مقالات وآراء سياسية

المجد لثورة ديسمبر التي ما زالت تتحدى البندقية

أسماء محمد جمعة

 

لقد علّمتنا دروس التاريخ، من غاندي في الهند، إلى مانديلا في جنوب إفريقيا، إلى مارتن لوثر كينغ في أمريكا، أن اللاعنف ليس استسلامًا، بل ذروة الشجاعة. وأن تقف أعزلًا في وجه القمع، متشبثًا بالكلمة، بالصبر، وبـ”اللساتك”، فهو انتصار على الخوف، وعلى الغرائز البدائية التي تحكم من يعبدون البندقية. فالثورة السلمية تضع الطغاة في زاوية الحرج حيث لا يستطيعون تبرير عنفهم الا بالاكاذيب والتضليل واستغلال المواقف وتنزع عنهم شرعية القمع، بينما تمنحهم البندقية ذريعة زائفة للبقاء، ومزيدًا من الحيل الجبانة لإراقة الدماء دون أن ينتزعوا المجد … ذاك الذي يابى أن ينصاع لهم .

 

المجد ليس للبندقية، ولا لمن يحتمون بها. بل للثورات السلمية، فهي في جوهرها، أنبل أشكال المقاومة، وأكثرها تأثيرًا في ضمير الإنسانية. لقد أثبتت التجارب والحقائق أن الكلمة الحرة، والموقف الشجاع، واليد المرفوعة بلا عنف، أقدر على زلزلة عروش الطغيان من ملايين البنادق. فالبندقية لا تصنع مجدًا، ولا تمنح الطغاة يقينًا أو قوة أو صمودًا، رغم أنهم لا يكفون عن طاعتها، محتمين بها أكثر مما يلجأون إلى الله الذي يهتفون باسمه، لا تقوىً، بل خداعًا للمغيبين، ليستدرّوا عواطفهم، ويضيفوا إلى ترسانتهم مزيدًا من البنادق، في مواجة “اللساتك” ،” كما حدث في ثورة ديسمبر ،والمفارقة الغريبة أن حملة البنادق أكثر خوفًا من أولئك الذين يشعلون “اللساتك”، فهم يواجهون البنادق بصدور عارية.

 

الثورات التي تمضي في درب السلم تُبقي على جوهر الإنسانية حيًا، وتُجَنِّب المجتمعات التشظي والانزلاق إلى الحروب الأهلية. فكل رصاصة لا تقتل جسدًا فقط، بل تزرع حقدًا، وتفتح جراحًا لا تندمل، وتفرض على الشعوب أثمانًا لا تُعوَّض. والمفارقة المؤلمة هي أن الحروب تنتهي دائمًا بالمفاوضات واتفاقات السلام ، ولكن بعد فوات الأوان والخسائر الفادحة، بينما كان يمكن بلوغ النتيجة ذاتها عبر “اللساتك”، بلا أرواح، وليس أغلى من الأرواح شيء. فأيهما أحق بالمجد”اللساتك” أم البندقية؟

 

يامن تريد أن تحيا خلف مجد البندقية أفهم ، المجد لا يسكن في آلات الحرب، ولا يستجيب لصوت الرصاص، بل في نبض الضمير حين ينتصر على الغريزة. المجد في يد المعلم، في فكر المثقف، في صبر الأمهات والآباء، في قوة تحمُّل الشعوب، في قهر الطغاة، وفي شجاعة من يقف أعزل، و لكنه لا يساوم على الحق، لا بسلطة، ولا بمال، ولا يختبئ خلف البندقية.

 

المجد للثورة ديسمبر الفتية، التي كان سلاحها “اللساتك” والكلمة ، وأخرجت أنبل ما في الشعب السوداني : صموده، عشقه للحياة، وإيمانه بالسلام، والحرية والعدالة. لقد أثبتت ديسمبر أن السلم ليس خيار الضعفاء، بل سلاح الأقوياء، الذين يوقنون أن التغيير الحقيقي لا يُفرض بالقوة، بل يُنتزع بالإرادة، والوعي، والثبات. فكم من معركة ربحتها الكلمة؟ وكم من وطن حررته الشعوب، بلا رصاص؟ .

 

المجدُ لثورة ديسمبر القوية، التي ما تزال تتحدّى البندقية وتُرهب من يحتمون بها. المجد لها وحدها، فصوتُها ما زال يُقلق مضاجعهم، رغم رهانهم على البندقية. وما زالوا خائفين، عاجزين عن إيجاد منطقٍ، سوى السخرية من الثورة، ومن وسائلها السلمية، ومن الشرفاء الذين يؤمنون بها.

هؤلاء الشرفاء ما زالوا يهتفون، مرفوعي الرؤوس، تناصرهم عدالةُ السماء … السماءُ التي لا تهب المجدَ لمن يقتلون، ولا لمن يُمجّدون آلةَ الموت.

 

[email protected]

تعليق واحد

  1. بورك فيك ، قلم قوى اقوي من البندقئة وكلمات لها دوى واعزاز ، لها التجلة والاحترام ولها مجد اللساتك وليس خوار البندقية التى لها وللمنادين بها الخزي والعار .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..