عندما ارتوت السياط من ظهور جيراني!

تغدى الناس في دعوة غداء مفتوحة أشبه ما تكون بموائد المأمون حين تزوج بنت الحسن بن سهل وذهب الناس ليستجموا هنيهة بعد صلاة العصر فإذا بصوت مغن يرتفع في أفق الميدان الواسع الذي تحف به بيوت الحي الذي أسكنه الذي أقيم فيه الصيوان الخرافي مع طبول نغم حربي يقول:
حي من نارها حي من نارها
شعلت في فؤادي شراره
يا الزمال أرح لي ديارا
لم يستطيع أحد أن يبقى في مكانه من الطفل الصغير إلى الشيخ الوقور… الفرق الوحيد في هذا الحفل أن النساء راقبنه من طابق بيت العرس الثاني منفصلات عن الرجال ولكن يبدو أن بعدهن الجغرافي شيئاً ما قد جعل وجودهن الفعلي في قلوب شبان الدارة أفعل وأقوى.
ولحسن حظي وجدت مكاناً استطيع أن أرى فيه ما يجري بوضوح… فعلت الدلوكة فعلها في أعصاب الناس وأعقل الناس من يتحرك جالساً في كرسيه أما الباقون فارتحال جماعي مع جنون ارتفاع الغناء الجعلي الثاقب الذي يتجاوز العصب إلى مكان العقل في الفؤاد فيجعله لا يستقر ولا يهدأ.
وفجأة رأيت حوالي خمسة عشر شاباً يهرعون إلى وسط الدائرة ورجل وقور فوق الأربعين يحمل سوطاً يقبل بعضهم ويرفض بعضهم ولم أفهم أساس القبول والرفض ولكن يبدو أن ذلك راجع إلى قربهم أو بعدهم من أهل البيت وكأنه أنيط بهذا الرجل مسئولية فرز ذلك وأتصور أن هذا الرجل الذي كان هو من جلد المرضي عنهم يحسب في ذهنه بعض العواقب في مجتمع الخرطوم المعقد.
وأعرى الشبان الذين انتخبوا للجلد ظهورهم وبدأ ذلك الرجل يجلدهم وهم ثابتون ثبات الجبال والدماء تتطاير من ظهورهم وتملأ أقطار سوطه القاسي وضربات الطبول ترتفع وزغاريد النساء تهز المكان هزاً ولم يبق من الناس إلاّ عاقلاً أو عاقلين إن بقيا!
قلت… هل هذا جنون؟ هل هذا حفظ لميراث الشجاعة القديمة فيكون عقلاً؟ ما هو؟
البطان (التجالد بالسياط) كان هو في منظومة فولكلورية واحدة مع الشلوخ ودق الشفاه والوشم والختان الفرعوني … لماذا ذهب كل ذلك وبقى هذا البطان؟
هل البطان هذا قد مات مدة من الزمان ثم انبعث؟
لقد مرّ عقدان أو ثلاثة ولم أره بهذه العرامة ما الذي حركه بعد سكونه… ربما أنه كان منحصراً في الأرياف البعيدة ما الذي جاء به إلى الخرطوم بهذا الوضوح الآن؟ هل وقد انبعث (البطان) ستبعث تابعاته التي ذكرنا آنفاً؟ وما هي الظروف الاجتماعية الجديدة التي أكسبته هذه الحيوية الجديدة؟ هل لانبعاثه علاقة بروح القبلية والجهوية التي انتظمت المجتمع في الآونة الأخيرة…. هل هو شر محض أم هو شر في طيه بعض خير أم هو خير كلّه؟
وضع نظام للجلد بأن يكون إذا شئت جلداً (مركزياً) يفعله رجل كبير أو يفعله العريس فقط… فيه معنى ألا يصير كما كان في الماضي ميداناً للأحقاد والإحن والانتقام بأن يحاول كل مجلود حينما يأتي دوره في الجلد أن يشتفي من خصمه باختراع أنواع من الأذى في الجلد قد تؤدي إلى العطب أو المرض الطويل أو حتى الموت.
يقول بعض الأطباء إن الجلد بسوط واحد يلغ في دم إنسان ويخلط دماً بدم قد ينقل أمراض الدم الجديدة المخيفة… هذا شئ لم يكن في الحسبان في الماضي البعيد بتاتاً…
أن يكون ما حكيت قد حدث الأسبوع الماضي في خامس أيام هذا العيد الذي مضى… أليس أمراً جديراً بأن يبحثه الباحثون؟

د.عبد اللطيف سعيد
الصحافة

تعليق واحد

  1. هع هع هع أهل الحارة أعفيت منكم أولاد جعل إيه الغريب من ذلك لم نسمع أن واحداً أن السوط نقل له مرض أو مات
    يا ناس الراكوبة خلوا الناس في حالها

  2. البطان كان موجود في القرى البعيدة ,الا انه انتقل المدن بعد ان روجت له احدى القنوات الفضائية ,برعاية احد المسئولين السابقين ,الذي كان منوط به حفظ حقوق و دماء المواطنين ,ولكن الطبع غلب التطبع 0

  3. (البطان) وسيلة بدائيه لاثبات الذات امام الآخرين -النساء بصفة خاصه-يمارسها فقط بعض العاطلين عن المواهب الانسانيه الاخري من ابناء الجعليين والدليل علي ذلك ان المثقفين منهم ينأون عن هذا التقليد ما وسعتهم الحيلة الا ان يضطروا اليه اضطراراّ… (هل رأيتم ابناء الجعليين يتباطنون في لندن او باريس او نيويورك او حتي العواصم العربيه القريبه؟)….

  4. شكرا يادكتور وكذلك سؤال موجه لك ماهي الظروف الاجتماعية الجديدة التي تجعل الناس يفرون منه كما الطاعون ؟

  5. هذه العاده تمارسها احد القبائل اللتي فر ملكها الي الحبشه تاركا قبيلته "لسبي" الاتراك لذلك يمارسون هذه العاده تذكيرا "لخوازيق" الاتراك وسبيهم لنسائهم بالجلد علي ظهورهم لاطهار فروسيتهم يوم فر "وطواطهم" زتركهم للتنكيل "الدفترداري"

  6. ود العمدة؟
    ياتو عمودية دى الخلتك تتنطع علينا؟
    لكن اقول ليك البد وراء اى ميلك وكمبيوترك واخلف رجل على رجل مانت مطامن لانو زى كلامك ده مابتقولو وجها لوجه

  7. لماذا نحن الشعب الوحيد في العالم الذي يعيش في الماضي ….
    لماذا عاصمتنا العاصمة الوحيدة في العالم التي تشبه الي حد كبير القري الكبيرة ,,,
    اكلاتنا كلها من الماضي ,,,
    ملابسنا كله من الماضي ,,
    اغانينا كلها من الماضي ,,,
    والكثير والكثير من الاشياء التي لا تشبه القرن 21 ,,,

  8. الا تعلمون أن بعض الحيوانات تشعر بالإذلال عند ضربها بالسياط وأكرمها التي تنتقم لذاتها عندما تذل مثل الإبل والخيل وهنالك ميادين كثيرة لإثبات الشجاعة هل لنا طرقها؟؟؟

  9. البقولو بلدنا ونحنا اسيادها—الدنيا دواره وبكره البشير دا بمشي في خبر كان وما تعملوا الموضوع قبليه لانو الناس ما حترحمكم بعدين وكلام ود العمده بتكرر تاني ومحمود وداحمد منو في كتير—

    البشير يوم يعرض جعلي ويوم يتكسح حتقولو والله دا بديري—–ما تعملو لينا قتوات–زمن الفتونه دا ولي —والكلام الفارغ بتاعكم دا يا ناس العوض امشوا اعملوهو هناك في الحلللللله فوق—بلا عروب بلا وهم

  10. يا ود العمدة
    هذه العادة ليست عند الجعليين فقط ولكن قبائل غرب السودان عن بكرة أبيها عندها هذه العادة حتى الصغار عندما (( يتداوسون )) أي يشتبكون بالأيادي الحل بينهم أن يؤتى بسوط ويجلد كل منهم الآخر على ساعده بعدد من الجلدات وقد مررت بهذه التجربة صغيرا عند ديار الكببابيش . أما المك نمر فقد كان يمثل السودان كله وقتله لاسماعيل باشا . وهروبه من باب الذكاء وكل قائد يهرب لكي ينظم نفسه وجيشه هذا اذا لم يتعرض لخيانة . أما القبلية فأتركوها فانها نتنة وما عان السودان الآن الا بعد أن تم أحياؤها والآن يجري تغييب الاسلام عشان يكون الولاء للقبيلة فقط وتلحقوا الصومال . 

  11. إذا إنتقلت هذه العادة المتوارثة إلى العاصمة فهذا يعنى إنقراض هذه الفئة سنوات قليلة قادمة بسبب إنتقال الإيدز والأمراض الفتاكة والتي تنتقل من أثار الجلد عليه نأمل من السلطات إيقاف هذا العبث وإدخال الوعي ورفع درجة الثقافة مقروناً بالعلاج النفسي لمثل هذه الفئات والرجوع للدين الذي يرفض مثل هذه الممارسات الخاطئة التي عفا عنها الدهر وإشدد على الدولة أن تقوم بواجبها تجاه رعاياها

  12. إخواني الكرام

    طابت أوقاتكم

    والله أشعر بحسرة عندما أجد أحدا يطعن في قبيلة أو يعلي شأن قبيلته على حساب الآخرين. دعوها فإنها منتنة وأرجو أن يقتصر التعليق على الموضوع فقط. أما هذه القبلية والتي نسيها الناس منذ وقت طويل وبدأت تعود مع هذا النظام فشيعوها يوم تذهب عذه الحكومة.

  13. البطان ليس مقتصراً على قبيلة معينة في السودان بل جُل أهل السودان يمارسونها في أفراحهم ( الغرب الشرق الشمال ) وهذا نوع من الثراث وتربية النفس أنا من أقصى الشمال أعشق البطان ورتثتها كابراً عن كابر وأعتز بها كثيراً ، ليس من باب التفاخر بل من باب الفراسة ، بالله عليكم مش أحسن من أكل الأيسكريم ومضغ البان والمشي ورا بنات الخلق 0

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..