشخص اسمه ذو القرنين، وإن كانت سيرة صاحب الاسم قد وردت في القرآن الكريم، وحتى اليمني الذي وظفته نافخاً لآلة الحرب، المسماة: الكارور، في توترات القبطي، وسميته: جبار القرنين، كنت اختلق اسمه، فلم يسبق أن سمعت به، ولا أعرف إن كان موجوداً في قاموس الأسماء أم لا؟
سألت والد ذي القرنين الصغير، وكان يحمل اسماً عادياً، بلا أي تعقيد، ويصلح لأن يسمى به الناس في أي عصر: لماذا أطلقت عليه هذا الاسم غير المألوف؟ وكان يمكنك أن تسميه اسماً عادياً، خفيفاً، ويردده الناس بلا مشقة ولا تلفت، ولا حك للرأس بحثاً عن مدلوله، محمد مثلاً، عبد الرحمن مثلاً، أحمد مثلاً، جمال مثلاً، وكلها من الأسماء الخيرة، التي لن تنقطع عن المواليد أبدا كما أعتقد.
حكاية أبو حس
لم يبد الرجل قد تأثر من سؤالي، ولا يبدو قد فكر أو أعد خطة ما، ليجعل من الاسم الغريب لطفله الصغير، اسم مستقبل جيد، لا يواجه بالتعجب والاستغراب. رد بهدوء، بأنه أعجب بالاسم، القوي المميز، ولا يعتقد بوجود مشكلة.
في الحقيقة، لا توجد بالفعل مشكلة، إن كانت الأسماء التي يطلقها علينا آباؤنا أو أمهاتنا، أو أجدادنا، تظل أسماء بيوت تستخدم بين غرف وممرات البيوت فقط، ومن أفواه من أطلقها وبقية أفراد العائلة، وربما الأقرباء اللصيقين، لكن هناك طرقاً سيسلكها المسمى، هناك مدرسة لابد سيلتحق بها يوماً، وهناك وظيفة سيتوظف فيها، وربما مطارات سيزورها مترحلاً، وفيها موظفو جوازات وجمارك وغير ذلك. باختصار، فإن هناك حياة جيدة، أو غير جيدة سيلتحق بها ذلك المسمى حتى يرحل، ومن أبسط قواعد الحياة، أن يحمل اسماً يناديه به الجميع بسهولة. وما زلت أذكر أولى خطواتي في الشارع في مدينة بورتسودان، شرق السودان،، حين لعبنا كرة القدم في الشوارع، واحتككنا بأبناء الجيران، وأطفال آخرين يأتون من أحياء أخرى، وكان معنا طفل اسمه: (أبو حس)، أي صاحب الصوت العالي، أو لعل المقصود، صاحب الهيبة والمكانة. لم نكن نعرف ماذا يعني ذلك الاسم، نحن رفاق (أبو حس) في الشارع، ثم في المدرسة بعد ذلك، لكن كانت ثمة غرابة في استخدامنا للاسم، غرابة في نطقه، ودائماً ما تتبع النطق ابتسامة، لم نعرف تفسيرها على وجه التحديد، لكن الولد فسرها كما يبدو، وصنفها ابتسامة سخرية، وأذكر أنه انقطع عن الدراسة فترة طويلة، ربما انقطع عاماً كاملاً، وعاد لكن باسم آخر. كان اسمه: عاطف كما أذكر، فقد اضطر أهله إلى تغيير اسمه رسمياً في سجل المواليد، وما لبثنا أن تآخينا مع الاسم الجديد، ونسينا (أبا حس) إلى الأبد. وقد كانت إحدى جاراتنا اسمها (أم عكش)، وتعني صاحبة الزينة، أو المزينة، كما أعتقد، وكثيراً ما كان يطلق عليها الناس ألقاباً مثل: العفش، أو الطفش، أو ألقاباً أخرى مستوحاة من اسمها العنيف الذي قصد به تزيينها وأخفق في فعل ذلك، وقد أخذت ذلك الاسم على علاته، سميت به شخصية ثانوية، وردت في أحد نصوصي، هي أيضاً أخذتها من الواقع، وكان اسمها الأصلي، شبيها بـ (أم عكش).
بحسب الثقافة
وفي تتبعي للأسماء الغريبة ومحاولة البحث عن مدلولاتها، كما ذكرت، درجت على الاستماع لإذاعة (بي بي سي)، بشكل يومي، وأنا أقود في الطريق، ودائما ما تصادفني أسماء غريبة، أو نادرة خاصة في البرامج الحوارية، حين يتصل أشخاص من أي بقعة في الأرض، تملك خصوصية في كل شيء بما في ذلك الأسماء، لكنني ما زلت لا أستطيع أن أتعاطف مع مجرد أسماء يطلقها آباء على أبنائهم، غير مبالين بما قد تسببه من حرج مستقبلي، في حين توجد آلاف الأسماء الأخرى التي يمكن استخدامها.
هناك شيء مشترك بين كل الناس الذين يولد لديهم أطفال، وهي أن يطلقوا أسماء يحبونها أو تأثروا بها، على مواليدهم بغض النظر إن كانت مناسبة أم لا، وكان أحد أقاربي الريفيين، في قريتنا يستمع إلى الراديو في تلك الفترة البعيدة، من ستينيات القرن الماضي، حين لم تكن ثم وسيلة لمعرفة ما يحدث في الدنيا سوى الراديو. كانت إذاعة أمدرمان تهمه جدا، فعن طريق نشرة الثامنة مساء المحلية، يستطيع أن يعرف من توفي في أي بقعة في الوطن، وليسوا بالضرورة من أهله أو معارفه، وكانت ثمة نشرة سنوية تعرض أسماء الناجحين في امتحانات الشهادة العليا، التي يذهبون بعدها إلى الجامعة، كان يختار أسماء مميزة من بينهم، ليسمي بها أبناءه الذين يتوقع أن يولدوا مستقبلاً، وقد خرج من تلك النشرة وزراء وسفراء وأطباء كبار، حمل أبناؤه أسماءهم، لكنهم لم يحظوا بوظائفهم التي كان يحلم بها

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. لله درك أيها الأديب المفوّه.
    كلما أقرأ لك رواية أو مقالاَ أتذكر قرانا في الشمال وبالتحديد قريتكم كرمكول التي كنا نتلذذ بنطقها لقرب حروفها من الحروف التي لقريتي كرمة. وكنا نتوقف عند الأسماء العجيبة نرددها ونلوكها ونحفظها. وأتذكر انني اطلقت ضحكة مجلجلة في مدرسة الدبة العليا عندما عرفني زميلي بنفسه قائلاً إسمي خشم الموس. ولبرهة ظننت انه يمزح معي. إن إسم ذو القرنين اسم جبار له مدلولات من القرآن والتراث ويقال بأن الأسكندر الأكبر والله أعلم.

  2. معنى عكش في لسان العرب عكَشَ عليه حَمَلَ وعَكِش النباتُ والشعرُ وتعَكَّش كَثُرَ والتفَّ وكلُّ شيءٍ لزم بعضُه بعضاً فقد تَعَكَّشَ وشعرٌ عَكِشٌ ومُتَعَكِّشُ إِذا تلبَّد وشعر عَكِشُ الأَطراف إِذا كان جَعْداً ويقال شَدَّ ما عَكِش رأَسُه أَي لزم بعضه بعضاً وشجرة عَكِشَةٌ كثيرةُ الفروع مُتَشَجِّنةٌ والعُكَّاش اللِّوَاء الذي يتقَشَّع الشجرَ ويَلْتوي.
    وعلى العموم نحن في الشمالية نستخدم كلمة العكش لتدل على نوع من الحلق كبير الحجم يكون مصنوعا من الذهب أو الفضة حيث تعلقه النساء على آذانهن من أجل الزينة.

  3. يجب _ واكرر ? يجب _ علي كاتب معروف كامير تاج السر ان يتعلم كيف يستعمل حركات ضبط النص استعمالا صحيحا!
    اي شخص في عمره (مشارف ال 60 عاما) يعمل بالكتابة، ولا يعرف متي يستعمل الشولة وغيرها من حركات ضبط النص يذكرني ب ? سائق بص لا يعرف كيف يستعمل الفرملة

    ستجد القواعد في عشرات كتب النحو الورقية والاسفيرية
    So back to school and learn the a b c of your trade

    This is pathetic

  4. قد أتى في تفسير القرآن الكريم لآيات التي تقص قصة ذو القرنين وطبعا وهل من أصدق من الله قيلا !!! ، فالقصة تحكي أنّ الله أعطاه الحكم والقوّة فجال بجيشه في الأرض يدعو الى الله تعالى حتى وصل الى غرباً ووصل الى عين حمئة كبيرة ، وقد كانوا يقولون أنّ الشمس تغرب في هذه المنطقة وكانوا يعتقدون أنّها نهاية العالم وأنّ الشمس تغطس في المحيط وهو المحيط الأطلسي حتّى وصل على قوم موجود هناك ، وقد رأى الشمس تغرب في منطقة في بحر إيجا المحصورة بين سواحل تركيا الغربية شرقاً واليونان غرباً ، وكان فيها قوم وقد ألهمهُ الله بأنّهُ مالك أمر القوم الذين يسكنون فيها ، والذين كانوا يعبدون الشمس من دون الله ، وقد ألهمهُ الله أيضاً ملكهم إمّا أن يعذّبهم أو يعفوا عنهم ، وقد حكم هذ الحاكم العادل بأنه سيعاقب المعتدين الظالمين في الدنيا وسوف يحاسبهم الله تعالى يوم القيامة ، ومن آمن منهم سيكرمهُ ويعفوا عنهم . ومن بعد إنتهاء ذو القرنين من أمر الغرب توجّه الى أقصى الشرق من مكان ما تشرق فيه الشمس ، وهذه الأرض كانت مكشوفة لا أشجار فيها ولا مرتفعات تحجب الشمس عن أهلها وحكم بأهلها كحكمهِ على أهل الغرب . قصته في الإسلام مع قوم يأجوج ومأجوج من بعد ما إنتهى ذو القرنين من أهل الشرق أكمل طريقهُ حتى وصل الى قوم يعيشون بين جبلين أو سدين وبينهما فجوة ، وكانوا يتكلمون بلغة غريبة غير مفهومة وعندما وصل اليهم وجدوه حاكم أتاه الله من قوّة فطلبوا منه المساعدة ليجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج سدّا مقابل من المال فوافق الملك أن يجعل بينهم سدّا ولكنّه لم يرضى أن يأخذ مال وزهد عنهُ ، وقد أتاه الله من الحكمة فقد إستخدم ذو القرنين هندسة رائعة في بناء السد ، فقد قام بجمع الحديد ووضعها في الفتحة حتى تساوت مع قمة الجبلين وأوقد النار عليها ومن ثم سكب عليه النحاس المذاب حتى يصبح أكثر صلابة وقوّة فسدّ الفجوة ومنع الطريق عن قوم يأجوج ومأجوج

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..