نميري “أب جدوم”!

“لا بد أن وقتا طويلا نوعا ما مر على آخر مرة رفعتْ فيها أم خميس ساقيها هنا”، فكر حامد عثمان الميت من الجوع وأشياء أخرى، وهو يلقي نظرة شاملة، على محتويات المطبخ الصغير.

مع ذلك، كانت آثار أصابع أم خميس لا تزال واضحة، على الأشياء..

الملاعق، توزع الشوك، ترتيب أواني الطعام، أكواب الشاي، طريقة وضع علب البهارات الفارغة، والصحون القليلة. كل ذلك، وغيره، بدا لعيني حامد مزعجا، على نحو لا يطاق، في نظافته ودقة ترتيبه والعناية به. حتى سطح البوتاجاز بدا مصقولا خاليا من آثار الطبخ القديم الفاحمة على حواف الأعين المطفأة. ومقابض الرفوف.. يا للسيدة العذراء.. لماذا هي كذلك، زاهية ملمعة؟! أو.. فأوْ.. يا.. للترف. أو إذن. لا “يا هذا”. بل قل: “يا للدلع”. ثم.. “أو عليّ طلاق قدميّ هاتين، ما هذه التفاصيل فعلا، بحقّ السماء؟”.. “القحبة. أم خميس. هذا عمل وربي الذي غرس الشهوة بين سوقنا لا تنجزه محبة مثل هذا الغبيّ المدعو لورد الله الفقير، أعني بالتحديد هذا النحيل تماما كعصا، بل كراهية مغفل عريق يدعى أحيانا أو يا للأسف باسم الزوج”!!

هكذا، واصل حامد صبّ لعناته، في أثناء بحثه اليائس المستميت ذاك، عن شيء ما يصلح للأكل، ربما قد يعينه حتى على البقاء واقفا، إلى حضور أم خميس المتوقع قريبا، “مثل عربة إغاثة محمّلة بالطعام”.

وتذكر حامد خطفا شيئا من أغان المجاعة التي اجتاحت الوطن عام 1983. كان ذلك عام الجراد الذي قضى، “بمعونة الجفاف وسياسات القادة والفساد”، على المحاصيل في حقولها. عام محنة النمل. وقد نبشت جحوره العميقة الأيدي الآدميّة الجائعة بحثا عن غلاله المخزنة. “ريجان أب كضيمات سوالنا اللقيمات”. تغني حنجرة مطرب الأعراب. بمعنى أرسل لنا الرئيس الأمريكي رونالد ريجان صاحب الخدود الممتلئة إعانة صنعنا منها “اللقيمات”. “وجبتنا المفضلة”. لقد كان في عرف الأعراب أن مَن يرسل قمحا إغاثة بمثل تلك الكميات لا بد أن تكون خدوده ممتلئة بأكثر من خدود الرئيس “نميري نفسه”. وتجاوب الجوقة الراقصة صوت المغني الشبع من بعد جوع ومسغبة:

“قمح ريجان

قمح ريجان”

الظاهر، المعطى، لا يكشف دوما، أو لا يطابق عادة جوهر الأشياء ومكنونها الخفيّ، بدأت دودة المثقف تنهش في ذهن حامد المنهك بحثا عن الطعام داخل مطبخ اللورد الصغير. وكما وقع الأعراب في خطل تصور الصورة الواقعية للرئيس الأمريكي وقتها ولم يكن في الواقع بدينا، فقد ندم هو كذلك على سذاجته أنّه ذهب مساء ذلك اليوم البعيد إلى أم خميس، صانعة العرقي، في شقتها، حتى يعيد النظر إليها، على ضوء ما قد أخبره به اللورد عنها مما قد يعجز المرء عن وصف وقائعه على نار السرير، فخرج بمثل ذلك الانطباع الحاسم:

“اللورد اللعين، يكذب”.

إذ لم يبدُ له على وجه أم خميس وقتها قطُّ أي أثر ما قد يذكر لسيدةِ بيتٍ “لعوب”. الأدهى أن وجهها بدا محاطا لحظتها بشيء أقرب لهالةِ التقوى المحيطة بوجه الأم “تريزا”. أما ذلك فصوت الفيتوري:

“الغافل من ظنّ الأشياء هي الأشياء”.

عبدالحميد البرنس
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. مش اقطع دراعي ..والله لدي استعداد اقطع رأسي لو فهمته حاجة …احمد الملك وهمنقواي وكل الرسم الحروف اللغوية يشرح لينا الكلام ده شنو…لكن لو تفكرت قليلاً العملاق ربيع طه لديه تفسير الحاصل : خمسة حلب دينكا لاقو خمسة دينكا حلب …الجماعة لابسين فنايل كت..قام شكلو الكديسة مصروها ..الجرادة ركت في معمل استاك وقالت لام خميس احيا انا من اردافك الذهبية ..
    احييك يا سيدي البرنس قصتك سريالية عميقة والمابفهما بليد ومتخلف و بص امه …

  2. مش اقطع دراعي ..والله لدي استعداد اقطع رأسي لو فهمته حاجة …احمد الملك وهمنقواي وكل الرسم الحروف اللغوية يشرح لينا الكلام ده شنو…لكن لو تفكرت قليلاً العملاق ربيع طه لديه تفسير الحاصل : خمسة حلب دينكا لاقو خمسة دينكا حلب …الجماعة لابسين فنايل كت..قام شكلو الكديسة مصروها ..الجرادة ركت في معمل استاك وقالت لام خميس احيا انا من اردافك الذهبية ..
    احييك يا سيدي البرنس قصتك سريالية عميقة والمابفهما بليد ومتخلف و بص امه …

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..