للشعب السوداني الصامد، أقول

د. معتصم بخاري
لكل شعب و ملة قدر و مصير لا تحيد عنه قيد أنملة، و لا فكاك منه.. و قدر الأمة السودانية أن تنازل الطغاة و تتحمل أذاهم و جورهم و فجورهم و بطشهم، و لكنها في نهاية الأمر تجهض أحلامهم و تهدم بناء شرهم و فسادهم الذي يشيدون طال الزمن أو قصر.
تاريخ السودان ملئ بقصص النضال و العز و الفخار.. و يحدث عن خبرة تراكمية في التعامل مع الدكتاتوريات العسكرية و المدنية و هزيمتها بالعمل الجماهيري السلمي الذي خلب لب الشعوب حول العالم، و جلب لنا الإحترام و الإعجاب و التقدير.
و كان آخر إنجازات هذا الشعب الكريم، ثورة ديسمبر الباذخة الفريدة، التي تغني العالم بألقها و سلميتها و نجاحها في هزيمة سلطة المتأسلمين الباطشة، و لم يبخل الشعب في سبيل بلوغ ذلك الهدف، بالمهج و الأرواح بذلها رخيصة في سبيل الظفر بالحرية و العدالة، متطلعآ نحو بناء وطن حر أبي، تسود فيه قيم العدل و المساواة، و يعيش الناس فيه عيش يليق بالكرامة الإنسانية..
و بعد عامين من إلتقاط الأنفاس، إذ بقوي الشر، من المتآمرين العملاء، كارهي وطنهم، الخفافيش التي لا تعيش إلا في الظلام و معهم كل معطوب فكر، خاوي الوفاض، عديم الفائدة، عقيم الخيال.. إذا بهم يحاولون قتل الحلم، و ينقلبون بخسة و جبن و غدر علي ثورة الشعب و أمله بدعاوي خائبة مهزومة، و بمغالطات و أكاذيب لا تقف علي أرض و لا تستند علي منطق.
الحقيقة التي أصبحت أوضح من أن تغطيها أكاذيبهم و فطير دعاويهم، أن العسكر لم ينحازوا أبدآ لخيار الشعب و لم يؤمنوا بثورته و لم تحركهم تضحيات الشباب و إصرارهم علي الظفر بوطن كريم.. بل كان إتفاقهم و توقيعهم علي الوثيقة الدستورية مع القوي المدنية، مجرد تكتيك لإمتصاص الثورة ثم الغدر بها عندما تحين الفرصة، و أن كل ذلك تم بتدبير و تخطيط من قوي الشر و الفساد من نظام الإنقاذ المهزوم..
اليوم يقف الشعب موحدآ في رفضه للإنقلاب العسكري دون مواربة او تردد.. و لا يقف مع الإنقلاب إلا بعض التافهين المهزومين نفسيا، و الذين لا يشرف الشعب أو الوطن أن يكونوا معه في خط المواجهة..و حسنآ إنهم إنحازوا الي الباطل، فذلك موقعهم و مستقرهم.. و عندما ينجح الشعب في كنس هذا الغثاء ستكون أرض السودان أطهر بدونهم.
فليعين الإنقلابي الممقوت المكروه مجلسه و ليسمه ما يشاء، و ليعين مجلس وزراء ممن يرتضي بالهوان و الذل و بغض و رفض الشعب، و ليأتي بكل تافه خوان.. و ليحشد خلفه الهتيفة من كل نوع.. فكل ذلك لن يعطيه شرعية و سيظل يلهث خلفها و لن يدركها حتي يقتلعه الشعب بإصراره و تضحياته، و يلقيه الي حيث يجلس سيده الآن.
أقول
إن الحرب ضد الباطل طويلة و مرهقة و باهظة التكلفة، و لكنه قدر الأمة. و قد شمر الشعب السواعد و رص الصفوف و لبس الأكفان و حفر القبور و تخطي حاجز الخوف و التردد.. و إلتمعت في أعينهم نظرات الصمود و التحدي، و يدفعهم إيمانهم بوطنهم للموت في سبيله بتصميم و إرادة لا تعرف التراجع أو التراخي. فليحشد البرهان سلاحه و دانات مدافعه، فهو لا يملك غيرها و ليخبرنا عما هو فاعل بها، فقد فتح الثوار صدورهم عارية يرحبون بالموت في سبيل حريتهم و ديمقراطيتهم و مدنية دولتهم، و معهم كل العالم الحر يشد من أزرهم.
إذا الشعب يومآ أراد الحياة. فلا بد أن يستجيب القدر.