منازل الظعائن

(1)
٭ المذكرات.. والذكريات.. هل تسجل مادة حية لكتابة التاريخ الصادق.. لأنها تأتي منسابة ومتداعية.. بعيدة عن التلوين والتبديل.. أم لبعض علماء التاريخ والمجتمع رأي آخر في ان بعض الذين يكتبون مذكراتهم أو ذكرياتهم يوظفونها لوجهات نظر معينة ويخدمون بها أغراضاً خاصة.
٭ المهم مع بقاء هذا الجدل وهذا التحفظ والتساؤلات يبقى أدب المذكرات محتفظاً ببريقه وتوهجه عند المتلقي.. فالانسان جبل على حب سماع التجارب والذكريات من أفواه أصحابها أو أقلامهم.
٭ درجت على الاهتمام بهذا النوع من الأدب وكم تحسرت لقلة وجوده في ساحتنا السياسية والاجتماعية لغلبة طابعنا الشفاهي.. فنحن نتحدث أكثر ما نكتب.
٭ منازل الظعائن.. كتاب وقفت عند العنوان ملياً.. قبل أن أعرف طبيعته ومحتواه.. عنوان جديد ولافت.. مع سطر يكشف أكثر عن الاسم.. تصاريف القدر في رحلة السنين من بادية الكبابيش إلى أربع من قارات العالم.
٭ الكتاب جميل وأنيق في غلافه السميك وصوره.. قطيع الابل تعلو اسم مؤلفه.. السفير الدكتور ابراهيم البشير الكباشي.. 288 صفحة من الحجم المتوسط.. الطابعون مطابع برنتك.. الكتاب صدر حديثاً عام 7102.
٭ أقبلت على قراءة رحلة السنين بشوق واضح.. وبدأت الرحلة من المقدمة التي وضعها المؤلف والتي تلت الاهداء محل وقفتي الأولى.. إلى أبي الشيخ البشير: «عندما ابين أسترجع جهادك فينا.. لا أجد في قواميس اللغة اناء يستوعب ما في الجوف من ذكر وشكر.
لو كنت امتلك شاعرية أبي تمام أو البحتري أو أبي الطيب لكتبت عنك ما ينصت له الدهر أبداً سرمداً لو كان لي يا أبتاه في منبت كل شعرة من رأسي لساناً يبث الشكر لكنت مقصراً..
ابنك ابراهيم
٭ أردت بهذا الكتاب مؤانسة وادعة بيني والقارئ.. مادتها وقائع الارتحال التي كست العمر كله.. فكل دار حللت بها ارتبطت فيها بشخوص ومعان وذكرى وأحداث بعضها عارض قد طويت آثاره وبعضها مكث عبر الزمن ولكل مذاقه الحسي والمعنوي والقيمي وعذاب الانس العندي أرجو أن يكون في ما تضمنه سياحة يتنقل بها القارئ بين تعدد موضوعاته وان لم أبلغ بما أقول ما بلغه السابقون أولو النهى الذين ضربوا بسهم وافر كل فيما اختص به.. إلا أن ما لاقيت في العقود الماضية قصص ذات ادهاش بدت لي وجاهه روايتها.
٭ وجدت متعة في رحلتي مع دكتور ابراهيم منذ المنزل الأول بيت من الشعر.. وظيفتي الأولى رعاية العجول? كنت أضع الكتاب واستعرض المحتويات وأردد مع نفسي انها.. مسيرة عامرة ومدهشة لطفل سوداني.. عرف طريقه منذ النشأة الأولى في بادية الكبابيش وظهر جملهم المكيسير إلى صناعية الأبيض.. الطفل ابراهيم كان طموحه بمساعدة والده أكبر من سنه وجاءت تجاربه في الحياة كبيرة وعظيمة.. وعندما كنت أغرق في سرد المؤلف كم تمنيت أن يقرأ الجيل الراهن هذه الرحلة التي جسدت العزيمة والاصرار.. والطموح المبصر..
٭ فالمؤانسة التي أرادها دكتور ابراهيم ستظل صورة صادقة وواقعية للحياة في بادية الكبابيش الأرض وأهلها سجلها بصدق وحماس وانتماء واعي.
٭ البيت البدوي صناعة نسائية محضة ليس للرجال فيها نصيب غير توفير الوبر من الابل أو الصوف والشعر من الماعز والضأن وعندها تنبري البدويات لفتل الصوف إلى غزول ولفائف رقيقة طويلة شديدة التماسك ثم يشدونها مصفوفة تمتد بطول الشقة المراد نسجها.
أواصل مع تحياتي وشكري
الصحافة