مني أركو مناوي واتفاق أبوجا

رأي
مني أركو مناوي واتفاق أبوجا
محمد عيسي عليو
لعل معظم السودانيين، وحتى أهل دارفور لم يسمعوا باسم مني اركو مناوي الا بعد ضربة مطار الفاشر في عام 2003م حين أعلن بيان حركة تحرير السودان وتحملها الاعتداء على الفاشر، منذ ذلك التاريخ واسم مني اركو ظلت تلوكه الألسن سلبا وايجاباً حتى وقع اتفاق ابوجا مع الحكومة السودانية عام 2005م وازداد الاعلام تشبثاً بالاسم مستفسرا عن سير اتفاق ابوجا والتعريض احيانا بسيرة موقع الاتفاق مع الحكومة السيد مني اركو مناوي وازداد الاهتمام بمني لسببين الاول غياب زميله الموقع الآخر باسم الحكومة د.مجذوب الخليفة، والثاني متابعة سير الاتفاق من خلال تنفيذ البنود المتعلقة به.
لقد وصل السيد مني أركو الخرطوم وبعدها طار الى الولايات المتحدة الامريكية، والتي تعتبر راعية الاتفاقات من خلال وجود مندوبها روبرت زوليك الذي كان يمثل نائب وزير الخارجية الامريكية، وقد كان مصراً على توقيع مني على الاتفاق، وكان له ما أراد. ثم عرج مني الى هولندا حيث لاهاي والتي هي دار محاكمة الجنايات الدولية، فهناك حديث كثير كان يدور حول ارتكاب مني لبعض الجنايات في دارفور، فاذا كانت المغسلة هي امريكا فان لاهاي هي المكوة حتى يخرج الجلباب وكأنه نظيف، سبق مني شخصية سودانية تلعب الان دورا دبلوماسيا في ورود حوض امريكا ظل يشرب منه لمدة شهرين متتابعين ثم عرج الى لاهاي ومنذ ذلك التاريخ هدأت عواصف لاهاي، فمني اركو ليس بعيداً من ذلك المنوال.
استقر بمني المقام في الخرطوم ليباشر عمله ككبير مساعدي رئيس الجمهورية ورئيسا لسلطة دارفور الانتقالية، ومن هنا تبدأ شذراتنا عن مني الشخصية الغائبة عن الساحة الآن، ولذلك لن يكون موضوعنا اليوم سرداً تاريخياً ونقدا تحليلياً، فالسرد التاريخي له أسسه التي لا تتوفر في حالة مني اركو مناوي، ولكن لا بأس ان يكون موضوعنا عبارة عن خواطر وذكريات لازالت تتراكم في ذاكرتي، وفي الختام ندلف الى ظرف مني اركو مناوي الحاضر وها هو رأينا حوله.
بالنسبة لي كنت متعطشا لرؤية السيد اركو مناوي خاصة بعد وصولنا أبوجا قادمين من ليبيا في شكل مجموعة كبيرة من الدارفوريين طلبت من القيادة الليبية تمكينها من مقابلة أبنائها المفاوضين للحكومة في ابوجا في اواسط 2004م، وكانت ابوجا تخطو خطواتها الاولى كمركز التفاوض بين الحركات المسلحة والحكومة السودانية. منذ وصولنا الفندق استقبلنا ابناؤنا واخواننا في الحركات، واول من استقبلنا شاب اسمر اللون طويل القامة يحمل كاميرا تصوير، فما ان صورنا حتى اختفى تماما، وظلت عيوننا تترقب حضور السيد مني للسلام علينا واذا بنا نتفاجأ ان الذي صورنا ثم اختفى هو مني اركو مناوي. هذه هي البداية مع مناوي، ولكن مع طول مدة التفاوض حتى اقتربنا من بعض وتبادلنا الافكار والهموم، ولكن بعد وصوله الخرطوم وللمشغوليات الكثيرة لم نلتق الا لماماً فحصل ان زرته في منزله للتفاكر حول موضوع هو متهم فيه بصفته رئيس حركة تحرير السودان حيث اعتدى جيشه على قافلة إبل تجارية في طريقها الى ليبيا وهي تتبع الى أفراد من قبيلتنا، ومات في هذه المعركة عدد كبير من افراد القبيلة، فرد الاخ مني بزيارة الى منزلي ومعه عدد من مساعديه وكان في منزلي عدد من الاخوة الذين يهمهم هذا الامر، وكان الاجتماع ناجحاً أبدى فيه مني مرونة كبيرة في معالجة الموضوع، بعد ذلك لم نلتق ابداً الا قبل اربعة شهور تقريباً بعد خروجه من الخرطوم، وكان اللقاء هاتفيا سنعرض له في خاتمة المقال. ما يهم في هذا المقال هو ضرورة الحديث عن اتفاق ابوجا والفشل الذي أدى بمني للخروج من القصر الجمهوري، ونستطيع ان نقول الآن ان اتفاق ابوجا تعثر كثيراً منذ 2005م وحتى الآن، والأسباب في تقديري تعود الى الآتي: 1- غياب المهندس الحقيقي للاتفاق بوفاة د.مجذوب الخليفة، وبهذه المناسبة قلت سابقا واكرر الآن ان السودان يزحف الى قدره الرباني بخطى محسوسة بالنسبة لي تماما ، معظم الاتفاقات السابقة تعرضت لهزات كبيرة بموت اصحاب الفكرة ، يموت الزبير ويترك قرينه رياك مشار في القصر وحده ولم يجد فكاكاً من الهرب، يموت جون قرنق ويترك علي عثمان وحده، منكفئا ساكتا لا يلوى على شيء، وقبل ذلك مات الفريق فتحي أحمد علي رئيس التجمع ولو بقي حياً لما اصبح التجمع ورقة خفيفة تتقاذفها الرياح.
وأخيراً يموت مجذوب الخليفة ليترك مني وحيدا ايضا في القصر ولم يجد الا الثقب الذي خرج به رياك مشار فخرج.
2 – جاءت الحكومة بحركات لم تكن لها علاقة بمني اركو ولا حتى في اطار التنسيقات التي كانت في ابوجا وسلمتها مهاما كبيرة في اطار السلطة الانتقالية التي يرأسها مني، ولم يستطع مني اجادة التعامل مع هؤلاء ولم يستطيعوا هم اجادة التعامل معه، فانطبق عليهم القول فرقاء متشاكسون، فاقعدوا تنفيذ الاتفاق واقعدوا السلطة الانتقالية مما اضطره الامر ليتركها لهم مني وينجو بجلده.
3 – الشاب مني قيل انه لم يدخل الخرطوم الا وهو كبير مساعدي الرئيس فوجد المدينة غير المدينة والناس غير الناس، والجيش غير الجيش، وعندما نتحدث عن ارباب المؤتمر الوطني الذين كانوا له بالمرصاد فجاءهم مني يجر رجليه اليهم فهنا القلم يسكت!!. اضف الى ذلك غياب صديقه مجذوب الخليفة، ماذا تظنون انهم فاعلون به.. أيقولون له اخ كريم وابن اخ كريم!!؟
4 – العصبية التي لفت عنقها حول الشاب مني وهو لن يستطيع فكاكاً لأنها هي التي حملته الى ذلك الكرسي، وكيف يتركونه يفلت من ايديهم.. ظلوا يكررون المثل لبنت ما نديها للطير..
5 – ضغط جيشه عليه مرارا مطالبين بالتشوين واسعاف الجرحى ولقد رأيت بأم عيني الجرحى في منزله بالعشرات عند زيارتي له اليتيمة، بل قال لي والله يا عليو البعض منهم يشتمني بالتلفون في أمي وأبي..
6 – سلبية مجتمع دارفور تجاه الاتفاق لأن اهل دارفور كانوا يتوقعون اتفاقا جماعياً لذلك لم يعبأوا باتفاق مني، فلو وجد مني دعم اهل دارفور لكانت حاله غير الحال.
7 – الدور السلبي للحركة الشعبية في دعم الاتفاق بدليل الفريق سلفاكير لم يزر دارفور حتى تاريخه، ومن عجب ان يذهب اليهم مني في عقر دارهم! هل من قلة حيلة؟ ام هو اصلا متفق معهم في عدم دعم الاتفاق.
8 – واخيرا الاعلام الذي قدم القضية بطريقة معكوسة وكأنه يرتب لاخراج مني الى الغابة مرة ثانية.. وها هو مني قد خرج فليهنأوا.
وأخيراً أقول إني قابلت قبل اربعة شهور بعد قدومي من الدوحة أحد عناصر مني بالمصادفة في احد البنوك وسألته عن مني فقال لي هو بجوبا، فقلت هو مستعد يقابلني بالتلفون، قال أعطني فرصة اسأله، وفي اليوم التالي تحدث معي مني بنفسه، قلت له مالك تترك البلد ،فقال لي انا مظلوم، واستطرد قائلا كملت كل التفاوض مع الاخوان بدءا بعلي عثمان ولجنة غندور، وكمال عبيد، ولم يبق لي الا ان يستلم ملفي الرئيس بنفسه، قلت له طيب أصبر شوية لا استطيع ان اقول لك اني سأقابل الرئيس ولكني بالطبع سأجمعك بشخص ربما يجمعك بالرئيس والشخص ليس بعيدا عن ملف دارفور، فشكرني على ذلك وانهينا المكالمة وفي اليوم التالي جمعته بالشخصية هاتفياً والى هنا انتهت مهمتي. ولكن قبل ان أنهي المكالمة ناشدته مناشدة شديدة الا يعود للحرب ثانية وقلت تعال الخرطوم واعتصم في ميدان أبو جنزير ستنجح في قضية دارفور أكثر من الخارج، وقلت له ان هذه الحكومة أكبر خدمة يقدمها لها المعارض ان يخرج من السودان، وقولي صحيح، ان التوانسة والمصريين الذين قلبوا الطاولة لم يقلبوها من الخارج، ثم ان أي عمل خارجي لابد له من ثمن يدفع للذين يمولون الحملات العسكرية، والآن سمعت ان مني ربما يحشد قواته من الجنوب تجاه جنوب دارفور وأحذره من هذا، فعواقبه وخيمة، وفي تقديري حتى الآن الفرصة مواتية إذا استلم الرئيس عمر البشير ملف مني بنفسه، متأكد جداً سيصلان الى نتيجة ان شاء الله وأي نتائج يتوصلان اليها أفضل ألف مرة من سفك دماء طفلة.
الصحافة