مهما يكُن فهو خيال مآته … ؟ !!

سفينة بَوْح

قبل أن تجرِف حكومة الإنقاذ بسياساتها الغريبة في مراميها والمُزرية في نتائجها ، منظومة التعليم ما قبل الجامعي في السودان إلى سوق العرض والطلب ، ونظرية (الماعندو ما يتعلم) ، كنا في زمانٍ ليس ببعيد نعتبر الدالفين إلى المدارس الخاصة والتي كانت تُسمى في ذلك الزمان (المدارس الأهلية) هم الأقل حظاً في ما نالوه من تعليم ، لأنهم كانوا ممن لم يتحصلوا على نسب نجاح تؤهلهم لدخول المدارس الحكومية ، فالمدرسة الحكومية كانت قبل ثلاثين عاماً هي الأصل ، أو في الحقيقة كانت هي المصير الأوحد إذ لم يكن هناك منافس لأن المدارس الأهلية أوالخاصة أيامها لم يكن يؤمها إلا المُضطرين ، وعلى قِلة إمكانيات الدولة في ذلك الزمان بالمقارنه بماهو عليه الحال الآن كانت وزارة التربية تحوز على أداةٍ فعَّالة في الأداء الإداري والفني والأكاديمي هي أداة (الهيبة) ، والهيبة التي تمتعت بها وزارة التربية والتوجيه في أنظمة الحكم السابقة المقصود منها إيمان القيادة السياسية ومنظومة مؤسسات الدولة مجتمعة بدور التعليم في تغذية آلة التنمية القومية بالكادر البشري القادرعلى تحقيق التطلعات والآمال ، ثم جاء زماننا هذا الذي تجلى فيه ضعف إيمان منظومتنا السياسية والتنفيذية بأهمية أن يكون التعليم حكومياً ، ومجانياً ، وأن يُفرد له الجزء الأكبر من الميزانية العامة للدولة ، مهما كانت الظروف والمبررات ، فحين ينبري بعض المطبلين والمنحازين لأولي السلطة والنفوذ لمجرد المصالح الشخصية ، ليبرِّروا ما أصاب المنظومة التعليمية في السودان من إفقار وهدم وتهميش بما تحتاجه الدولة من أموال يتم ضخها من أجل الدفاع عن أمن البلاد ، في الوقت الذي يعتبر فيه بعض العُقلاء أن أهم مورد يمكن أن يصُب في نطاق معالجة ما تعانيه البلاد من إضطرابات أمنية هو التعليم و ليس غيره ، من قال أن السلم والأمن لا يمكن أن يُفرض بالإستنارة والعلم وتوزيع فرص الحصول على رؤى قادرة على تحقيق المصالح العامة وتنزيلها أرض الواقع ، في الماضي لو لم يتم بتر سريان عجلة إنتاج التعليم بما يجري عليه الحال الآن كانت المدارس تصنع من ضمن ما تصنع حالة الإيمان والمعايشة الحقيقية لشعارات أصبحت جوفاء الآن ولا وجود لها إلا في المهرجانات التطبيلية والمنابر الإستعلائية ، يأتي في مقدمتها ما تتطلبه المصلحة الوطنية في مضمار التعايش السلمي والتسامح الديني والتماذج العرقي والإعتراف بالآخر والتعرف عليه عن قرب ، ذلك لأن المدارس الحكومية حينها كانت تجمع تحت سقوفها إبن الحاكم والوزير والغفير والتاجر والغني والفقير والمسيحي والمسلم هذا فضلاً عن التواجد الميداني والواقعي الملموس لشتى العرقيات والقبائل والثقافات ، أليس في هذا ما يشير إلى تلقي المستهدفين من تلامذة هذه الأمة دروساً تدفعهم للنجاح في (علم ومهارات الحفاظ على السلم والأمن الإجتماعي والوطني) والذي تصرف عليه حكومة الإنقاذ حالياً بعضاً مُهماً من إستحقاقات وزارة التربية والتعليم فيما يؤثِّر سلباً في مشاريعها المتعلقة بالإنشاءات والصيانة والعملية التعليمية بشقيها اللوجستي والأكاديمي والبشري ، هل نحن في حاجة بعدما أثبتته التجارب الإنسانية قبل ماضٍ سحيق حول الموضوع لأن نجتر ونُسهُب في الحديث عن أهمية أن يكون التعليم حكومياً ومجانياً وذو جدوى لرفد حركة التنمية الوطنية ، حطِّموا (خيال المآته) المتمثل في جيوش المدارس الخاصة التي إغتالت قداسة التعليم بطرحه في سوق العرض والطلب وإدراجة في قائمة السلع الطبقية في بلادنا المكلومة .

صحيفة الجريدة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..