هل تجتاح رياح الربيع العربي السودان؟

جوزف ملكون
مشاكل السودان السياسية والإقتصادية لا تحصى وربما ازدادت في الآونة الأخيرة اثر التظاهرات الشعبية التي نجمت عن قرار الحكومة السودانية برفع الدعم عن المحروقات الذي تسبب في موجة غلاء عارمة.
البعض نسب التظاهرات الى رياح الربيع العربي التي وصلت إلى الخرطوم مطالبة بتنحي الرئيس عمر البشير عن الحكم الذي استمر 24 عاماً، الأطول بين قادة الدول العربية.
البشير لم يأتِ إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع حتى وان كانت مصطنعة مثلما فعل غيره وإنما جاء إلى الرئاسة في انقلاب عسكري عام 1989 أطاح فيه بحكم الرئيس صادق المهدي المنتخب ديمقراطياً، وهو منذ ذلك الحين يحكم البلاد بتأييد حزب المؤتمر الوطني وقد شهد خلالها حروباً عديدة، بعضها توقف حالياً لفترة، وانتهى الأكبر منها بانفصال جنوب السودان عام 2011 في استفتاء شعبي وإعلانه دولة مستقلة،
وقد يكون التقسيم عاملاً رئيسياً في تفاقم الحالة الإقتصادية في السودان، بعدما كانت الخرطوم تحصل على كل عائدات النفط المستخرج معظمه من الجنوب فتساهم في تخفيف العبء الإقتصادي وتحسين ظروف معيشة السودانيين وتنفيذ مشاريع تنمية تحوّلت العائدات إلى الجنوب وأصبحت الخرطوم تجمع رسوم تصدير النفط من «بورت سودان» فقط. وبموجب تسوية توسط في الاتحاد الافريقي أواخر العام الماضي اثر نزاع نشب بين الشمال والجنوب حول الرسوم تحصل الخرطوم على ملياري دولار سنوياً بغض النظر عن أسعار البترول علماً ان صادرات الجنوب تبلغ مائتي ألف برميل يومياً تتولاه الصين وشركات أجنبية ليس بينها أميركية.
أحد قادة التظاهرات الاحتجاجية الأخيرة التي تستمر منذ عشرة أيام حتى كتابة هذه السطور اتهم الحكم بأنه تسلم 70 مليار دولار في العقدين الماضيين ومع ذلك فان الأوضاع الاقتصادية تتفاقم فالبطالة بين الشباب مرتفعة وما زالت أعداد ضخمة تهاجر بحثاً عن عمل في أي مكان قريب بل وما زال الآلاف منهم مسجلين على قائمة الوكالة الدولية للاجئين ويخشون العودة لأن وطنهم لم يستقر بعد أو ان استقراره هش.
أما العامل الآخر في تردّي الأوضاع الإقتصادية فيعود إلى ادراج السودان في قائمة الدول التي تحتضن الارهاب وفرضت عقوبات اقتصادية عليه اشتدت في هجوم جوي اميركي على مصنع للأدوية في الخرطوم عام 1996 وتدميره بحجة أنه يصنع أسلحة جرثومية وكيميائية. وتبيّن لاحقاً كذب واشنطن اثر تحقيق دولي أوعزت به الأمم المتحدة، كما احتضن البشير أسامة بن لادن فترة طويلة قبل أن تزداد الضغوط عليه ويُسّر لابن لادن مغادرة الخرطوم إلى أفغانستان.
وفي 24 تشرين الأول 2012 شنت طائرات إسرائيلية هجوماً على «مجمع اليرموك للصناعات العسكرية» قرب الخرطوم بذريعة انه «يصنع أو يوضب أسلحة إيرانية» ترسل من طهران ووجهتها غزة إنما عبر السودان! وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت عام 2006 ان مصنع اليرموك يخضع للسيطرة الإيرانية مما جعله مشمولاً بالعقوبات الأميركية.
من مئة متظاهر قتلوا زعمت الحكومة ان مجهولين أطلقوا الرصاص على المتظاهرين وليس قوات الأمن.
وفي زمن الانترنت والتواصل الإجتماعي أخفقت الحكومة السودانية في منع تسرب أنباء التظاهرات الاحتجاجية إلى الخارج فأغلقت عدة صحف لأجل غير مسمى وأغلقت مكتبا تلفزيون «العربية» و«سكاي نيوز» العربية، وعلّقت الدراسة حتى 20 تشرين الأول المقبل.
البشير يصرّ على عدم تراجع الحكومة عن رفع الدعم ما زاد في حنق المتظاهرين واستغلت عناصر غوغائية الحالة لتهاجم محلات تجارية ومحطات بنزين وسيارات فتحرقها وتدمرها وتنهبها.
اللافت ان احتجاج الشارع الذي تزعمه الشباب والطلبة لم تشارك فيه أحزاب المعارضة، الأمة والمؤتمر الشعبي والشيوعي وغيرها إلا ان 31 مسؤولاً في الحزب الحاكم عارضوا استخدام العنف ضد المتظاهرين قائلين ان الحكومة كانت بعيدة عن التسامح وطالبوا بتراجع الدولة عن رفع أسعار المشتقات النفطية.
وحتى لا تبقى المعارضة الحزبية بعيدة عن الأحداث قررت تشكيل مع نقابيين وساسة «تنسيقية قوى التغيير» لا سيما بعدما أصبحت التظاهرات في يومها التاسع تطالب برحيل البشير.
وتزامنت هذه التطورات مع رفض السفارة الأميركية في الخرطوم منح تأشيرة دخول إلى البشير للولايات المتحدة لحضور اجتماعات الأمم المتحدة وإلقاء كلمة السودان. أما السبب فيعود إلى ان الرئيس السوداني مطلوب أمام محكمة الجنايات الدولية في «لاهاي» بتهمة ارتكاب «إبادة جماعية» خلال الحرب التي كانت دائرة مع «الجنوب» حيث قدّر عدد القتلى زهاء ثلاثمائة ألف واستمرت نحو عقدين.
الجدير بالذكر ان التظاهرات الأخيرة سبقها تظاهرات مماثلة تزعّمها طلبة جامعيون خرجوا من جامعة الخرطوم في صيف 2012 رفعوا خلالها شعار اسقاط النظام قمعت بالقوة لتنفجر مرة أخرى اليوم.
لعل من مصلحة البشير التفاهم مع القوى السياسة النافذة ومع الشارع والتخلي عن منصبه لأن التعنت في البقاء والاستمرار في استخدام العنف وخنق أصوات الحرية لن يؤدي إلى استقرار السودان إذا كان حريصاً عليه. التغيير لا بد منه وان طال الزمن.
اللواء
نحن ماعندناش ربيع ، إنما صيف حار وخريف وأمطار وسيول ولقد فلتوا من الصيف ووقعوا في الخريف وسوف تجرفهم السيول إلي مثواهم الذي يستحقونه .
نحن ماعندناش ربيع ، إنما صيف حار وخريف وأمطار وسيول ولقد فلتوا من الصيف ووقعوا في الخريف وسوف تجرفهم السيول إلي مثواهم الذي يستحقونه .