الخبّاز..!!

ظلت الإنقاذ طوال نسخ حكمها المختلفة تراهن على (وفرة) السلع، وأنها عندما جاءت إلى الحكم كانت الأوضاع قاتمة لندرة السلع الضرورية التي يحتاجها المواطن نتيجة انعدام الرقابة وسيطرة المافيا على السوق.

وحينها أذكر أن الصحف الموالية للنظام الديمقراطي كانت تهاجم الجبهة الإسلامية القومية وتتهمها بأنها تقف وراء الأزمات الخانقة وهدفها إسقاط الحكومة وتجريدها من شرعيتها التي نالتها عبر الصناديق، وفي ذلك الوقت برز مصطلح تجار الدين ودروهم في الغلاء وتجفيف الأسواق من السلع الضرورية بقصد الربح المالي والسياسي.

عندما سيطرت الإنقاذ على الحكم حاولت عن طريق سياسة التمكين السيطرة على كل منافذ توزيع السلع الضرورية علها لا تؤتى من هذه الثغرة، ووصل الأمر في مهدها الأول إلى تكليف كوادر العمل الخاص بمسؤولية محطات الوقود والمخابز، حتى أن البعض كان يطلق عليهم لغموضهم وعدم معرفتهم وضخامة مسؤولياتهم مع صغر سنهم (بضباط أمن الثورة).

بعد التمكين اتجهت الإنقاذ للسيطرة على المخابز عن طريق الاتحاد وضمنت بذلك أن كل الأمور الخاصة بهذه السلعة التي تحولت من ضرورية إلى ضرورية جداً في يدها، ولكن هاهي الأيام تمضي وبعد 30 عاماً تنقلب الأوضاع رأساً عن عقب وكأن تجار الجبهة انقلبوا عليها. كيف لا والقضية وصلت لتفقد رئيس مجلس الوزراء معتز موسى الى المخابر للوقوف بنفسه على حجم المشكلة وبث تطمينات بأن الأزمة عابرة وتم تجاوزها، وكذلك يسجل زيارة لميناء بورتسودان للوقوف على حقيقة أزمة الجازولين.

والغريب أن الأزمة تهدأ مؤقتاً لتراوح مكانها من جديد وصناعها لا يأبهون بتحذيرات رئيس مجلس الوزراء، ليتدخل جهاز الأمن والمخابرات ويطلق التحذيرات لأصحاب المخابز الذين يتلاعبون بالحصص ليجد الدقيق طريقه إلى السوق الأسود.

هذا إن دل إنما يدل على أن الذين ينقضون غزل الإنقاذ هم أبناؤها الذين مكنتهم على حساب الآخرين، وهذا يؤكد فيما لا يدع مجالاً للشك أن هناك أزمة ضمير وأخلاق لمن كلفوا بسد هذه الثغرة، وأن القناعات اهتزت نتيجة الواقع الاقتصادي الحالي وأصبحت المصلحة الضيقة هي الأساس والفساد هو الضامن لها.

تدخل قوش في المعادلة يعني تحسس جهاز الأمن للخطر الداهم والمهدد الرئيس الذي يحاصر الحكومة، فانعدام الخبز والدواء مع استمرار شح السيولة يعني أن السخط سيتنامى وسيبلغ مداه وستسود الفوضى، ولكن تظل التدخلات الأمنية بالرغم من إيجابيتها لن تحل الأزمة والسؤال: كيف كانت تسير الأمور بسلاسة وما السبب الذي جعل حالة النقص في السلع تتزايد يوماً بعد يوم؟

في السابق كانت هذه الممارسات موجودة، ولكن اليوم باتت في الضوء لأن الحصص تكاد تغطي الحاجة ولم تعد هناك وفرة كما كان من قبل.

تظل الحلول الكلية هي الأهم، أما الحلول المؤقتة فقد لا تصمد طويلاً، فالإنقاذ يصعب عليها إنتاج دبابين من جديد لمحاربة أصحاب المخابز الفاسدين والحل في الوفرة وهذا يحتاج إلى توفير السيولة فمن اقترح سياسة التحجيم هو الذي أدخلنا في هذه الورطة وهو من خبز سلعة الندرة.

الجريدة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..