السودان وليبيا ورفض القوات الروسية : تحول استراتيجي جديد

أبوبكر عبدالله
في خطوة تحمل دلالات استراتيجية ذات أثر عميق ، رفض كل من السودان وليبيا استضافة قوات روسية على أراضيهما. هذا القرار ، الذي وصفته مجلة نيوزويك الأميركية بأنه “ضربة مزدوجة” لموسكو ، يعكس تغيرًا جذريًا في مسارات النفوذ الجيوسياسي في أفريقيا والشرق الأوسط.
السودان ، الذي كان يُنظر إليه باعتباره بوابة لتعزيز النفوذ الروسي في البحر الأحمر ، قال “لا” لعرض موسكو لإنشاء قاعدة بحرية على ساحله الاستراتيجي على الرغم من إغراءات موسكو التي شملت تزويد السودان بمنظومة الدفاع الصاروخي إس-400 وحصة من عائدات النفط ، جاء قرار بورتسودان رافضاً العرض.
لم يكن هذا الرفض عشوائيًا ؛ فهو يعكس توجهًا سودانيًا جديدًا نحو تحقيق توازن دقيق بين القوى الدولية والحفاظ على مسافة واحدة من الجميع في وقت تعاني فيه البلاد من أزمات جراء الحرب المدمرة ، حيث يعكس القرار مخاوف السودان من ردود فعل غربية قوية قد تعقد المشهد أكثر من ماهو عليه.
في الجانب الآخر ، أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية ، عبدالحميد الدبيبة ، رفضه القاطع لأي وجود عسكري روسي إلا من خلال اتفاقيات رسمية وبغرض التدريب ، حيث تأتي هذه الخطوة في سياق حرص ليبيا على تعزيز استقرارها الداخلي ومنع البلاد من التحول إلى ساحة تنافس بين القوى الكبرى.
في ذات السياق ، انسحاب موسكو المتزايد من سوريا وتداعيات الحرب في أوكرانيا ، جعلها تواجه الآن تحديًا جديدًا في الحفاظ على نفوذها في أفريقيا ، لاسيما بعد الرفض المزدوج من السودان وليبيا والذي وضع الكرملين أمام خيار إعادة صياغة استراتيجياته للتعامل مع المتغيرات الإقليمية المتسارعة.
تجدر الإشارة ، إلى أن هذا التحول يعكس رغبة الدول الأفريقية والعربية في تجنب الوقوع في فخ الاستقطاب بين القوى العالمية ، حيث يسعى كلٌّ من السودان وليبيا إلى بناء شراكات مبنية على المصالح المتبادلة ، بعيدًا عن الضغوط التي قد تفرضها الأطراف الدولية المتنافسة.
يجب التنويه إلى أن قرار السودان وليبيا لا يقتصر على كونه رفضًا لروسيا ؛ بل هو انعكاس لرغبة أوسع في تعزيز السيادة الوطنية (شبه المفقودة لاسباب تتعلق بالصراع الداخلي وارتباطاته بدول خارجية) والبحث عن حلول تخدم المصالح الداخلية للدولة ، وفي ظل هذا التحول قد تشهد المنطقة إعادة تشكيل لتحالفاتها وعلاقاتها الخارجية.
ختامًا ، يمثل هذا الموقف فرصة للبلدان الأفريقية والعربية لتعزيز استقلالية قراراتها ، كما أنه تذكير للقوى الدولية بأن النفوذ العسكري ليس دائمًا الخيار الأمثل لتحقيق مصالحها في عالم متعدد الأقطاب.