سقف الهجرة وجدار العودة

جمال علي حسن

من واقع أوضاع السودانيين المغتربين في دول الخليج مثلا بالمقارنة مع الوافدين من مصر مثلاً أو الدول الآسيوية تكتشف أن طموح السوداني وفكرته في الهجرة تختلف نوعاً ما عن طموح الكثير من الجنسيات الأخرى .
السوداني في دول الخليج مثلاً يسعى لأن يعيش ويسكن ويأكل ويشرب بمستوى محدد، وتجد معظم أصحاب الوظائف المتوسطة والكبيرة من السودانيين المقيمين في تلك الدول )عازين نفسهم) جداً مقارنة بالآخرين من جنسيات أخرى وفي نفس الوضع ومستوى الدخل والذين يقتصدون كثيراً في التنعم بالحياة ويركزون على توفير جزء كبير من مدخولهم وتحويله إلى موطنهم الأصلي أو استثماره .
هذه الملاحظة مهمة لتشخيص الداوفع الحقيقية لهجرة السودانيين الآن والتي أصبحت تتلخص في توفير متطلبات الحياة بصورة معقولة ومضمونة وضمان تعليم أبنائهم وتربيتهم بشروط محددة وفي بيئة مستقرة معيشياً، يعني هجرة شعارها (عِش حياتك حيث أنت) ..
لذلك لا أستعجب إطلاقاً لامتداد الرغبة في الهجرة لتتجاوز خارطة الأسر الفقيرة والمتوسطة في السودان وتشمل حتى الكثير من الميسورين ومن هم في مستويات معيشية معقولة وفوق المتوسطة، داخل السودان، لنفاجأ بالكثير من هؤلاء يحزمون حقائب المغادرة، والهجرة.. هجرة ليست لأغراض سد الرمق أو تحقيق أهداف محددة لا يتسير لهم تحقيقها في السودان بل هي حالة هروب مفتوح من واقع حياتي عام في وطن يعلمون جيداً ونعلم جيداً أنه لا عوض عنه في أي مهجرٍ في هذا العالم لكن الإجابة البسيطة التي يقدمها لك أي مغترب حين يتواجه بسؤال مكرر يوجه له دائماً (متى ستعود للسودان نهائياً).. فيكون الرد هو (عندما تنصلح الأوضاع في السودان)، ويعني الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، ثم غالبا ما يكون تعليق صاحب السؤال بعد تلك الإجابة: (يعني ما راجع قريب)!
كل مهاجر سوداني من هذا النوع هو مقتنع تمام الاقتناع بأن الخيار الأفضل له كسوداني في هذه الحياة هو أن يعيش داخل وطنه وبذلك نقول ليست المشكلة الكبيرة تتمثل في تزايد نسب الهجرة من السودان فالكثير جداً من دول العالم تستقبل مهاجرين وتودع من مواطنيها آخرين يعيشون في بلدان أخرى، لكن المشكلة العويصة هي أن هدف الهجرة وسقفها عند معظم المغتربين القدامى والجدد لم يعد هو إصلاح المغترب لأحواله على مستواه الشخصي وأسرته بل صارت أشبه بحالة عدم الرغبة في العيش في السودان أو قل إنها صارت هجرة انتظارية حتى ينصلح حال البلد وينتعش اقتصادها وتتوفر فيها الخدمات المطلوبة .
المحزن، أنك حين تعود للسودان زائراً يستقبلك الكثيرون بعبارة إشفاق غريبة جداً في صياغتها هي: (مالك جيت يا زول إن شا الله خير)..!، فتضطر لأن توضح له أنك عدت في زيارة لوطنك أو إجازة قصيرة، فليس الغريب أن تغادر الوطن بل صار الغريب أن تعود للوطن!
جرعة الشكوى الداخلية الزائدة عن الحد من الحال ومن أوضاع البلد، هي التي تجعل الكثير من المهاجرين يترددون ألف مرة قبل اتخاذ قرار العودة النهائية للسودان برغم أن الكثير منهم يكون قد أمضى أكثر من عشرين عاماً في الاغتراب ووفر ما يكفيه وحقق ما كان يتطلع لتحقيقه حين خرج من السودان.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين
اليوم التالي

تعليق واحد

  1. بسم الله الرحمن الرحيم

    اعزائي محرري الراكوبه الشرفاء وبني وطني الكرام داخل وخارج السودان .. واخي جمال علي حسن .. لكم التحية والود .. اعزائي تأملوا ما قاله عزيزنا جمال وانه لصادق جدا فيما طرح لكن كنت ارجوا ان يدعم ما قال باحصائيه عن معدل الهجره السنوي من السودان ووفقا للتخصصات … وشكرا له .. وأضيف : انه سنويا يبلغ عدد المهاجرين من الكوادر العليا .نسب عاليه خاصة الأطباء واساتذة الجامعات .. انا بالأمس كنت في مستشفيات في دولة جاره .. وفي اكثر من مستشفي وجدت ان نسبة الأطباء السودانيين يتجاوز ال20% وكذلك اعمل في جامعة ونسبة الأساتذه السودانيين حوالي 30% وعليه كم مستشفي وكم جامعه بهذا البلد .. والغريب ان الرواتب غير مجزيه فتجد مرتب الاستاذ الوطني 25 ألف ريا… بينما السوداني راتبه في حدود من 6- 10 الف .. ويعملون ولهم سمعة طيبه جدا .. ولا اريد ان اضرب امثلة عليها ..

    والسؤال لماذا هذا ؟؟
    الاجابه بسيطه وهي ان السودان اصبح طاردا .. فليس فقط انخفاض الدخل وغلاء المعيشه .. وانما ايضا فقد الحريه ومرونة الحركه حتي لأداء مهام الوظيفه بكفاءة تامه .. وهيمنة بعض القصر فكريا علي مفاصل الدوله وتسيير كوادر من العلماء والمهنيين بالأوامر .. والميزانيات المحدوده مع صرف الموارد فيما لا يفيد .. .. فداخل الوزارة أو المستشفي تجد كل شهر اجتماع ومؤتمر .. بينما في نفس المستشفي تنعدم انابيب الاكسجين ..

    لذا شيرجعون عندما تنصلح الأحوال .. بمعني ان يتغير الواقع السياسي والاقتصادي ولكن الخوف ان يتغير الواقع الاجتماعي قبل ان يتغير الواقع السياسي والاقتصادي .. فحاليا ( اجزم بأن اكثر من 30% من القوي الحيه والشبابيه والعلميه والمهنيه هي خرجت من السودان ) ونسأل الله السلامه .. اذاكان كثير من مزارعي السودان تركوا مزارعهم ويعملون رعاة للابل في بعض بلاد الجوار .. ويرون انهم في حال افضل من كثير من الخريجين الموجودين في السودان ويركبون الركشات ويبيعون الليمون والماء في الطرقات .. والأدهي من ذلك ان بعض دول الجوار بدات تستقدم اناث من السودان ليعملن خادمات في المنازل بدلا للاسيويات .. ويستقدموهن تحت عقود ممرضات .. – والسؤال هل سيأتي اليوم اذا لم يتغير الواقع السياسي والاقتصادي في السودان أن يكون السودان بلا شعب .. اهله في المهاجر وحكومة في سدة الحكم تحكم الاشجار والطيور .. وحتي الطيور تسافر وما في ايدا جواز سفر .. مرة اخري نسال الله السلامه .. وشكرا اخي جمال حسن علي .. والتحيه لاهلي الطيبن ,, الصابرين علي المحن .. ونقول لحكام السودان لكل اول من آخر مهما طال الزمن .. واخيرا نقول لصديقنا جمال : يعني شنوا لا تنازل عن حلايب وهي اصلا الآن تحت السيادة المصريه .. وهل هي اغلي من الجنوب الذي يمثل ربع السودان .. ثم اما تري الفشقه والقلابات .. وربما النيل الأزرق وجنوب كردفان .. اليس اولي ان نقول ( لا تنازل عن ازاحة النظام الحاكم في السودان وهو سبب كل الابتلاءات ) ثم نفكر بعد ذلك في استرداد وطن ضاع معنويا وعمليا ,, بداء بالسياسة والاقتصاد والاجتماع والرياضه والأرض .. لكم التحيه .. وانشاءالله المغتربين عندئذ يجوا عايدين .. ونلتقي ,,!!!

  2. اقتباس(جرعة الشكوى الداخلية الزائدة عن الحد من الحال ومن أوضاع البلد، هي التي تجعل الكثير من المهاجرين يترددون ألف مرة قبل اتخاذ قرار العودة النهائية للسودان برغم أن الكثير منهم يكون قد أمضى أكثر من عشرين عاماً في الاغتراب ووفر ما يكفيه وحقق ما كان يتطلع لتحقيقه حين خرج من السودان.)لخصتي القصة كلها في الجمل البين السطرين اعلاه وانا واحد من الناس الذين تشملهم الجملة الاخيرة …شوفو لينا حل للمعادلة دي ياشباب البيت وبنيتو وحت الاثاث جبتو وبعد دا كلوفاعدين هنا في شقة لا تتعد ربع البيت البنيتوفي السودان…ومنتظرين الاوضاع تتحسن في السودان عشان نرجع

  3. عبارة هجره انتظاريه هذه التى وردت فى مقالكم هى تقريبا المفتاح لعودة طيورنا المهاجره . الحال اﻵن مايل ميلان شديد ورغم صعوبات الغربه ومشاكلها التى لاتنتهى فان اى مغترب عندما يفكر فى العودة الى وطنه واهله يتبادر الى ذهنه مباشرة السؤال البسيط المتوقع كيف العودة الى الوطن اﻵن وقد صار اسوأ مما تركته حين جئت الى هنا مرغما – فى الغالب – وماذا عن متطلبات الاسره والاهل المشروعه فى العيش والسكن والعلاج والتعليم ؟
    اصبح السودانى يفكر مرة واحدة عندما ينوى الاغتراب ويفكر الف مرة عندما ينوى العوده .
    والله يجازى الكان السبب فى كل هذه الضغوط النفسيه القاسيه . الله يجازيهم .

  4. أنا زعلان اسمحوا لي شوية .

    لو ظروف عملك مريحة .وكسبك جيد. وعايش مستقر. وفكرت في العودة فأنت حالم وخيالي وغير واقعي.

    أما لو عدت فعلا فأنت إما مجنون أو حيوان .
    ولو كنت مجنونا أحسن ما تتعالج عشان ما تصحى وتجن تاني.

    وأما إذا كنت حيوانا فانظر الحمام حيث يجد طيب العيش يقيم.

    ( ناس كانوا يسووا موية السكر لحمام الناس يجي يعيش مع حمامهم)

    لتجد نفسك كما قال إليا أبو ماضي

    أدركت كنهها طيور الروابي ** فمن العار أن تظل جهولا

    يعنى تجد نفسك أقل درجة من فهم الحمام.

    لكن هل الحمام حيوان؟؟ حاشا وكلا.

    ما تزعلوا مني. عشان عينكم تفتح.

  5. انا اعرفك يا استاذ جمال واعتقد ان رجل فى مثل تهذيبك واخلاقك الرفيعه وثقافتك يفكر صباح مساء فى العوده الى اهله وعشيرتك ولولا العقبات التى ستواجهك فى السودان لعدت الى اهلك وسكنت الصحافه . لكن هل ذلك ممكن اﻵن ؟
    يقينى ان اى مغترب او مهاجر لن يفكر فى العوده فى الظروف الحاليه ما لم يتغير هذا النظام بشكل او آخر.
    وشكرا لك ودمت طيب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..