صلاح محمد صالح.. شاعر يرتاد مملكة الشعر بجواز دبلوماسي.. سيرة فنية

الخرطوم- محمد عبد الباقي
على كثرة الأغنيات التي لحنها وغناها الفنان الراحل عثمان حسين تظل أغنية (نابك إيه في هواه) حجر الزاوية في مبنى أبو عفان الفني برمته، والمدقق في لحن الأغنية يدهشه تفرده الرائع عن بقية ألحان أغنيات عثمان حسين الذي يؤكد بعض النقاد أن التشابه وراد بصورة جلية في عدد من ألحانه. لكن أغنية (نابك إيه في هواه) التي صاغ كلماتها الشاعر صلاح أحمد محمد صالح كانت تحديا حقيقيا في مسيرة عثمان حسين اللحنية والفنية لأسباب منها تفرد حرفها الشعري وجزالة معانيها وغرائبيتها الموغلة في الحسية، ورغم أن هذا الوصف ليس نقدا علميا ولكنه ينصف الأغنية ويثبت علو كعب غنائية صلاح أحمد محمد صالح على قلة ما صاغه شعراً.
الشاعر المُقل
المفروغ من النقاش فيه، أن شاعرية الشاعر لا تتأتى بكثرة الأشعار إنما بجودة ما كتبه ولو كان قصيدة أو أغنية واحدة.. وهذا ينطبق على الشاعر صلاح أحمد محمد صالح الذي لم يحترف الشعر ولم يطبع ديوانا خلال مسيرته لكنه كتب أغنيات تكاد لا تتجاوز أصابع اليدين، وضعته ضمن قائمة شعراء الأغنية السودانية الممتازين بلا منازع. ولو ابتغينا إنصاف الشاعر صلاح أحمد محمد صالح ? فمن الغرائب في شخص هذا الرجل أن اسمه لا يتجزأ ولابد أن يكتب كاملاً – علينا بالقول إنه جاء في شعره بما لم يأت به غيره من مجايليه من معان ومفردات ليس متميزة فحسب إنما خارقة ومتجاوزة لكل التوقعات الشعرية كما في أغنية (نابك إيه في هواه) التي من فرط أناقتها ودهشتها وجمالها أحجمت أجهزة الإعلام ممثلة في الإذاعة والتلفزيون عن بثها إلا نادرا لعدم القدرة على استساغة وفهم معانيها العميقة الضاربة فاقرأ مطلعها:
نابك إيه في هواه غير سهاد ونواح/ يا فؤاد أسلاه واهجرو وارتاح
ذبت في حبو الحنان قساه/ وابتغيت قربو الغرور أعماه
ما سأل في هواهك وما سمع شكواهك/ بالصدود خلاك تشقى في هجرانك وهو في أفراح
ودون الخوض في المصطلحات النقدية العلمية تبقى الحقيقة أن مثل هذه الكلمات حين تتنزل على الأذن لأول مرة تكاد لا تفقهها بتاتا لأن الشاعر أشبع مفرداته القريبة من الواقع بمعان سامية وسامقة تحتاج أن لا نستمع لها بعجالة بل بتريث وحشمة وجدانية.
الدبلوماسي الناقد
لا تقف (نابك إيه في هواه) على معاني مفرداتها الصاعقة فقط ولا على اللحن الجزل الذي سربلها به عثمان حسين ويمكنها أن تتعدى هذه كله بثقة ويحق لها المباهاة بالقالب الشعري نفسه، وأيضاً بعيدا عن الوصف الأكاديمي لضروب الشعر يقطع النقاد بأن عثمان حسين وجد فيها ضالته لتوافقها مع الصيغ اللحنية والنفس الغنائي، ويرجع هذا إلى أن صلاح أحمد محمد صالح هو في الأساس ناقد فني موهوب متمكن من الطرائق الموسيقية واللحنية ويمتلك وجدانا حساسا وحسا مرهفا وكبرياء عاطفيا مرده مكانة الشاعر الاجتماعية وثقافته الواسعة، جعله هذا كله مُراوغا للهروب من حالة الانهزام وهو يخاطب قلبه كما تُبيٌن الأبيات:
إنت ما حبيت في الوجود إلاك وأنت كم قاسيت في سعير دنياك
ضحيت بأيامك ضحيت أنا ورضيت بآلامك رضيت
كم من عزول لامك كم من عزول لكنك اتماديت في حبو ليل وصباح
حظوظ فنية
رغم أن صلاح أحمد محمد صالح الذي عمل صحافيا ودبلوماسيا بوزارة الخارجية يصف ميلاد شاعريته بالصدفة ويعتبر نفسه هاويا “لو هنالك شعراء هواة أنا منهم لأن الأغنيات التي كتبتها قليلة جدا، ويمكن أن يكون العمالقة الذين تغنوا بها أضفوا عليها بريقا لامعا”. لكن النقاد يعتبرونه شاعرا حقيقيا لا يحترف صناعة الشعر حسب الطلب إنما يجعل النص الشعري يولد طبيعيا دون تدخل منه ولهذا كان مقلا جدا في أشعاره إلا أنه محظوظ خدمته ظروف عدة جعلت كبار المغنين في عصره يعكفون على وضع ألحان لقصائده كما فعل عثمان حسين الذي تغني له بعدة أغنيات منها (يا عيوني أسكبي دمع الحنين) والتي مطلعها:
يا عيوني أسكبي دمع الحنين/ لو يفيد أو يجدي الأنين
راحو عنك يا عيوني انطوى عهد حبي والأماني والهوى
ياعيوني أبكي دم شوقا لهم وأذكري هنائ عندهم
كما غنى له أغنية (ليالي الغرام) ومنها:
يا ليالي الغرام أهـ من ذكراك وجن إليك ومستحيل أنساك
في النجيلة الخضراء وكنت أجلس ليهو وكنت ألثم شعروا وأيدي في خديه ثم أفضل أراقب وأشواف سحر عنيهو.
وتغنى له الفنان الراحل سيد خليفة بأغنية يا مسافر وناس هواك وأحمد المصطفى بعدد قليل من الأغنيات منها(حبيب الروح

اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..