لجان المقاومة.. دولة مدنية أو نموت جميعاً

لا يختلف اثنان في أن لجان المقاومة التي غلب عليها العنصر الشبابي، لعبت الدور الأكثر حيوية في الثورة السودانية، وكانوا “الأيقونات” التي ابهرت العالم وسوقت شعار “حرية.. سلام وعدالة”، مثلما كانوا الثمن الأغلى الذي دفع مهراً للدولة المدنية المنشودة ولا يزال.
وظلوا منذ ما قبل سقوط نظام الإنقاذ محافظين على موقفهم المحايد، بعيدين عن كل انتماء حزبي أو سياسي، لكن عينهم لا تغمض عن هدفها الأسمى “مدنية الدولة”.
محاولات الشيطنة
على مدى السنوات الثلاث الماضية، ظل جسدهم قادرا على استيعاب كل محاولة لشيطنتهم، مع الأيام أضحت لجان المقاومة دينمو الحراك الثوري، خاصة بعد الانشقاق الذي حدث وسط تجمع المهنيين، ومثلما أرغمت المليونية، التي ظلت تنظمها اللجان، المكون العسكري على الدخول في شراكة مع المدنيين في السابق، أجهضت في الوقت الحالي كل الخطط التي وضعت من قبل المكون العسكري لتجاوز الأزمة آخرها الاتفاق مع حمدوك والذي لم يصمد أكثر من أسابيع.
ميثاقٌ سياسيٌّ
لم تكتف لجان المقاومة، بتنظيم الاحتياجات فقط، بل ظلت هناك أدوار مماثلة لبقية الأطراف الثورية ليس فقط للحفاظ على الروح الثورية والمُقاومة، بل بطرح مشاريع للحل السياسي، ومثلما تقدمت فيما مضى بمقترح لتجاوز عقبة تكوين المجلس التشريعي بإجراء انتخابات في المحليات لتصعيد الاعضاء، اعلنت في اليومين الماضيين عن نيّتها طرح “ميثاق سياسي” سيتم طرحه على القوى الثورية، ليكون بمثابة برنامج عمل لما تبقى من الفترة الانتقالية، وبوصلة للمسار الديمقراطي، يحتوي على رؤية لقيادة البلاد مع الشركاء المؤمنين بالتحول الديمقراطي.
فقد نقلت وسائل الإعلام عن الناطق الرسمي باسم لجان مقاومة الخرطوم، أحمد عثمان قوله، ان ميثاقا سياسيا تمّ إعداده من قبل لجان المقاومة شارفت على الانتهاء سيتم طرحة على كافة القوى الثورية والأجسام المهنية، والمطلبية الرافضة للانقلاب، بعد أن يتم التوافق عليه من قبل لجان المقاومة على المستوى القومي.
حزب اللجان
العام المنصرم، وإبان المشاورات التي كان يجريها رئيس الوزراء المستقيل الدكتور عبد الله حمدوك ، طفت على السطح فكرة تكوين كيان سياسي يضم لجان المقاومة، بهدف المشاركة في السلطة تحت مظلته، لكن الانقلاب الذي تم في اكتوبر جب الفكرة، حيث بدأ التركيز على مقاومة ورفض لإجراءات اتخذها البرهان، ومن ثم الدخول في مواجهة مفتوحة بتنظيم المليونيات التي شلت حركة البلد.
وقد اشتهرت بشعار اللاءات الثلاثة “لا شراكة، لا تفاوض، لا مساومة (مع الجيش)”.
تسويق للأفكار
مثلما تجتهد الكيانات السياسية، لإقحام لجان المقاومة في كل أنشطتها وجهودها السياسية، كذلك تسعى الامم المتحدة عبر ممثلها في السودان، وكذلك المبعوثون الغربيون، وظلت رؤيتهم واحدة، هي الحفاظ على السلمية واستمرار المقاومة حتى إسقاط العسكريين، فقد ابلغ ممثلون عن لجان المقاومة قبل اسبوعين، ممثل الامين العام للامم المتحدة ورئيس بعثة يونيتامس فولكر بيرتيس، بأن لجان المقاومة “ماضية في إسقاط الانقلاب وإبعاد المؤسسة العسكرية عن المشاركة السياسية في الحُكم”.
في هذا الأمر يقول الناطق الرسمي باسم لجان مقاومة الخرطوم، أحمد عثمان، بوضوح، إن رؤية لجان المقاومة التي أبلغناها للسيد فولكر، تتثمل في “إجلاء المجلس الانقلابي عن الساحة السياسية، وتغيير قياداته والتزام المؤسسة العسكرية بالجانب الأمني والدفاعي، وأن تكون الحكومة مدنية خالصة”.
مبادرات أُجهضت
قبل قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر وعندما كان الصراع محتدماً بين العسكريين والمدنيين، رأت لجان المقاومة، أن مجرد تكوين المجلس التشريعي الذي نصت عليه الوثيقة الدستورية ولم يُنفّذ، ربما امتصّ الرغبة الشرسة للعسكريين على تنفيذ ما كانوا يخططون له، بحل الحكومة المدنية والانفراد بالسلطة، في تلك الأجواء طرحت لجان المقاومة على القوى المكونة للحرية والتغيير، مقترحاً بتشكيل مجلس تشريعي، يقوم بتعيينه رئيس الوزراء بالتشاور مع كل القوى الثورية، كان الهدف من المقترح قطع الطريق أمام الانقلاب الذي كانت تلوح ملامحه في الأفق، ليجهض بالقرارات التي أعلنها قائد الجيش في 25 اكتوبر.
جهدٌ ضائعٌ
وقبل ذلك، تقدمت لجان المقاومة بمقترح لحل مشكلة تكوين المجلس التشريعي، عندما اقترحت بانتخاب أعضاء المجلس التشريعي من المحليات بدلاً من اختيارهم عبر المُحاصصات، فقد خصّص المجلس المركزي للحرية والتغيير، جلسة لدراسة المقترح، وقد قدم المقترح بعد أن رفضت لجان المقاومة المحاصصة وتوزيع مقاعد البرلمان على الرغم من ان تحديد نصيب لها في المجلس المنتظر تكوينه وقتها.
مع الأمم المتحدة
الأسبوع الماضي، أطلق االمبعوث الأممي، فولكر بيرتس، مشاورات سياسية بين جميع الأطراف في السودان، تهدف إلى التوصل لاتفاق لاستكمال فترة الانتقال، وتقوم فكرتها “بإجراء مشاورات أولية غير مباشرة وفردية، تحدد على ضوئها الدعوة لحوار ينهي الأوضاع المأزومة”.
حتى الآن حُظيت الخطوة بتأييد دولي كبير، وتحفظ من بعض قوى الثورة ورفض من بعضها، وعلى رأس الرافضين تجمع المهنيين. وقابلت لجان المقاومة، مُشاورات فولكر بالإعلان عن ميثاق سياسي يتم طرحه من قبلها على قوى الثورة.
بعض المراقبين يرون هذا الميثاق بمثابة مشروع لجان المقاومة وورقتها التفاوضية حال دخلت المبادرة الأممية حيِّز التنفيذ وتخطّت مرحلة المُشاورات الأولية، لكونها تدعو لتأسيس منصة واحدة تجمع القوى السياسية الثورية ولجان المقاومة والمهنيين وكل المكونات الشعبية التي تسعى الى حماية الانتقال والتحوُّل المدني ولتحقيق الدولة المدنية الديمقراطية.
نشاط نوعي
بجانب تنظيم الاحتجاجات الراتبة، عمدت لجان المقاومة الى تنظيم احتجاجات نوعية تمثل فئات مثل تظاهرة “لا تقتل جناي” التي نظمتها أمهات الشهداء، وتظاهرة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث نظم قبل أسابيع مئات الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة بدعم من لجان المقاومة، احتجاجات ضد الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش السودان في 25 أكتوبر الماضي، التي نُظِّمت في الخرطوم من أمام مقرهم القريب من القصر الرئاسي، إضافة إلى مدن “مدني وسنار وعطبرة”، وردّد المتظاهرون شعارات مُناوئة للعسكر وأخرى مؤيدة لمدنية السُّلطة.
لا تقتل جناي
نظمت عدد من لجان مقاومة مدينة أم درمان، موكباً لأمهات السودان، تحت شعار “لا تقتل ولدي” للتنديد بحملات القمع والقتل التي تُنفذها القوات الأمنية بحق المتظاهرين السلميين، حيث تجمعت العشرات ممن قتل أبناؤهن وأقاربهن بشارع الأربعين وهن يرددن شعارات “لا تقتل ولدي – وقاتل ولدي لا يحكم بلدي”.
وشارك في الحشد كذلك المئات من الشباب الذين هتفوا بـ”شهداؤنا ما ماتوا عايشين مع الثوار – وأم الشهيد أمي”.
الصيحة