عقدات حبل التواصل المقطوع!

أستطيع أن أشبّه السودان القديم بكل تشّكل لوحة شماله المتعددة الألوان القبلية و بتضاريسه الاقتصادية الخام في باطن الأرض وظاهرها ومكوناته الاجتماعية وتعدد المناخات التي لا تنكفي على الجانب الجغرافي فحسب بل تتعداه الى المزاج السياسي الممسك في خناقات بعضه،هذا من جانب ، ومن الطرف الآخر نجد خارطة جنوبه التي تجمع في تكاملها كل تناقضات ذلك الجزء أثنيا في تقارب حينا وتباعد أحيانا كثيرة وهو لم يبلغ نضوجه الاجتماعي بعد ليتقاسم خيرات لم يكن يدرك وقتها الأهمية التي تكمن في قيمتها المتعددة الجوانب ، بيد أن مكوناته السياسية لم تكن قد خرجت بعد من الانصهار في بوتقة الحراك الشمالي !
لا أجد لذينك الجزئين من الوطن تشبيها الا أنهما كانا كمركبين مشدودان بحبل واحد يتوتر عند اشتداد الرياح في اتجاهين متناقضين فيصبح مهددا بالانقطاع!
ثم يرتخي حينما تهدأ الأمواج مع سكون العاصفة المؤقت ، ولكن تكون نتيجة ذلك هي الخروج بعدة عقدات في مواضع مختلفة من ذلك الحبل!
وحينما انقطع الوصال بسكين اتفاق نيفاشا الثلمة ، تباعد طرفا الحبل واحتفظ كل طرف بعدد من العقدات ، فطفق كل منهما يتهم الآخر بانه المتسبب في العقدات التي ورثها من الانفصال!
لا أحد من العقلاء يتمنى دوام تلك العقد ، الا أصحاب الأقلام ذات الحبر المسموم الذي ينسكب في عروق صباحاتنا اشعالا للفتن ، أو المستفيدون من تباعد الشقة بين الطرفين من تجار الحروب و مروجي البغضاء !
الاتفاق الأخير ، هو حل جزئي لعقدة واحدة في كلا الطرفين ، ولن يؤدي الى تحسس العقدات الأخري ا لا ، بان يركن كل طرف من البلدين الى اعمال العقل والتشاور مع كل القوى الفاعلة في طرفه ، فمشكلتنا في ربع القرن الأخير من عمر الوطن المنشق ان حل العقد العالقة بيننا كلها بات في يد المؤتمر الوطني في الشمال وحكومته الدائمة الفشل ، وبيد الحركة الشعبية في الجنوب ودولتها التي سلكت هي الأخرى مداخل الفشل الذريع ذاته قبل ان تبدأ مشوارها المتعثر!
فحاجة حكومة الجنوب لعائد مواردها النفطية ، وورطة حكومة الشمال في نضوب خزانتها ،مما أدى بهما الى الارتماء في أحضان بعضهما وكل يد تدس تحت أكمامها خنجر الشكوك وسهام الريبة قريبا من ظهر خصمه ، لن يكون الحل المنطقي لمعضلات الدولتين ولن يؤسس لمستقبل أفضل بينهما الا اذا انفتحا نحو كل مكونات الدولتين السياسية والوطنية والمدنية لحل كل العقدات التي تعيق اتصال ذلك الحبل معتدلا و قد كان رابطا بينهما ولو في حده الأدنى الذي كان قبل صب زيت الحلول الحمقاء اذ درج الطرفان على التمسك به حربا كذبّت قوتهما المزعومة ومبرراتهما الواهية ،أو سلاما فضح عدم مصداقية نوياهما!
السودان في شماله ليس حكرا على مكون سياسي بعينه ليلعب بمصيره في مربعات الفشل المتواصل اقصاء للآخرين أيا كانوا وبسط تراب الوطن أمام أحذية التدويل ، ولا شقه الجنوبي المضاع من حلم الوحدة ، وقفا على مجموعة تريد بأحادية رأيها زيادة غوصه في وحل التخلف والنكوص الى الوراء والتسليم سعيا في دروب الغريب!
ما أنجز عبارة عن تلمس عقدة واحدة هنا وهنا ك، بل هي عقدة تمثل أضعف المعضلات ، لان خير الجنوب مهما تأخرت الحلول لتنضج في طنجرة الاجماع سيظل في أرضه ، ومعينات الشمال ستبقى بالتالي متمددة في انتظاره ، متى ما أكتمل حل بقية العقدات الكبيرة ، التي لن تقدر عليها يد واحدة لا في هذا الطرف ولا ذاك الجانب!
والا فان الحال سيظل يتعقد أكثر وأكثر وستظل العلل تنخر في الجسد الطويل ..طويلا !
ولئن سكن الوجع قليلا بالمهدئات التي تخفف العرض ، ولكنها دون شك لن تستأصل االعوامل الأساسية المسببة للمرض..طالما أنها ستكون مجرد غطاء غير معقّم حتى ، من المؤكد أنه سيكتم على الصديد ليس الا ، مع تفاقم تقيح الجرح القديم ، الجديد!
والله المستعان ..
وهو من وراء القصد..

محمد عبد الله برقاوي..
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. وللاوطان في دم الاحرار حقٌ
    كحال الام دانت بطن شبلِ ,,
    رضينا ام ابينا فحال شعبي
    كسير النفس و ليس من خلل ,,
    دعا الشيطان في الخرطوم مأدبةً
    ما قد دعاها من قبل في الملل ,,
    يؤز القاصدين بغير ذنبِ
    و يفرح ان يرانا بصغر عقلِ
    شيوخ القوم قد تركوا مصاحفهم
    سكاري بصوت الناي و الطبل,,
    رجالُ القوم قد خرصو و دانو
    لعمري وهل ما ذاك من كسلِ ,,
    شباب القوم في سفهِ بئيس
    و اهل البيت في تيه و جهلِ
    يبيت الناس في فرح و مغنمةٌ
    ونصحو كحال الدر في الوحلِ ,,
    عطاشي و عند النيل مشربنا
    عرايا ويلبس غيرنا الحلل ,,
    فكيف غدينا و قد غدي فينا
    سفيه القوم في عللِ ,,
    متي قد ترسو سفينتنا
    ومتي قد نصحو من عطلِ ,,

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..