معضلة القانون والدكتاتوريات

القانون الأمثل هو الذي تكون قواعده ضد مصالح واضعيه الشخصية والقانون الأسوأ هو العكس من ذلك.
ولكن أغلب المؤسسات تشارك في التشريع لتضع قواعد تتفق ومصالحها ، فقانون العمل يضعه بالتشارك نقابة العمال وأصحاب العمل وقوانين السلطة العدلية تضعها السلطة ويكون دور البرلمان تصديقي بعد المناقشة ، خاصة أن البرلمان ليس مشكلا من متخصصين . ولكن هناك قوانين يجب أن توضع من على الحياد ، كالقوانين الاجرائية التي تكفل عدالة المحاكمات وشفافيتها ، وحقوق المتقاضين بشكل متساو . رغم ذلك فإنه يمكن ملاحظة ميل القانون الي تحقيق مصالح فئة مسيطرة على حساب غيرها ، كما في المواد التي تحصن أعمال السلطة التنفيذية من الرقابة القضائية ، أو تلك القوانين التي تمنح السلطة التنفيذية سلطات تقديرية واسعة أو تخول لها اصدار لوائح تنفيذية للقوانين او تفويضها تشريعيا تفويضا واسعا وفضفاضا ، أو تركيز السلطة في يد الرئيس أو الوزير ، أو تنشيء مؤسسات موازية ، فهذه قوانين تكشف دكتاتورية الدولة بكل وضوح.
قلنا بأن وضع القانون ضد مصالح واضعيه الشخصية يعني وضع قواعد عامة مجردة.. في بعض الأحيان حتى لو وضع القانون لمصلحة فئة ما ، فإن عموميته وتجريده تجعله سلاحا ذو حدين على مصالح واضعه ، ﻷن المصالح متبدلة ومتغيرة والقانون ثابت ، وقد يكون قانون الأمس مضر بمصالح اليوم ، وهنا ننظر إلى الآلية التشريعية أي الى تكوين البرلمان وسرعة تغييره وتبديله وتعديله للقوانين ، فالقوانين التي تتبدل بين عشية وضحاها تكون مشوبة بغايات فجائية فاستقرار القانون -على علاته- أفضل من التغييرات المفاجئة وغير المدروسة له. وإذا كان القانون ثابتا بشكل صارم فإنه يكونوعبئا على التغيرات في الواقع ولكن الثبات نعني به الثبات المعتدل ، فإذا لم يكن الثبات معتدلا فإننا ننظر إلى قدرة القضاء على سد الفراغات التي تنشئها المستحدثات والوقائع الجديدة ، ويعمل القضاء ذلك من خلال المبادئ القضائية . ولكن القضاء محكوم بمبادئ وسلطته مهما كانت ليست مطلقة فهو محكوم بمبدأ المشروعية وبالتفسير الضيق وبعدم تحول القضاء إلى مشرع ، فهو يعمل فقط في حدود المناطق المفتوحة في القانون ، وكما هو الحال بالنسبة الى التشريع فإن المبادئ القضائية يجب أن تنال قسطها من الثبات وإلا أدت إلى عدم استقرار المراكز القانونية ، مما يخل بالعدالة.
وإذا كان هناك خلل في كل المؤسسات العدلية منذ التشريع مرورا بالتطبيق وانتهاء بالتنفيذ ، فإن ذلك كاشف أيضا عن دكتاتورية الدولة ، فأسوأ بيئة للدكتاتوريات هي بيئة القانون بدءا بالدستور وانتهاء بالعرف . إن أي دكتاتوري يتحسس مسدسه عندما يسمع كلمة قانون ، فالدكتاتوريات لا تعيش إلا في بيئتها المثلى بيئة الفوضى الكاملة ، ولذلك تعمل منذ بدايتها على تقويض الدستور واحتكار التشريع والقضاء لتمرير فوضويتها هي نفسها.
—————————–
الخميس 19 مايو 2016
[email][email protected][/email]
هذا توصيف دقيقة
لحالة السودان
فمن يدير الوطن لا يتورعون
في تغييب وعي الجماهير عبر
إحداث الفوضى التي تحيلهم
الى دمى !!؟….