
شاهدنا قبل أيام لقاء في إحدى القنوات التلفزيونية ما يصيب المشاهد بحالة “غثيان لا إرادي”.. كان مدير احد المصارف السودانية في إحدى دول الخليج قد سمع بأن هناك ثورة في السودان فخطف رجله وعاد ليذكّر الناس بنفسه وببنكه وظهر ليحدث الناس من الشاشة التلفزيونية عن محاسن البنك الذي يديره.. وهو من أكثر البنوك التي يبغضها السودانيون في الخليج لما علق به من أوضار ولعزلته المجيدة التي يعيشها وهو بعيد عن العيون يدير أموره بما يشبه السرّية ولا يمر عليه ولا يثني على خدماته إلا أعوان النظام السابق وأباليسه ومحاسيبهم.. ولكن المدير قرر فجأة أن “يتواصل مع المجتمع السوداني”.. والمذيعات (شبه البلهاوات) لا يراجعنه بالأسئلة والاستفسارات عما يجري في بنكه وحقيقة انجازاته أو إخفاقاته.. إنما يسلمن من غير برهان ولا اسانيد بكل كلمة يقولها وكأنها (السلام الجمهوري)..!
هذا البنك حقيقة لا يريد التواصل مع الناس وتوضيح ما يقوم به؛ إنما يريد أن يحتفظ (بما هو عليه) ليعود كما كان اسماً لا يستحق أن يحمل صفة نهرين عظيمين في السودان.. (هل لا يزال مديره في موقعه؟) وهو مثل كل بنوك السودان الحكومية في زمن الإنقاذ الأغبر يحتاج إلي هزة عميقة من الحكومة المدنية.. وأسئلة حادة عن أمواله وتصرفاته وضماناته وأنشطته وممارساته حتى توضع الأمور في نصابها.. وما هو إلا (نموذج صارخ) لبنوك عهد الإنقاذ..! ولكن ما هو حال البنوك في أيام الإنقاذ المظلمة التي تمثل النموذج (الأعلى عالمياً) للفوضى والغموض و(النهبوت) والممارسات المشبوهة ومفارقة اللوائح “الضحى الأعلى”..؟!
حال البنوك في عهد الإنقاذ كان الفوضى بعينها في كامل “هلاهيلها ودلاقينها” وكان حالها المثال الأوفى للمفارقة البيّنة والطلاق البائن لكافة القوانين والنواميس والأعراف المصرفية..وقد سرى ذلك حتى على البنك المركزي نفسه.. فما بالك بالبنوك التجارية والخاصة؟! أنت لا تستطيع في أحسن الأحوال أن (تفرز) البنوك الحكومية من البنوك التجارية والخاصة والمشتركة والمتخصصة والأجنبية؛ ولا تعرف مثلاً ماذا حدث في بنك الخرطوم؟ ومن باعه؟ ولمن؟ وكيف كان يدار؟ وكيف تعمل فروع البنك؟ وهل تم بيع الاسم أم العقارات والمكاتب والمباني؟ وماذا عن الفروع التي تحمل اسمه خارج الوطن؟ ..هل تتبع له أم تحمل اسمه فقط؟ وما نصيب الحكومة فيه؟ وبكم تم بيعه؟ وما هي مشمولات البيع من فروع وعقارات وحقوق ملكية؟ وكيف جرى تقييمه..؟! وهناك بنكان يحمل أحدهما اسم مدينة عريقة ويحمل الآخر اسم الكادحين من أبناء الوطن.. احدهما ظل طوال عهد الإنقاذ الكريه يُقال أنه بنك تابع لرئاسة الجمهورية وربما لشخص رئيس الجمهورية.. وهو لذلك لا يمكن أن يكون مثل البنوك (العادية) التي (لا تتشرّف باسم رئيس الجمهورية) “هانت الزلابية”! ومعنى ذلك أن هذا البنك يمتلك (حصانة خاصة) ولا يمكن الإعلان عن إفلاسه (حتى ولو عدم التعريفة)..لماذا؟ لأنه لا يجوز في حق بنك رئيس الجمهورية الإفلاس..! وكان حين يبلغ به الفلس مداه يتم تغذيته من الخزينة العامة.. فأعجب لبنك يعيش عالة على خزينة الدولة.. وألعن سراً وجهراً الظالمين الذين قال الله في حقهم “عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين”..!
ولكن هل كانت البنوك في عهد الإنقاذ منافذ عامة للتعامل مع كل الناس على قدم المساواة؟ ..أم كانت تتعامل من وراء ظهر الناس مع الواصلين وحاملي تذاكر (التوصيات الخاصة) من الرؤساء والوزراء وجماعة المؤتمر الوطني والموالين والمحاسيب.. وإذا كانت البنوك تجرؤ على الحقيقة فلتنشر لنا أكبر تمويلاتها؛ مَنْ منحها؟ وكيف منحها؟ ولمَنْ ذهبت؟ وبأي ضمانات؟ لنرى هل بينهم زبائن من أحزاب أخرى أو خصوم سياسيين للإنقاذ أو مواطنين عاديين مُستحقين من الشباب أو رجال الإعمال (غير المؤتمرجية)..؟!!
ثم هناك الضمانات التي كانت تلعب بها البنوك (لعب الصوالج بالأُكر) فقد كانت التهاون بالضمانات والرهن هو مدخل الفساد الأفظع.. والسبب الأكبر في إفلاس البنوك وانهيارها ..فقد كانت تمنح المليارات بضمان عقارات وأملاك عديمة القيمة أو غير موجودة إلا في الخيال وببضاعة وهمية وأصول في الهواء ..وهنا عم الفساد بعض البنوك وموظفيها وشهدنا بعضهم وقد أصبح من كبار رجال الإعمال وأصحاب الثروات بسبب أنهم قبلوا بـ(تشحيم الأيدي) وتناول المظاريف و(اقتسام السحت).. إما بنوك الزراعة والصناعة والإسكان والتجارة والثروة الحيوانية ذات المهام الجسيمة في النهضة وتعظيم موارد البلاد فنترك أمرها لمن يعرف خباياها… والله المستعان..!
وهناك بنك ارتبط اسمه بالإنقاذ ولعب دوراً مظلماً في تثبيت أقدامها العرجاء وتمويل مسيرتها الكالحة واستمرارها البغيض على رقاب الناس، وقد وفد على بلادنا من خارجها فسوّد ليلها وأغطش ضحاها..! هذا البنك لا زالت إعلاناته تتهافت على قنواتنا التلفزيونية وهو من الكوارث التي رُزئت بها البلاد ولا يقل دوره الأثيم عن دور شيخ الإنقاذ وعرّابها الذي جاءنا بهذه البلاء والتدبير المكير ثم بعد أن تمرّد عليه تلامذته (الذين تربّوا على يديه) حاول أن يقول إن جماعته فسدت وضاعت في تلافيف شهوة السلطة والمال وقد خطط هو (شخصياً) لهذا الفساد الأكبر منذ تخطيطه للانقلاب ورعايته للإنقاذ ومؤتمرها الوطني منذ سنواتها الأولى وما بعدها.. وهو الذي اشرف على التهيئة للفساد بتفكيك كل مؤسسة لها علاقة بالرقابة والضبط والربط ..فمسؤولية هذا الرجل في كارثة الإنقاذ لا يكاد يضارعها إلا مسؤولية هذا البنك الذي جاء للسودان ليناصر أقلية “اخوانجية” عاثت فساداً في الأرض وكان هذا البنك ملاذها ووكرها غير المهجور..اللهم بقوتك وجلالك أرفع هذا البنك من بلادنا وأخرجه من ديارنا ويكفي ما فعله بالسودان فقد كان ملتقى أحبة الإنقاذ وأداتهم في الاغتناء وتكسير مجاديف الاقتصاد وتلويث دورة المال والأعمال.. اللهم ارفعه عنّا فلا نريد عونه ومعونته وليخف عن بلادنا ويستنفع في بلاد أخرى رافقته (الملامة) حينما حل وارتحل..!
قول بالواضح بنك فيصل اللا اسلامي وريحنا.
وازيدك من الشعر بيتا كرتي يحوز على آلاف الأفدنة في الشمالية في أميز المناطق من الحوض النوبي شمال غرب مدينة الدبة قريبا من حيازات الراجحي