مقالات سياسية

حصاد العطش

حيثما وجد الماء وجدت الحياة ونمت الحضارات، وأية دولة أرادت أن تمضي في طريق التحضر سعت أولاً لضمان توفير المياه لتضمن لنفسها فرصة الانطلاق السريع، ولكن في السودان بلد النيلين والأنهار والمياه الجوفية، لم تفكر أية حكومة بأن تقوم بهذه الخطوة، وإن وجدنا العذر للحكومات السابقة فما بال حكومة المؤتمر الوطني وقد وجدت أمامها تجارب مذهلة من النجاح العالمي في هذا المجال وتوفرت لها الفرص والأموال .
الآن ليس هناك مدينة ولا قرية في السودان لا تعاني من مشكلة في المياه، ليس بسبب أزمة الوقود فقط بل بسبب مشاكل حقيقية لا يحلها الوقود أبداً وإنما السياسات العلمية والقرارات الصائبة، بالأمس فقط نقلت الصحف خبراً يقول إن وزارة التخطيط والمرافق العامة بولاية كسلا حذرت من خطر انخفاض المخزون الجوفي للمياه بكسلا، طبعاً لشرق السودان عموماً قصة مع العطش وكذلك كردفان ودارفور ومناطق أخرى.
منذ سنوات طويلة ونحن نسمع بمشروع حصاد المياه الذي يهدف للاستفادة من مياه الأمطار وتوظيفها في الزراعة وتوفير مياه الشرب النقية، الحكومة خصصت لهذا المشروع ما خصصت من أموال، كما أنه وجد الدعم من جهات أجنبية كثيرة ولا شيء تغير، بل ظل العطش يتسيَّد المشهد في جميع ربوع السودان حتى في الخرطوم التي ترقد على ضفتي نيلين وتغرق سنوياً في مياه السيول، كالعير يقتلها العطش والماء فوق ظهورها محمول .
نهاية العام الماضي أعلنت وحدة تنفيذ السدود التابعة لوزارة الموارد المائية والكهرباء بالسودان، عن تعليق إنشاء سدود حصاد المياه إلى حين التأكد من جاهزية الولايات للتشغيل مع أنها لن تجهز أبداً، والسبب انهيار سد (الأعوج) بمنطقة تندلتي في ولاية النيل الأبيض، بعد مضي نحو ست سنوات فقط من إنشائه، مما يعني أن الأمر لم يُبْنَ على دراسات، وبصفة عامة أهدرت الحكومة في هذا المشروع أموالاً كثيرة ان وجدت حسن الإدارة لرحل العطش إلى الأبد.
لم تقف محاولات الحكومة الفاشلة عند هذا المشروع وجاءت بآخر أسمته (زيرو عطش) وهدفه كما قالت القضاء على العطش بحلول العام 2020، ولهذا المشروع أيضاً قصة، فقد أهدرت فيه أموال طائلة والنتيجة ما زالت (زيرو إنجاز) فقد صحبته أعمال فساد يشيب لها الولدان وسلوا المراجع العام
في شهر مارس الماضي كشف الخبير في منظمة الصحة العالمية د. محجوب محمد محجوب، خلال مخاطبته ورشة حول البيئة والمياه بالبرلمان، عن مسح علمي قال إنه أثبت أن نسبة ?73%? من المواطنين السودانيين يشربون مياهاً غير نقية، تخيلوا 30 سنة وهذه الحكومة لم تستطع أن توفر لنا حتى المياه النقية كواحدة من أبسط واجباتها، فأي واجب آخر يمكن أن تلتزم به بعد هذا، وأي أمل يمكن أن يرجى؟! .

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..