كرت الصعود و مهجية اللا مبالة

هذا كرت صعود لطائرة الخطوط السودانية، هو كرت الصعود الذي احتفظ به لأكثر من ١٥ عاما. عادتي داءما اتخلص من الكرت عقب نهاية الرحلة مباشرة، الا ان هذه البطاقة تعني لي الكثير و اشعر تجاهها بشعورين متناقضيين كحال التناقض في أشياء كثيرة في سوداننا الحبيب المتعب ، لذلك احتفظ بها حتي الان.

القصة كالآتي: في أكتوبر من عام ٢٠٠١ اي بعد اقل من شهرين من ضربة ابراج مركز التجارة العالمي في نيويورك بطاءرتين مدنيتين في ما عرف ب ٩/١١، كنت مسافرا من امريكا الى السودان. بعض الإخوة في مدينة شيكاغو الامريكية نصحوني بان اسافر الى لندن على متن الخطوط الامريكية (American Airlines) ومن لندن استقل الخطوط السودانية الى الخرطوم، و ذلك كان في اخر ايام العز ايام كان لنا خطوط توصل الى لندن و كان عندنا خط اسمو خط هيثرو قبل بيعه و لم يعرف باءعه حتي الان. اصدقاءي قالوا لي انه بإمكاني في لندن ان اشتري التزكره من الكاونتر مباشرة قبل صعود الطائرة لانه في أكتوبر في العادة تكون فاضيه اي بها كثير من المقاعد الشاغرة، و السعر بالتالي يكون هاديء.

توكلت و حجزت في الخطوط الامريكية و في مطار لندن و توجهت الى كاونتر الخطوط السودانية حيث وجدت عليه بنت انجليزية في غاية الجمال تتحدث اللكنة الانجليزية و هي تختلف كثيرا عن نظيرتها الامريكية، فقلت الى نفسي اننا نحن السودانيين أصبحنا نشغل الإنجليز عندنا و مش اي انجليز كمان، و ذلك حسب العقلية و التفكير السوداني السازج الذي نشأنا به. تحدثت للفتاة أني اريد تزكرة الى الخرطوم في هذه الرحلة، قالت انها ليس بمقدورها إصدار تزكرة و نصحتني بان انتظر قليلا فأحد المدراء في الخطوط السودانية سوف يحضر بعد قليل و هو يمكنه إصدار تزكرة لي، حقيقة لم اساءلها اي المدراء، أهو مدير الخطوط السودانية بلندن ام هو مديرها المالي او الاداري ام مدير المبيعات لا اعلم.

انتظرت بعض الوقت حتي كدت ان افقد الأمل في قدومه لان موعد قيام الطائرة قد اقترب. فإذا بموظفة الكاونتر تشير الي ناحية رجل سوداني فوق الخمسين، يرتدي بدله كامله و في منتهى الاناقة، توجهت اليه و أخبرته بطلبي و من غير ان يسألني عن اسمي استخرج جواله من جيبه و اتصل بشخص و أمره ان يستخرج تزكره للخرطوم و يحضرها للكاونتر الان، و بينما التلفون في أذنه سألني عن اسمي فقلت له اسمي كاملا (كمال المحبوب) و لكنه نطق باسمي الاول فقط (كمال) و أنهى المكالمة. استغربت لهذا ببهيمية و لكن قلت لنفسي هم يعرفون شغلهم، و انصرف من امامي السيد المدير مسرعا الى حيث لا اعلم. انتظرت قليلا فبشاب سوداني ايضا انيق المظهر، يرتدي بزة كاملة يأتي بخطوات سريعة و يحمل في يده تزكرة يسلمها للبنت في الكاونتر و يذهب راجعا بسرعة و لم يعبرني حتي بنظرة. نادت علي البنت الانجليزية باسمي الاول (كمال) فأجبتها و ذهبت اليها فبدأت في عمل إجراءات صعود الطائرة لي، فسألتها عن سعر التذكرة لكي ادفع لها، فاجأتني بقولها انها ليس من واجبها ان تاخذ مني سعر التذكرة و قالت لي انها سوف تستخرج لي بطاقة الصعود لان مواعيد الطائرة اقتربت و ان الكاونتر سوف يغلق بعدي مباشرة لان هنالك خطوط اخرى سوف تستعمله، فساءلتها كيف سادفع سعر التذكرة، قالت لي لا اعلم انا علي فقط استخراج بطاقة الصعود، و بالفعل استخرجت بطاقة الصعود و انا انظر اليها بتبهم، فقالت لي سوف تجد المدير في بوابة صعود الطائرة و انه يمكنني ان ادفع له هناك، و نصحتني بان استعجل لكي الحق بالطائرة، فركضت بسرعة نحو البوابة التي كانت بعيدة جدا و في اخر المطار، وصلت البوابة وجدت فيها رجلين انجليزيين أخذ احدهم الجزء الذي يليهم من كرت الصعود من غير ان ينظر الى الاسم، يبدو انهم متعودين أمن الشكل السوداني ام من المدير لا اعلم!!، سألتهم عن المدير قالوا لي انه داخل الطائرة، و ركبت الطائرة و الي تلك اللحظة لم ادفع فلس واحد.

على باب الطائرة سالت احدى المضيفات السودانيات عن الرجل فقالت لي هو مع الكابتن في قمرة القيادة، قلت لها انا عايزو ضروري، قالت لي عايزو لي شنو، قلت لها اريد ان ادفع له ثمن التذكرة، لم تفهم شيء فطلبت مني ان اجلس علي الكرسي المخصص لي و عند ما يخرج الرجل من قمرة القيادة سوف تخبرة بذلك و سوف يحضر لي في كرسيي، و جلست في المقعد المخصص لي و كان في اعماق الطائرة، و بعد وقت قليل خرج السيد المدير من غرفة القيادة مسرعا الى خارج الطائرة و كان في انتظاره قرب الباب احد المضيفين يريد قفل باب الطائرة بينما كانت المضيفة الأولي مشغولة بشغلها و نسيت امري تماما، فركضت مسرعا خلف الرجل و في الباب ندهت عليه في اثناء محاولت المضيف منعي، فسمعني و الحمدلله و رجع و سألني باستغراب عن لماذا انادي عليه، فقلت له اريد ان ادفع لك ثمن التذكرة، فقال لي قد نسيتك تماما، و دخل الطائرة من جديد و استخرج قلم من جيبه و أخذ مني بطاقة الصعود و هو واقف قرب الباب بداء في حساب سعر التذكرة (كما هو ظاهر في الصورة الثانية 👇 ، و هذا خطه) في ظهر بطاقة صعودي بالإسترليني و تحويل المبلغ حسابيا الى دولار لاني كنت احمل دولارات فقط، و كان المبلغ ٤٢٤ دولار فأعطيته ٥٠٠ دولار لكي يرجع لي ٧٦ دولار، و لكن لم يكن معه نقود لا دولار و لا غيره، فارجع لي ١٠٠ دولار فقلت له ان يأخذ ال ٥٠٠ دولار و لكنه رفض و هو على عجالة وضع ال ١٠٠ دولار فوق منضدة في الطائرة و خرج مسرعا و هو خاج قال لي (ياخي ما كان تقعد في كرسيك و تسافر و انت ساكت ما كان في زول ح يسألك من قروش و لا يحزنون) و زهب مسرعا خارج الطائرة و انا مندهش لما يقول، مرة اخري، ببهيمية، هذا غير بهيميات الطائرة، و لو قدم اليي برسيما في الطائرة لكنت أكلته من كثرة البهيميات.

الإحساس الاول: ان السودانيين يثقون في بعضهم بشدة، حتى لو كانوا لا يعرفون بعض، و هذا شيء جميل و يجب ان نستثمر فيه و ننميه، و يجب ان لا تكون الثقة عمياء، كما هو واضح في كرت الصعود ان التزكرة صدرت باسمي الاول فقط. ايضا ان الرجل اصدر التزكرة من غير ان يطالبني بثمنها و لا حتي أعطاني توجيهات كيف ادفع قيمة التزكرة تاركا الامر برمته علي.، ربما يكون واثقا تماما اني سوف ادفع القيمة قبل ان اسافر، و ربما يكون ضمن الإحساس الثاني.

الإحساس الثاني: كل ذلك يوحي الي بالامبالاة التي نحن فيها و توارثناها، خصوصا في دواوين الدولة. الدليل الاول هو ان التزكرة صدرت بالاسم الاول فقط. تصور لو حدث حادث للطائرة، كيف كان سوف أعد من ضمن الركاب، و هذا لامبالاة منهم و تفريط مني انا ايضا، لاني ضيعت حقوق أهلي من بعدي، او دعنا نقول صعبتها عليهم و الحمدلله انه لم يحدث شيء.

فيا صحابي كما تعلمون ان كل الشعوب المتقدمة شديدة الحرص و كثيرة التدقيق، هذا برقم الثقة المتبادلة بينهم، فهل لنا ان نستثمر في ثقتنا في بعض بان نكون اكثر دقة، خصوصا في المال العام لانه لاطفال و مغلوبين على امرهم قبل ان يكون للأقوياء، عله قطارنا يفارق المحطة الاولى، طبعا انا اتحدث عن الثقة باعتبار ما كان، الله يرحمها.

كمال المحبوب
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. قصة شيقة وفيها الكثير المثير من العبر ومن بلاهة وعشوائية السودانيين وحبهم للكلفتة….لكن المقال يا كمال به أخطاء املائية بالهبل يجب تصحيحها لعدم تكرارها.

  2. قصة شيقة وفيها الكثير المثير من العبر ومن بلاهة وعشوائية السودانيين وحبهم للكلفتة….لكن المقال يا كمال به أخطاء املائية بالهبل يجب تصحيحها لعدم تكرارها.

  3. استاذ كمال موضوعك فيه غرابة شديدة و الأغرب كتابة الزاي بدل الذال في كلمة تذكرة حتى خليتني أشك في نفسي

  4. استاذ كمال موضوعك فيه غرابة شديدة و الأغرب كتابة الزاي بدل الذال في كلمة تذكرة حتى خليتني أشك في نفسي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..