خطاب السيد جيتسكل (مدير مشروع الجزيرة ) إلي إسماعيل الأزهري

إسماعيل أدم زين

التاريخ:17/يوليو/1946م

السيد/رئيس وفد السودان
القاهرة
سيدى,,
لقد أحال إلي مدير مديرية النيل الأزرق برقيتكم الخاصة بمال احتياطي المزارعين، وأني لأشعر أنه يلزمني أن أرد عليك. لقد قامت الحكومة بتجميع مال احتياطي المزارعين وبالتدريج نتيجة للتجارب التي مر بها المشروع في السنوات 29/1934م،عندما أوشك المشروع أن ينهار لسوء المحصول وانخفاض الأسعار معا. ولكى نصان ضد تكرار مثل تلك الكارثة انشئ مال الاحتياطي، لكى يكون لنا مدخرا نعزز به الارباح في السنوات السيئة. وقد استعمل مال الاحتياطي بالفعل ليعين محصول1944م، وسوف نحتاج إليه لنفس الغرض ليعين محصول 1946م،أما محصول1945م الذى يجري صرف أرباحه وعلاواته الآن فقد كان أكبر محصول مسجل حتى الآن، وأرباحه وعلاواته تفوق ثلاثة أضعاف جملة ماكان يتحصله المزارعون قبيل الحرب. وهذا هو السبب الذي من أجله تحجم الحكومة من دفع أي شئ من مال الاحتياطي في الوقت الحاضر. وستصرف الأرباح من محصول1946م في أكتوبر بعد أن تنتهى الصرفيات عن محصول1945م في أثناء الخريف، وعندئذ ستزيد الحكومة حصة الارباح من مال الاحتياطي البالغ قدره(1,3,00,000)مليون وثلاثمائة ألف فسيظهر في الحقيقة أن ما تبقى ليس بالشئ الكثير الذى يراد منه أن يغطى السنوات وليس الشهور، وإن بدأ للمزارع الفرد أنه مال الكثير وأنه من رأي الشخصي أن مال الاحتياطي اذا ما صرف للمزارعين الآن، فلابد أن يتركهم بلا حماية أمام ما قد يأتي(ومن يدرى؟)من سنين شديدة. وقد ينشأ من ذلك شعور بعدم الاستقرار والاطمئنان بالمغامرة في مشروع الجزيرة، الأمر الذى قد يطيح في النهاية بتلكم الغايات التي تعمل أنت ونوابك لتحقيقها، إذ أن استقلالكم في مجال التعليم وفي الصحة يعتمد اعتمادا كبيرا على مقدرتكم على تنمية موارد السودان الاقتصادية، وذلك يعتمد إلى مدى كبير على مشروع الجزيرة. وأني أعتقد أنكم ستضرون بمزارعي المستقل وبأنفسكم وبوطنكم إن أنتم ناديتم بتصفية الاحتياطي.

وقد ذكرت الحكومة أنها ستتيح الفرصة للمزارعين ليبدوا وجهة نظرهم في موضوع الاحتياطي الآن، إلا أنها لن تتخذ قرارا قد يتصف بالعجلة في أمر يهم السودان ككل. وأني اقترح عليك متى ما درست الامر موضوعيا، وجدت أنه لابد من أخذ القطر كله في الاعتبار وليس المزارع وحده. إني أوافقك على أن الاتفاقية تفتقر لحد ما لعنصر الفهم المشترك بين الطرفين، لكنها في نظري ليست مجحفة. وكان لابد للحكومة في الوقت الذي عقدت فيه الاتفاقية أن تتصرف كوصي على المزارعين. ومع كل فان المزارعين لو سئلوا في تلك الأيام عما اذا كانوا يرغبون في قيام المشروع لأجابوا بالنفي. ترى هل كان من الممكن لوطنكم أن يحرز مثل هذا التقدم دون هذا المشروع؟ أنا أعلم أنك تعتبرنا حركة استغلالية. غير أني أخالفك هذا الرأي. وأكرر كرة أخرى ان أية نظرة ودراسة موضوعية لابد ان تكشف أن ارتباط شركتي لهذا المشروع قد جلب للمزارعين ولوطنكم رصيدا ستؤول لكم ملكيته الكاملة في وقت وجيز. وما كان لهذا الرصيد أن يتحقق دون مساعدتنا، ومع أن شركتي مثل الحكومة والمزارعين لديها استثمار في المشروع بغرض الربح، إلا أن الربح الذى تجنيه ليس مفرطا ولا هو معدوم التوازن مع ربح الطرفين الآخرين، اذا ما أخذ في الاعتبار قصر مدة الامتياز الممنوحة للشركة. وإني لا أتوقع أن تشاركني الرأي، لأني أعتقد أنك لا تعرف الحقائق. لكني ألفت نظرك إلى أن بلادك قد لاتزال تحتاج لاستجلاب رأس المال الأجنبي ليسهم في مشروعات التنمية والعمران، وأن الهجوم الذى تشنه على الشركة التي صنعت الكثير لمساعدة بلادك في الماضي سوف لا يشجع الناس في استثمار أموالهم في المستقبل.

وأشعر أنني أتحدث بصراحة، لأن ارتباط شركتي بالمشروع كما تعلم سوف ينتهى في عام 1950م. فاذا كنت تعتبر الاتفاقية الحالية غير منصفة، فلابد أن تبدأ التفكير منذ الان في نوع الاتفاقية بين المزارعين والحكومة، حكومتك، بعد 1950م. وفي أثناء ذلك لابد أن تتذكر أن كل زيادة قد تعطيها المزارعين تكون قد أخذتها من نصيب البلاد ككل. فقبل أن تدين النظام الحالي بالإجحاف يجب أن تبتكر نظاما أعدل منه ليكون خلفا له، وأني أود أن انتهز هذه الفرصة لأقول لك أنه مما يرثى له أن يكون بيننا وبين حزبكم هذا القدر الكبير من سوء التفاهم والكراهية. إن هناك عددا كبيرا من البريطانيين في السودان خصوصا بين أصدقائي الذين هم أصغر منى سنا، يتعاطفون مع رغبتكم في إدارة بلادكم بأنفسكم, ويسرهم أن يروا بلادكم تأخذ قسطا متزايدا مع من حولها من البلاد العربية في منطقة الشرق الأوسط، إلا أنهم يشعرون من وجهة نظرنا جميعا كسكان لعالم تتزايد خطورته, أنه لابد لنا لكى نحرز تقدما للأمام من أن نتعاون وأن نبنى جسورا نتغلب بها على عداوتنا القومية. إن كل من رجالكم ورجالنا يرثون تحيزات ناتجة من تاريخنا. أيكون مستحيلا أن نبني علاقات من الصداقة قائمة على النظرة الواقعية لعالم اليوم؟ قد يكون ذلك من الصعب لرجال مثلك ومثلي. لكنني أورد حديثي معبرا عن من هم أصغر منى سنا، سواء كانوا في جانبكم أو جانبنا. إذ أن المستقبل يكمن في أذهانهم هم. أفلا يكون من الأفضل أن نسوقهم للتفكير في قضايا العالم وضرورة اتخاذ أسلوب مشترك للنظر في المشاكل في ذلك الضوء، اذ أن كل من العلم والحرب والاقتصاد تؤكد كل يوم أن مشكلتنا في الأصل واحدة وهى ليست مجرد مشكلة قومية أو وطنية.

هلا أنجزت شيئا يذكر في القاهرة؟ إن لم يكن كذلك فلم لا تعود للسودان وتشرع في بداية جديدة من وجهة نظر مشتركة وبعد كل قد تجد أن الكثيرين منا لا يختلفون عنك في التفكير, وإنني لست موظفا لدى الحكومة، لكنني قد أمضيت حياتي في السودان. وكرجل إنجليزي اعتيادي أشعر أن عالمنا الذى نعيش فيه اليوم سوف يسير قدما بالتعاون، لكنه سينتهى إلى فوضى متى استمرينا في فقداننا الثقة في بعضنا البعض.
مخلصكم
أ.جيتسكل
المدير

نقلاً عن كتاب عمر الكارب-الجزيرة ? قصة مشروع و رحلة عمر

تعليق إسماعيل أدم زين:
بقدر سروري للعمق الإنساني في خطاب السيد/جيتسكل للسيد/إسماعيل الأزهري إلا أن حزني علي واقعنا وحال مدراء اليوم بل بعض الوزراء علي ضحالة التفكير وانعدام الروح الإنساني الشفيف و المسئولية تجاه مواطنيهم والأمثلة كثيرة وهي لدي كل واحد منكم وأرجعوا إلي خطاباتكم التي أرسلتها لكم بعض الجهات ! ستجدون عجباً و ستجدون عورة و لكن قد يكون من الواجب نشرها ? حتي يحسن هؤلاء الخطاب! و عليهم الاستعانة بهارون! كما استعان به موسي! إن رؤساء أمريكا رغم ذكائهم يستعينون بمن يكتب لهم خطاباتهم و يهتمون لهذا الأمر جداً. تُري هل يفعلون؟
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. صحيح لقد استعجل السودانيون في طرد الانلجيز كمال قال الدكتور حمد الترابي.

  2. لك التحيه الاستاذ اسماعيل ادم زين , وحقيقة بالنظر لهذا الخطاب لابد من التحيه للسيد جيستكل الذي كان موضوعيا ومنصفا وواضحا ويبدو اكثر حرصا علي نهضة المشروع وحقوق المزارعين بل وعلي السودان ككل وهذا ان دل انما يدل علي الوعي والفهم والنظره البعيدة المدي والتخطيط السليم الذي كان يتمتع به الانجليز والاهتمام بالتنميه المتوازنه والمستدامه علي حد سواء وانني لاشعر بالخزي والخجل والعار وانا اليوم استمع لخطابات المسؤلين الذين يدعون الوطنيه وهم يحاولون اقناع المواطنين بان المشروع قد فشل وان اصبح غير منتج وانه قد شاخ ووووو كثير من الاوهام التي يسوقونها لتدمير هذا الصرح الكبير ونا اري انها لجريمة كبري ارتكبها هؤلاء المجرمون في حق الشعب السوداني ككل وانه يجب ان يحاسبوا عليها عاجلا ام اجلا , ومن المؤكد لو عرف الانجليز ما سيفعله هؤلاء من تدمير وتخريب لهذا المشروع وكل البنيا التحتيه لما خرجوا من السودان ولكان افضل لنا من هؤلاء الشرزمه والرجرجة والعصابه البائسه فليزهبوا غير ماسوف عليهم .

  3. لاشك في انه خطاب وثيقة وفيه الصواب
    ولكن نحن السودانيين لا نفكر بقلب مفتوح
    ولو انزلنا مضمون هذا الخطاب نجد ان كلام الخواجة كان سليم 100%
    والان وقد انهار مشروع الجزيرة
    ماذالو عدنا ادراجنا وطلبنا شراكة البريطانيين مرة اخرى في المشروع
    مش اقضل من نظرياتنا الفارغه والمقدودة التي دمرت المشروع
    خليكم تفتيحة

  4. شكرا الاستاذ اسماعيل ادم زين ونسأل الله أن يكافئ السيد جيستكل الدرجات العليا من الجنة لأن هذا المشروع كان العمود الفقري للسودان ،،، وقد اثبتت الحكومات السودانية أن الانجليز كانوا أرأف بهذا الوطن منهم وأويد دعوة الدكتور الكيني بروفيسور المزروعي،،،

  5. انا ما عارف السودانيين لماذا لم ينضموا للكومونولث ويتبعوا النظام السياسى البرلمانى البريطانى ويحافظوا على نظم الادارة المدنية والعسكرية والتعليم والصحة والامن(البوليس) وهم عارفين كيف تعيش تلك الشعوب الحرة الديمقراطية العظيمة وتقدمها فى جميع المجالات وانتصاراتها العسكرية على الديكتاتوريات الاوروبية وآخرها انتصارهم على الاتحاد السوفيتى نظام الحزب الواحد ودولة المباحث والكبت السياسى(زى الكيزان الآن) سلميا وتفككه ويمشوا يقلدوا انظمة القومية العربية والاشتراكية والبعثية التى لم تنتصر على احد غير شعوبها ودمار بلدانها وتخلفها فى جميع المجالات الا مجال القمع السياسى لشعوبها وفى هذه فاقوا العالم اجمع!!!!
    دايما اقول تابعنا الزبالة والقذارة والوساخة بفينا زيهم!!!
    مليون تفوووووووا على اى انقلاب عطل التطور الديمقراطى وخلانا بقينا حثالة زى دول وشعوب المنطقة!!!!
    ناخذ النظام السياسى والادارى الغربى لكن لا نتخلى عن ديننا واخلاقنا الحميدة ومن يقول بغير ذلك فهو كاذب ومنافق وعنده مصلحة فى استمرار التخلف السياسى والادارى ويتاجر بالدين!!!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..