السودان.. الانقسام المرّ

48 ساعة فقط، هي آخر ما تبقى من السودان "الموحد" ليصبح التقسيم أمراً واقعاً ورسمياً بإعلان قيام دولة الجنوب ودخولها نادي الدول المستقلة.
عشية الانفصال، الذي أفقد ما كان يعرف بالسودان الموحد، فقد ذلك البلد العربي قرابة ثلث مساحته وأكثر من نصف موارده الطبيعية، لتبدو الخسارة أعمق، وأفدح، بما هو آتٍ وليس بما فات فقط.
صحيح، أن البكاء على اللبن المسكوب، لن يجدي نفعاً، ولكن درس السودان المرير والقاسي، يجب أن لا يمرّ مرور الكرام، أو يصبح مجرد فعل ماضٍ يدرّسه لنا التاريخ، يحتفي به من يحتفل، ويبكي عليه من يبكي، لكن ينبغي أن يكون درس السودان، وقبله درس فلسطين، والعراق، والصومال، حاضراً لأمة يبدو أنها ليست على استعدادٍ لأن تتعلم!
موشيه دايان، وزير العدوان الصهيوني، قالها قبل أكثر من نصف قرن، وصفنا كعرب، بأننا أمة لا تقرأ التاريخ، وبعد مرور كل هذه السنوات، يبدو أن ما قاله صحيح بدرجة مؤلمة، الوقائع على الأرض تؤكد أن العرب لم يستفيدوا من كارثة الأندلس، وسقوطها المذل، ولم يتعظوا مما طالهم طيلة قرون عديدة، وبالتالي فرّطوا فيما كسبت أيديهم، ليدفعوا بعدها لغيرهم فواتير هائلة وباهظة، لم يحققوا منها أي مكسب، بل توالت الخسائر والإهانات.
لا يستطيع عاقل، أن يخلي مسؤولية السودانيين أولاً، عمّا حدث، وإخفاقاتهم المتكررة في معالجة الأزمة داخل إطار الشعب الواحد على الأرض الواحدة، ليصبح بعدها التسليم بالأمر الواقع منفذاً لتبرير الكارثة، وصل إلى حد اعتبار الانفصال "خير للبلاد والعباد" بعدما فشلوا في استثمار فرصة السنوات الست الانتقالية في اتفاقية 2005 إطاراً جاذباً للتقريب بين وسائل الوحدة، لا لتقنين خيار الانفصال، ليكون التصويت الأخير القشة التي قصمت ظهر البعير السوداني.. وتنتهي معه وحدة أكبر بلد عربي وأفريقي من حيث المساحة.. وتتكرر خطيئة تقسيم بلد عربي تماما دون أن يعترف شخص واحد بشجاعة عن مسؤولية ما حدث!.
السودانيون للأسف الشديد، فشلوا في إدارة الانفصال، بعد أن فشلوا في إدارة الوحدة، وليكون القلق والتوتر هو السائد على المسرح بعد اكتشاف حجم الجريمة التي حدثت، سواء في المعالجة، أو في الوسائل أو حتى في العقلية التي تدير الأزمة.
رسمياً، وبعد ساعات، سيصبح السودان سودانين، وتبقى لعبة الثيران مستمرة في عالمنا العربي، دونما ألوانٍ هذه المرة.. لكن من يقرأ أو يتعلم أو حتى يتعظ؟.
البيان



