القراءة والكتابة.. تراجع أمام “تيك أوي” الصوت والصورة

جدة – فاتن الزين صغيرون
الكتاب محرك التاريخ وباعث الشعوب من سباتها، وبالكتابة ترتقي الأمم، تنفصل عن أطوارها البدائية، وبقدر شيوع الكتابة والقراءة ترتقي الشعوب في مدارج الرقي والتقدم.
يرجع اختراع الكتابة لزمن بعيد مع بداية الخليقة تقريباً إلا أننا نجد خلال زماننا هذا تأرجحاً ملحوظاً بين كفتي القراءة والاستغناء عنها بأمور ملهية أخرى من تلفاز وانترنت، وما إلى ذلك، ولكنا لايمكننا الاستغناء عن القراءة والتعلم مهما وصلنا من مراحل وتقنيات، فالعلم نور والجهل ظلام.
ولما للقراءة من شأن عظيم تناسلت الأسئلة حولها، وحرص الناس على الانخراط في قراءة العيديد من الكتب والتحقوا ببرامج تدريبية ودورات ومدارس وجامعات، لكنهم بغتة وجدوا أنفسهم في مفترق طرق، إذ تراجعت نسبة القراءة بشكل نلحوظ أمام تقدم وطغيان تقنيات التواصل الحديثة (صورة وصوت).
أحمقان (من يعيره ومن يُرجعه)
يقول (أبو عبيدة الحاج إدريس) موظف، بالنسبة لي فإن خير جليس في الزمان كتاب, الآن يقتصر دور الكتاب على المناهج الدراسية في مختلف المراحل، وقل وندر ما تجد شخصا يحمل كتابا يحتوي على رواية مثلا أو ديوان شعر أو أي ضرب من ضروب الثقافة، فماتت عبارة (أحمقان.. معير كتاب ومرجعه)، وما ذاك إلا لكثرة الوسائط المرئية والمسموعة وحتى المقروءة تكنولوجيا، وهذا له آثار اجتماعية واقتصادية كبيرة وربما صحية أيضا فكسد سوق الطباعة إلا من الصحف اليومية التي لها روادها وعشاقها مع قهوة الصباح، وهم قلة في المجتمع.
من جهتها، قالت رؤى نوري، طالبة جامعية: بالنسبه للقراءة أعتقد أنها تمثل جزءاً كبيراً من الثقافة، وﻻبد من وجودها في أي مجتمع، لكن للأسف منحنى القراءة بدأ يتجه نحو الأسفل وهو ردة فعل طبيعي لاجتياح التكنولوجيا بين المجتمعات الشبابية, أما عن فكرة اﻻستغناء، فكما ذكرت سابقا القراءة أحد أركان الثقافة ولإنشاء مجتمع مثقف ﻻ بد من وجود هذا الركن.
مع أو ضد
أصر خريج الكلية الأردنية السودانية للعلوم والتكنولوجيا (أبوبكر عبدالقادر الترابي) بأن عهد الكتاب لم ولن ينتهي، ولكن انحصر الاهتمام به لعوامل عديدة لاحصر لها مثالا – انشغال الناس بتوفير لقمة العيش، حيث تتراجع أولوية الكتاب أمام هذه الرغبة، أما عن كيفية إعادة الناس إليه مرة أخرى، فذلك عبر إقامة معارض دورية للكتاب والاهتمام بالإعلام والترويج لها بصورة مميزة، حيث لا يوجد إعلام كافٍ يغطي هذه المعارض وإقامة مسابقات للصغار للقراءة ورصد الجوائز القيمة للترغيب فيها.
وفي السياق، قال حسن سراج الدين الحسن محمد ? عضو اتحاد الكتاب والأدباء السودانين الكتاب مازال عندي هو المنهل الوحيد الذي منه أستقي جميع معلوماتي، ولا أكترث إلى منابع النت كثيرا لأنني على علم بأنها تحوي أخطاءً كثيرة في طباعتها أو معلوماتها، وعلى العموم أنا لست ضد القراءة من النت، ولكن إذا رجع الناس إلى كل العلماء لوجدوا أن ما وصلوا له كان من هذه الكتب وليس النت، وهم من وضعوا لنا الطب والفلك وكل التكنولوجيا التي نحن فيها الآن من فضلهم هم.
لا خشية على القراءة
إلى ذلك، عدّت الإعلامية (شيراز ياسر مكي) أنه لا يوجد عصر ستنتهي فيه القراءة والكتابة، وستظلان سائدتين في كل الأزمان والأمكنة، ولا يزال الارتباط بالكتاب أزلياً لا يشكل أي تضاد مع النهضة الإلكترونية، ورغم التطور ﺍﻟذﻱ أﺻﺎﺏ ﺟﻤﻴﻊ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻓإﻥ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻮﺭﻗﻲ ﻫﻮ ﺍﻷﺻﻞ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻴﻈﻞ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻻ ﻳﺘﻐﻴﺮ ﻭﻻ ﻳﺼيﺒﻪ ﺿﻌﻒ، وبالتأكيد أن ترقية وتطور ﺟﻤﻴﻊ ﺍلأﻣﻢ ﻭﺍﻟﺸﻌﻮﺏ تبدأ بالكتاب وبأن ﺗﻔﺨﺮ ﺑﻤﺆﻟﻔﻴﻬﺎ ﻭﻛﺘﺎﺑﻬﺎ ﻭﻛﻞ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺗﻌﺘﺰ ﺑﻤﻜﺘﺒﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻀﺨﻤﺔ ﻭﺗﺘﻨﺎﻓﺲ ﺑﻤﺎ ﺗﻤﻠﻜﻪ ﻣﻦ ﺫﺧﺎﺋﺮ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﻭﺍﻟﻤﺨﻄﻮﻃﺎﺕ ﻭﺗﺼﺮﻑ ﺍﻟﻤﻼﻳﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺤﻔﺎﻁ ﻋﻠى ﻛﺘﺒﻬﺎ ﻭاﻗﺘﻨﺎﺀ أﻋﻈﻢ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﻭأﻧﺪﺭﻫﺎ في ظل تطور ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ وحركة ﺍﻟﺮﻗﻤﻨة، ولكن لا يمكن ﺍلاﺳﺘﻐﻨﺎﺀ ﺃﻭإسقاط ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﻮﺭﻗﻲ ﻋﻦ ﻋﺮﺷﻪ ﺃﻣﺎﻡ ﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ (ﺍﻟﺮﻗﻤﻨﺔ)، وكما قيل قديما يتغير المرء بكتاب قرأه رغم سطوة الشاشات وجورها على العقول بتقديمها معلومات (تيك أوي) سريعة لا تشبع عقل متفتح يتلهف دوما للمزيد.
اليوم التالي