إستراتيجية المؤتمر الوطني من حرب أبيي

إستراتيجية المؤتمر الوطني من حرب أبيي

كمال سيف
[email protected]

في المقال السابق ” أسرار زيارة عبد الرحيم محمد حسين لتركيا” أكدت أن الحرب تمثل مخرجا للمؤتمر الوطني للمشاكل التي يوجهها و لكن في هذا المقال أتناول قضية مهمة جدا هي البعد الإستراتيجي في دخول القوات المسلحة لمنطقة أبيي و الهدف من اختيار الكمين الذي نصبته الحركة الشعبية للقوات المسلحة و هاجمت فيه القوات المشتركة ” القوات المسلحة و قوات الأمم المتحدة” رغم أن هذا ليس أول تعدي تمارس الحركة الشعبية و استهدفت فيه القوات المسلحة أنما هناك عدة خروقات قد حدثت بين الجانبين و لكن لماذا اعتبرت القوات المسلحة في هذا الهجوم الرد واجب علي الحركة ثم تذهب مباشرة لاحتلال أبيي و يصدر الرئيس البشير قرارات جمهورية مستعجلة يقيل فيه إدارة أبيي لكي تكون كل السلطات في يد القوات المسلحة باعتبار أن المنطقة كما قال اللواء صديق عامر في مؤتمره الصحفي الذي عقد مؤخرا أن منطقة أبيي أصبحت منطقة حرب فكان لابد أن يصدر الرئيس البشير هذه القرارات الجمهورية لكي يؤكد أن منطقة أبيي منطقة حرب و تخضع لقوانين الحرب.

إذن ما هي الإستراتيجية التي يريد أن يحققها المؤتمر الوطني و ما هو الهدف منها؟

بعد الانتخابات التي جرت مؤخرا في جنوب كردفان و التي فاز فيها المؤتمر الوطني بفارق ضئيل عن مرشح الحركة الشعبية أثبتت للمهتمين بالقضايا الإستراتيجية في القوات المسلحة و جهاز الأمن و المخابرات و القيادات السياسية في المؤتمر الوطني التي تهتم بالقضايا الإستراتيجية و مركز البحوث و الدراسات التي تقع تحت سلطة المؤتمر الوطني و اخص بالذكر منهم ” سيد الخطيب و و اللواء عثمان السيد و الفريق محمد عطا” أن التنافس القوي بين الحركة الشعبية و المؤتمر الوطني في المنطقة يمنع في المستقبل أن تكون للمؤتمر الوطني اليد العليا في المنطقة و أية احتكاك مع الحركة الشعبية لن يكون في صالح الحكومة السودانية باعتبار أن المنطقة غير مؤمنة و في ذات الوقت أن الحركة الشعبية تستطيع أن تضم منطقة أبيي بسهولة جدا و هي أداة الضغط الوحيدة التي يمتلكها المؤتمر الوطني إن كان في حواره مع الحركة الشعبية أو مع الولايات المتحدة الأمريكية فإذا خسرها فسوف يكون خاضعا لشروط الحركة و الولايات المتحدة.

طوال الصراع بين الشريكين بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل و موت زعيم الحركة الشعبية الدكتور جون قرنق و بدأ التيار الانفصالي في الحركة الشعبية يسيطر علي مفاصلها و يطرح شعارات الانفصال هذا التيار لم يتردد في طرح أهدافه بشكل مباشر و أتخذ الولايات المتحدة حليفا له و الداعم لمطالبه ثم بدأ التيار من خلال مكتب الحركة الشعبية في واشنطن أن ينسق له لقاءات مع عدد من الشخصيات الأمريكية السياسية أولا مع الأفارقة الأمريكيين ثم عدد من المنظمات الأمريكية و خاصة اليهودية و شخصيات في وزارة الخارجية الأمريكية هذه اللقاءات شكلت رأي عام مساند للحركة الشعبية و داعم لها لانفصال الجنوب و حاولت الإدارة الأمريكية أن تستخدم العديد من سياسات الضغط علي حكومة الإنقاذ خاصة من مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة الدكتورة سوزان رايس و عندما لم تنجح عمليات الضغط فضلت تغيير هذه السياسة أن تستخدم فيها سياسة الجزرة و العصي و كان المبعوث الأمريكي سكوت غرايشن من دعاة هذه السياسة يسانده فيها السناتور جون كيري رئيس الجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس و الذي حضر إلي الخرطوم مرتين لمقابلة القيادات في الحكومة و المؤتمر الوطني و أكد أن الولايات المتحدة سوف تفي بالتزاماتها إذا أوفت الحكومة السودانية التعهدات التي قطعتها بقيام الاستفتاء ثم الاعتراف بنتيجة الاستفتاء و قد قام الاستفتاء و اعترف من قبل السيد رئيس الجمهورية بنتيجته و لم تبق سوي قضية تخطيط الحدود و الديون الخارجية و التزمت الخرطوم بسدادها ثم قضية المشورة الشعبية في كل من النيل الأزرق و جنوب كردفان و أخيرا منطقة أبيي.

الحكومة تعتقد ليس لديها مشكلة في قضية المشورة لأنها تملك الأغلبية في البرلمانين في كل من النيل الأزرق و جنوب كردفان و لكنها جميعا لا تمثل أداة ضغط علي الحركة الشعبية و الولايات المتحدة حيث أن الحكومة كانت قد فرطت في أدواتها بسبب تصديقها لمبعوثي الولايات المتحدة الأمريكية و لم تبق سوي منطقة أبيي و هي تمثل شريان الحياة بالنسبة للدولة الجديدة و دونه لا تستطيع العيش و كذلك بالنسبة للولايات المتحدة التي تريد أن تكون البديل أو الشريك المزاحم للشركات الصينية التي تستثمر في حقول النفط في أبيي و كل المجهودات التي قامت بها الولايات المتحدة بهدف الوصول للنفط من هنا كان التركيز علي منطقة أبيي كمنطقة صراع و اختلاف تخضع لحوار طويل.
دخول القوات المسلحة لمنطقة أبيي هي تغيير في المعادلة السياسية و تصبح أداة الضغط في يد المؤتمر الوطني بعد ما كانت في يد الحركة الشعبية المدعومة من قبل الولايات المتحدة و الدول الغربية و تستطيع الحكومة أن تتكتك في كسب وقت و أيضا الضغط من أجل أن تقدم الحركة تنازلات و أن تسرع الإدارة الأمريكية في عملية رفع العقوبات عن السودان أو ترجع الحرب مرة ثانية و لن تخسر الحكومة السودانية بل تكون خرجت من تحديات كثيرة فرضت عليها و في ظل التغييرات التي حدثت في منطقة الوطن العربي سوف تكسب أرضيات جماهيرية كانت قد فاقدتها في الماضي هذه الإستراتيجية الجديدة التي أقدم عليها المؤتمر الوطني.
قالت الولايات المتحدة في أول رد لها لدخول القوات المسلحة منطقة أبيي ” أن رد الحكومة كان أكبر من الحدث و يجب علي القوات المسلحة الانسحاب من منطقة أبيي و إرجاع الأمر كما كان عليه و أن أقدام القوات المسلحة لدخول أبيي قد أوقف عملية التطبيع بين الحكومة السودانية و الولايات المتحدة ” حقيقة لم يحدث شيء في الأرض في عملية التطبيع حتى رفع العقوبات عن بنك الخرطوم كان بسبب أنه لم يصبح بنكا حكوميا أما عن التطبيع فأنه لم يري النور و أن الحكومة السودانية لن تخسر شيء بل هي في الوضع الذي يقدم شروطا من أجل عملية التسوية السياسية و أصبحت الحركة الشعبية هي في الموقف الضعيف كما أن اندلاع حرب و أية تدخل خارجي لن يكون في مصلحة التسوية السياسية خاصة إن المنطقة ترج بالشعور الثوري و هو ليس في مصلحة الضغط الأمريكي علي جانب واحد في الصراع هي إستراتيجية استطاعت الإنقاذ أن تنفذها بأفق كبير و لكن كيف تستطيع إدارة الأزمة للنهاية لكي تكسب خطوتين إلي أعلي و لكن الأمر يعتمد علي دور الدبلوماسية و ماكوكية حركتها ليس علي العواصم الغربية أو الحج إلي واشنطن أنما هي تحتاج إلي دبلوماسية شعبية في العواصم العربية تستنفر فيها طاقات التأييد حتى لا تنحاز الولايات المتحدة إلي جانب واحد في الصراع بل تأخذ دور الوسيط المحايد و هو ما تبحث عنه الإنقاذ أن تكسب في التسوية مع الحركة الشعبية و حل لأبناء المسيرية الذين يريدون أن يفقدوا أماكن رعيهم التقليدية و في ذات الوقت أن لا تمارس الحركة الشعبية أية ضغوطات في عملية التسوية حول نقل النفط عبر بورتسودان حتى لا تخسر الإنقاذ كل إيراداتها ثم التعجيل من قبل الولايات المتحدة برفع العقوبات عن السودان و تسوية الديون و هذه تساعد علي تدفق رأس المال الأجنبي من أجل الاستثمار و فتح العديد من فرص العمل و تكون الإنقاذ قد أعادت أنتاج نفسها من جديد.

هذه هي الإستراتيجية التي بنت عليها الإنقاذ مغامرتها في دخول أبيي و هي لا تستطيع الخروج إلا في ظل تسوية لكل الإشكاليات التي تشكل لها تحدي أن كان داخليا أو خارجيا و أية تسوية وفق رؤيتها الإستراتيجية تكون قد أضعفت الجانب الأخر في المعارضة و سوف يوقع السيدان علي وثيقة تحالف دون أية شروط بل علي الرؤية التي تراها الإنقاذ و لكن تظل هناك مشكلة كبيرة عند قيادات الإنقاذ علي المستوي التنفيذي أن ثقتها الزائدة في نفسها هي دائما التي تجعل خواتيمها غير منضبطة و غير موفقة أما علي مستوي التصور و التفكير الإستراتيجي هي استطاعت أن تنتقل خطوة متقدمة و سحب أداة الضغط من الحركة و تصبح في يدها و تبقي القضية المهمة كيف تستطيع أن تدير معركتها للنهاية.

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..