“رجَالة كِدا”..!

كان اليوم إجازة، بمناسبة السنة الهجرية، لكن جمع كبير من الإقتصاديين والإعلاميين، توافدوا في ذلك الموعد الصباحي لسماع محاضرة بعنوان “دور التعاونيات في حماية المستهلك”، قدّمها بنادي المصارف، الدكتور محمد الفاتح العتيبي، الخبير الاقتصادي السوداني، المقيم في المملكة المتحدة، الذي صدحَ خلال محاضرته بقولة حق هي: “لا يمكن بناء قواعد للتعاون في السودان، إذا كانت السلطة تُصادِر ما ليسَ لها”. التعاون، كما عرّفة د. العتيبي هو: ما لا أستطيع أن أقوم به وحدي، يمكننا أن نفعله سوياً. أكد العتيبي على أهمية تدريب الكوادر، وأن يكون للتعاون نافذة إعلامية ،مع ضرورة البناء فوق الأصول القديمة، وأن يقدّم القطاع التعاوني خدمات ملموسة في حياة الناس، لا سيما في مجال الصحة، وفي مجال التعليم على وجه الخصوص، حيث من المستحيل على رب الأُسرة تعليم أبناءه في كلية جامعية، رسومها السنوية، أكثر من مائة وخمسين مليون جنيه. و تحدث عن الحركة التعاونية في بلادنا، مشيراً إلى نشأتها الباكرة، وإلى بلواها المتمثلة في التصاقها بالكيان الرسمي، حيث سعت الأنظمة، في مختلف الحقب، إلى إلحاق الحركة التعاونية بمؤسسات الدولة. وعقد العتيبي مقارنة سريعة بين تجربة الجمعيات التعاونية في بريطانيا التي نشأت فيها الفكرة منذ العام 1844، أي في سنة مولد المهدي، وبين تجربة التعاونيات السودانية، التي تشهد حالياً، أسوأ عاصفة تصفية، على يد النظام السياسي. ومن باب الإنصاف ــ يقول ــ أن الإنقاذ ليست وحدها، مثل السوء. التعاونيات هي المتجر الذي يمكن أن تتحقق عبره أحلام العدالة الاجتماعية. هو الجهة التي يمكن أن تضطلع بحماية المستهلك وتوفر له سلعة مأمونة، بسعر معقول.وفق سرد المحاضر، فقد كان بالأمكان تطور قطاعنا التعاوني، ليكون أقوى كيان إقتصادي بالبلاد. فقد كانت هناك وزارة لل تعاون والتموين، لكنها تقلصت وأُلحِقت بوزارة المالية. كانت هناك مجلة التعاون، اختفت مع أصولها وربما ارشيفها، فضلا عن أن المتعافي ـــ يقول العُتيبي ــ صادرَ عقاراً للتعاون، لا بالقانون، لكن “رجالة كِدا”، رغم علمه التام، بأن التعاونيات السودانية، قامت بمساهمات وتبرعات الأعضاء. لماذا انهارت الحركة التعاونية ؟ يجيب دكتور العتيبي، بأن السياسة أضرت بالحركة، فضلا عن ابتعاد الكثير من القيادات، عن الأسس الديمقراطية، في تفعيل نشاط القِطاع .على منصة الخطابة، القائِمة في الركن، تباري عدد من هؤلاء للكلام.. أُخواناً وأخوات، يحملون ألقاباً سلطوية رفيعة، بعضها يمثل القطاع المُختطف نفسه، شدّدوا جميعاً عن ضرورة إصلاح حال البلاد والعباد، وبعضهم جنح إلى تذكيرنا بالآية الكريمة: “وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان”. صدق الله العظيم. الآمال عِراض، والتوصيات ضافِية، لكنّها في كف عفريت..أحد شباب التنظيم، يبدو في ثلاثينيات عمره، وقف على المنصة الخطابة ، وعرّف نفسه بأنه عضو اللجنة، التي ستضطلع بمهمة تأليف قانون جديد التعاون لسنة 2016 م. تأمل عزيزي، في مجريات إصلاح كناتين التعاون التي كانت مُضيئة، في أحياء الحضر والرّيف.. تأمل مجريات إصلاحها حالياً، على لجنة من الأُخوان، تضطلع بمهام صياغة قانون للتعاون، في مجتمع استوى ساعده بالنّفير، منذ نشأة التاريخ! آمالاً وتوصيات، لم يُشار إلى تلك الجهة، التي يمكن أن تثنفِّذها. توصيات معقولة طبعاً، وليس فيها تجني على المتعافي، الذي يجب أن يُقدّم للعدالة، إن كان تجاوز حدود مسئولياته الإدارية والتنفيذية خلال سنوات السطوة.. إصلاح الخطأ يبدأ مِن هذا العُمق، بعد ذلك، يمكن أن يُسلّينا الأُخوان والأخوات، عليهم الرُّضوان، بـ “حُجْوة ” إصلاح الدولة، عن طريق الوثبة!
.
.