ساخر سبيل .. قضى محملا بآلامه من أجل الوطن..!

د. محمد عطا مدنى
(1) عرفته عن قرب عندما تخليت عن حيادى حزبيا وجهويا واستجبت لدعوته من أجل تأسيس حزب (سودان الثورة) ، حيث اعتقدت مع تفجر الثورة ، أن الحياد وقتذاك يُعتبر (خيانة عظمى). ودعوت كثيرين بالمئات لدخول الحزب الجديد ، الذى وضع أهدافا يتفق معها كل سودانى حر مؤمنا بوطنه ، وبعدالة قضيته ، فى أن يعيش كريما عزيزا كما كان السودانى يعيش – قبل طوفان الطاعون عام 1989م – فى ظل قانون موحد يطبق على الجميع ، وفى ظل تكافؤ فرص جيد لا يفرق بين الجهويات والقبائل .. والبيوتات..! .
وسار الحزب بالتشاور شهورا قليلة ، ويعرف كثيرون ممن سيقرؤون رسالتى هذه أنهم استجابوا لدعوتى فورا وانضموا للحزب الجديد.
(2) لم ألتق بالأستاذ شخصيا ، ولكن كنا نتحاور كثيرا هاتفيا ، أو فى اجتماعات الزووم ونتبادل المشورة ونحن نسير فى خطوات تأسيس الحزب ، ولكن واجهتنا مشكلتان :
أولهما : أن أيدى النظام المباد كانت (ولازالت) تتحكم فى مفاصل الدولة وقيل لنا ان تسجيل الأحزاب موقوف..! ورغم ذلك لم نتوقف عن السير خطوات كبيرة فى سبيل التأسيس..
ثانيهما : بدأ ظهور العيب التقليدي لمسيرة أحزاب السودان ، وهو عيب متأصل فى عاداتنا وتقاليدنا الحزبية عندما يضع البعض (مكاسب ما) شخصية أو دعائية أو وهمية يريد أن يجنيها من وراء انضمامه لحزب ما من الاحزاب ، فبدت تظهر فى الحزب شلة تسيطر على قرار الأستاذ وعلى انفتاحه المعروف. استقالت شخصيات عُرفت بجديتها وكانت بصماتها واضحة فى تأسيس الحزب ، ولم يستمر الحال طويلا .. فقررت العودة إلى حيادى القديم .. وكما دخلت للحزب بإرادتى انسحبت بهدوء..! .
(3) ظلت شخصية (الأستاذ) ومكانته قريبة من قلبى ، واستمريت أتابع مقالاته بشغف ، وهو يهدم الهيكل غير المقدس الذى بناه أعداء الله والوطن والشعب فى ثلاثين عاما ، طوبة طوبة ، فكل مقال ، كان يهدم جزءا من هذا الهيكل الكاذب الذى بُنى على ضلال. وكنت أعتبر مقالاته (كالمسيّرات) المحملة بألف صاروخ وصاروخ..! .
لم يترك جانبا من جوانب الفساد إلا وأرسل عليه (مسيّرة) فى صورة مقال لتهدمه من جذوره
على رؤوس من بنوه .. وأعتقد أن مقالات الأستاذ عبر سنوات طويلة ، هى التى كان لها الفعل المؤثر لانتشار الوعى بين الشباب الذى أدى لانفجار ثورة ديسمبر المجيدة.
(4) لقد دافع الأستاذ عن الثورة حتى الرمق الأخير ، مع أنه كان يعانى جملة من الأمراض وكان يعتذر أحيانا عن الاستمرار فى الاجتماعات (أون لاين) نظرا لحاجته للراحة. فقد قدم لوطنه الكثير دفاعا عن الحريات ، وعن حلم السودانيين فى دولة مدنية ديموقراطية ينعم الجميع فيها بثروات بلادهم ، ويتمنى كثيرون من أبنائها أن يقدموا جهدهم لإعلاء شأن بلادهم ولكنهم كانوا ممنوعين من ذلك ، فهاجر من هاجر ، وقضى من قضى حزينا وهو يرى وطنه فى ذيل قائمة الدول المتخلفة عالميا ، ومكث فى وطنه من لم تتهيأ له الظروف ليهاجر فبقى منكفئا على ذاته ، وعلى جروحه وأحزانه ، وجوع أولاده قهرا ، وهو يعيش ظروفا أقرب للموت من الحياة. ولم يتأثر المجرمون بمأساة الشعب ولم تحرك فيهم ساكنا ، بل احتفلوا بعطبرة بالعيد الأول لحرق الوطن..! .
(5) قدم الأستاذ للصحافة دروسا فى كتابة المقالات الصحفية بأسلوب أدبى ، ينتقد بشدة ولكن بإسلوب ساخر وبلا إسفاف. وكان لوقع كلماته على القلوب سحرا لا يخفى ، وإعجابا لاينفذ أثره ، كما كان وقعها على أعداء الدين والوطن والشعب مدمرا .. فقد كشف فى كل مقال جزءا من عوراتهم. وأجزاءا من سلوكياتهم المشينة.
(6) كنت أتمنى أن يعيش الأستاذ حتى يرى وطنه منتصرا على أعدائه ، وأعتقد أنه قد قضى نحبه متأثرا بجراحه الغائرة التى كان يراها متجسدة أمامه يوميا فى الدماء التى سالت أنهارا ، وفى مشاهد شعبه فى منفاه الاختيارى ، ولابد أنه كان يتألم وهو يشاهدهم رؤية العين يتسولون فى الطرقات ، ويجلسون على حافات المدن بلا مأوى ، ويتعرضون لأسوأ حالات الاضطهاد الشعبى والرسمى فى أهم دولة من دول الجوار ، كنا نعلق عليها من آمالا كبارا ، وأرجو أن يكون للشعب الحر معها موقف وكشف حساب ، بعد انتهاء الحرب.
(7) ألا رحم الله شهيد القلم الأستاذ الفاتح جبرا ، الذى يمثل رجاحة الرأى ، وجبروت العزيمة التى لم تُقهر لثلاثين عاما ، لم يتوقف فيها قلمه عن نصرة وطنه وشعبه ، وتأييد قضية العدالة الانتقالية وثورته المستمرة التى لم تهدأ ضد الظلم.
فى رحاب الله ساخر سبيل ، ونحن وكثير من أحرار السودان – وهم بالملايين – على دربك سائرون ، حتى يسترد الشعب حريته ، وكرامته ، وجيشه ، وأمنه ، وثرواته.
قالوا
ايه
الجابرك
على
المر
قالوا
الامر
منه
الله يرحمه لكن ويغفر له لكن ما قدر يثبت حاجتين حكاية خط هيثرو والتانية الخمس مليون دولار القالوا خمشها شيخنا عبد الخي يوسف ويوم القيامة حتتكشف الامور