منوعات

ومضات كردفانية!

عندما تكون الرحلة إلى ربوع كردفان مع سائقنا الماهر نميري الشريف، يكون للسفر طعم خاص؛ فالرجل خبير بالطرق والدروب ويعرف كيف يهتدي بالنجوم ليلاً، ويراعي ظروف الركاب؛ حتى لا يمل أحد من طول المسافة التي أصبحت أقصر كثيراً مع قرب اكتمال طريق أم درمان ?جبرة-بارا، أو ما يعرف بطريق الصادر أحياناً. نميري الشريف، كما وصفه شيخنا المكي عبد الرحيم الرشيد، رجل “بخيت” وليّن الجانب؛ ولذلك فإن المسافر معه لا يمل ولا يجوع ولا يعطش ولا يضل الطريق أبداً، فهو يؤانسك ويستمع إليك بكل أدب واحترام وصراحة، ويتوخى الحذر واللوم في ذات الوقت. يخرج بك من “البقعة” عبر شوارع كأنها “دواديب” النمل كما قال عنها الأديب الكبير إبراهيم إسحاق في إحدى قصصه القصيرة، ثم ما يلبث أن يسلك طريقه نحو دار الريح بكل حنكة ودون تردد عبر تلك الفيافي الممتدة من قوز أبو ضلوع والمرخيات وحتى إيد الناقة وأودية الصليّل والمخنزر وأبو تبر وغيرها، مروراً “بعرّض” أحياناً أو رهيد النوبة أحياناً أخرى، حتى تتوقف الرحلة في جبرة الشيخ ليستجم الركاب قليلاً. هذه المناطق الواقعة غرب أم درمان كانت قفاراً يجوبها البدو مع إبلهم وماشيتهم ولكنها الآن تحولت إلى وجهة استثمارية واعدة بعد أن نجحت شركة نادك السعودية في تأسيس مشروعها الرائد في إدارية أم مندرابة وقد صار يؤتي أكله ويخرج حصاده بشكل مشجع للغاية؛ الأمر الذي يبشر بخير وفير لهذه المنطقة وأهلها، ولله الحمد من قبل ومن بعد، سيما وأن مدناً وقرىً كثيرة سوف تزدهر على جانبي الطريق المذكور وحول مطار الخرطوم الدولي المزمع بناؤه على مقربة من غرب أم درمان في القريب العاجل بإذن الله! باختصار شديد، ولاية شمال كردفان الآن مقبلة على نهضة كبرى حسب المعطيات الماثلة للعيان والتي لا ينكرها إلا مكابر أو جاحد، نتيجة لما نراه من إنجازات مشاهدة لمشروع نفير النهضة الذي ينتظم الولاية في الوقت الراهن؛ خاصة فيما يتعلق بالطريق وصفرية العطش وإعمار عروس الرمال بالمنشآت الصحية واكتمال المسجد العتيق وقلعة شيكان وإنشاء المدارس في القرى والأرياف بالمواد الثابتة. وعلى الرغم من تذبذب الأمطار في فصل الخريف الماضي إلا أن هنالك مرعى واسع يمكن الاستفادة منه في تربية الثروة الحيوانية بعد أن توفرت المياه في كثير من المواقع النائية، والموسم الزراعي عموماً لا بأس به، إذ يشهد سوق المحاصيل بالأبيض الآن وارداً كبيراً من المحاصيل النقدية مثل الفول والسمسم وحب البطيخ، بيد أن أسعار الذرة والدخن مرتفعة جداً مقارنة بالسنوات الماضية. ومدينة الأبيض تكاد تكون الأنظف من بين كثير من مدن السودان، خاصة العاصمة المثلثة! أما تلك الدسكرة الرائعة، بارا، فهي لا تزال بحاجة لمزيد من الجهد العمراني والخدمي لتكون في مستوى رصيفاتها الأخريات مثل أم روابة والرهد، ويا أخانا المعتمد عبد الرحمن الماحي “أكرب زندك” قليلاً حتى نرى لمساتك على “جنة سواقي الريد، ومرتع الغزلان، وادي النخيل والصيد”، بلد المقدوم مسلم، رحمه الله، الذي دافع عنها بكل بسالة وشجاعة، ولكنها لا تزال كما كانت منذ عهد سحيق دون تغيير أو عمران يذكر! فهي الآن كأم جميلة بلغت من الكبر عتياً ولكن هجرها أبناؤها وتركوها تقاوم عوامل الزمن حتى شاخت للأسف الشديد. ومن الأمور التي أثلجت صدري وأنا أتجول في قرى ومدن شمال كردفان دوي صوت التلاوة الذي ينبعث من كثير من خلاوى القرآن في جنوب الأبيض وشرقها وفي الزربية و”الفرجاب”، شرقي بارا وهي قرية نشأت على ضوء القرآن منذ عهد الدولة السنارية ولا تزال “تقابتها” مشتعلة ويقوم عليها الشيخ الوقور مولانا الشيخ المكي عبد الرحيم الرشيد وأبناؤه، جزاهم الله خيراً، ويأتي إليها الطلاب من مختلف بقاع غرب السودان. الوضع في شمال كردفان بشكل عام يحتاج فقط لقليل من التخطيط والإشراف المهني والتوجيه المجتمعي، إذا جاز التعبير، وسوف تكون هذه المنطقة المستقرة، سلة غذاء السودان فهي تصلح لإنتاج كل ما يخطر على بال الإنسان من ثمار ومحاصيل ومنتجات حيوانية من اللحم واللبن والجبن، لأن تربتها صالحة وماؤها نمير وإنسانها قادر على العمل والإنتاج، إذا توفرت له بعض المساعدات الفنية واللوجستية المطلوبة وقليل من الدعم المالي. أنا مدين لكثير من الإخوة الذين غمروني بفائض كرمهم وحسن استقبالهم وأخص بالشكر بعض الإخوة من أبناء دار الريح المقيمين في أم درمان ومنهم الشاب بشير عبد الرحمن الشريف وعائلة عمنا بلال ود مشنّف الذين اخجلوا تواضعنا بحسن الضيافة والكرم الأصيل، جزاهم الله عنا ألف خير وخلف عليهم بالبركة، والشكر موصول لآل التجاني ود المراد أيضاً. أما أهلنا في حلة حمد، جنوب أم قرفة، فقد تسابقوا لإكرامنا وضيفاتنا كما يتسابقون بهجنهم الأصيلة، ويبدو لي أن الكرم قد أناخ بسوحهم العامرة ووضع عصا الترحال بديارهم فلا متقدم له عنها ولا متأخر، فهم رفاق الضيف أنّى حلّ هبّوا لهم للضيف ضمٌ والتزام.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. هذا الكاتب مأجور اعتاد الأكل من فتات موائد الكيزان اللصوص

    الخراب والدمار اصاب السودان كله بدون استثناء

    واضح انه زول رخيص

  2. هذا الكاتب مأجور اعتاد الأكل من فتات موائد الكيزان اللصوص

    الخراب والدمار اصاب السودان كله بدون استثناء

    واضح انه زول رخيص

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..