مقالات وآراء سياسية

التحول الديمقراطي منصور خالد وعمانويل تود

طاهر عمر

الشعب السودان شغوف بمسألة التحول الديمقراطي وسوف يصل لتحقيقه وكل المؤشرات تدل على أن مسألة التحول الديمقراطية آتية لا ريب فيها ولتوضيح هذه النقطة سوف أحاول تقريب أراء ثلاثة مفكرين وعبر فكرهم أستطيع أن أدلل على مسيرة الشعب السوداني بإتجاه تحقيق التحول الديمقراطي.
أول هؤلاء المفكرين هو عمانويل تود الفيلسوف الفرنسي وملقب بالفيلسوف النبي عندما تنباء بالسقوط النهائي والشامل للشيوعية في منتصف السبعينيات وقد كانت فقد إختفت الشيوعية كأنها لم تكن بعد أربعة عقود من نهاية الحرب العالمية الثانية وهي تقضي على النازية والفاشية وكل من النازية والفاشية الشيوعية نظم شمولية بغيضة جاءت في زمن إضطراب فكر وكانت تسد الفراغ في زمن الفكر العابر والمؤقت.
عمانويل تود من ضمن حقول فكره فكرة البناء الأسري ودوره في إنتاج النظم السياسية مثلا نظام البناء الأسري الذي يشكل بالأسرة النووية هو المسؤول من إنتاج نظم ديمقراطية وتأسيس مجتمع يؤمن بالحرية والعدالة ونجده في إنجلترى وأمريكا وفرنسا أما نظام الأسرة الجذعية فهو المسؤول من إنتاج النظم الشمولية ونجده في المانيا وتسبب في قيام النازية وكذلك في روسيا وبسببه كانت أول حاضنة للشيوعية وكذلك في اليابان وكوريا وبالطبع في العالم العربي بثقافته العربية الإسلامية التقليدية وهذا هو سبب عشعشة الدكتوريات في العالم العربي والإسلامي والأسر الملكية والسلاطيين والامراء في دول الخليج العربي.
عمانويل تود يؤكد بأن إرتفاع نسبة التعليم وإرتفاع مستوى الوعي في العالم العربي والإسلامي أفرز تشكيل أسرة تكون الأم فيها لكل طفلين وهذا سوف يكون بؤرة التحول نحو الأسرة النووية وبداية التحول الديمقراطي في كثير من الدول العربية وبالتالي على المدى البعيد لا مستقبل للدكتاتوريات ونظم حكم التسلط في مصر وتونس وايران وكل مؤشرات إرتفاع مستويات الوعي تؤكد بأن لا مستقبل لخطاب الإسلام السياسي.
فكرة عمانويل تود عن التحول الديمقراطي في العالم العربي والإسلامي التقليدي نجدها متوافقة مع نظريات النمو الإقتصادي ومسألة التحول الأكيد نحو قبول العالم العربي التقليدي لنمط الإنتاج الرأسمالي وبالتالي سوف يخرج العالم العربي والإسلامي من حيز أزمة الحضارة العربية الإسلامية التقليدية وهذه الازمة هي المنتجة للأزمة السياسية وفي ظلها عم الفكر السياسي التقليدي الذي لا يفضي لإنتاج المعنى لكي تصبح الحرية مطلب شعبي وقد ظهرت ملامحمها في موجات الربيع العربي وسقوط الدكتوريات في تونس ومصر وليبيا واليمن وإطمحلال نظام الأسد في سوريا وأخيرا سقوط الكيزان في السودان بثورة ديسمبر حرية سلام وعدالة.
كتبت هذا المقال ولا يغيب عن البال أن الفكر السياسي للنخب السياسية الفاعلة الآن في الساحة السياسية السودانية هو إنعكاس لشعاع عقل سبعينيات القرن المنصرم وقطعا هم أسيري فكر سياسي تقليدي نتاج أزمة الحضارة العربية الإسلامية التقليدية ولهذا يصبح فشل النخب السودانية في التحول الديمقراطي حتمي والهدف من هذا القول هو لفت الإنتباه للنخب السودانية بأن عقلها الذي تحاول به نقل المجتمع فكره تقليدي لا يفضي الى أي تحول ديمقراطي في مجتمع سوداني هش التراكيب في هياكله الإجتماعية.
عقل نخب الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم في السودان نقده الدكتور منصور خالد والدكتور منصور خالد يعتبر مفكر سوداني منتبه لتطور الفكر من حوله وهذا ما جعله يتفرد من بين النخب السودانية ويلاحظ الخطاء الجماعي الذي مارسته النخب في التاريخ المذكور وكانت أغلب النخب تظن أن أقرب طريق للتنمية الإقتصادية هو طريق الحزب الواحد وفكر الإشتراكيين وأغلبهم كانوا ضحايا فكر الأبوية المستحدثة و كانت تضمهم بوتقتهم الصاهرة وهم يظنون بأن الفكر الليبرالي فكر رميم مقابل الفكر الإشتراكي ونظريته المكتملة كما يظنون وهنا يتساوى الشيوعي السوداني وأصدقاءه والقوميين والإسلاميين من كل شاكلة ولون وظنهم في إشتراكية أبوذر.
في ظل هذا الهرج لا أحد قد إنتبه الى أن الديمقراطية الليبرالية ليست نظام حكم فحسب بل ترسيخ لفكرة العيش المشترك وتجسيد لعلاقة الفرد بالدولة من أجل تحقيق المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد وعبرها يتم التضامن الوجداني لكل فرد عبر الدولة مع مجتمعه المكون من أفراد.
منصور خالد يحمد له بأنه إنتبه للخطاء الجماعي في الإعتقاد في الحزب الواحد وهم الإشتراكية إلا أنه سكت عن كيفية تحقيق التحول الديمقراطي كما نجده في فكر عمانويل تود المذكور في أعلى المقال وأهمية إنزال فكر ينتصر لنمط الإنتاج الرأسمالي ويساعد في فك طوق ثقافة الأسرة الجذعية السائدة في السودان وهي لا تنتج غير أفراد كل طرقهم تقودهم لأحزاب لا تنتج غير نظم حكم تسلطية كما نجدهم في الحزب الشيوعي السوداني وفي أحزاب البعث السوداني وأحزاب المرشد والختم والامام. وربما لهذا السبب تجد المحاولات الفكرية اليائسة للنخب السودانية من أقصى اليسار السوداني الرث الى أقصى اليمين الغارق في وحل الفكر الديني يجيدون فكر التوفيق الكاذب كما نجده في علمانية محمد ابراهيم نقد المحابية للأديان.
في وقت نجد فكر هشام شرابي يحاول فك طوق الدوائر الخبيثة التي لا تدرك بأن الفكر الديني هو أكبر حاضنة لفكرة الأبوية المستحدثة التي تورط الكل في سلطة الأب وميراث التسلط. وهنا نجد هشام شرابي في طموحه الفكري وكيفية الخروج من أزمة الحضارة العربية الإسلامية التقليدية و نقده لفكرة الأبوية المستحدثة يلتقي مع فكر عمانويل تود المعتمد على فكرة البناء الأسري وظلال الأسرة الجذعية في العالم العربي والإسلامي التقليدي وكيفية فك طوقها وكسرها كحلقة خبيثة والشب عنها من أجل المضي نحو تشيد مجتمع ينشد الحرية وفكرهما غائب عن دفاتر النخب السودانية التقليدية.
وبدلا عنه نجد التوفيق الكاذب لمؤالفة النور حمد بين العلمانية والدين أو علمانية محمد ابراهيم نقد المحابية للأديان أو كما يعتقد كمال الجزولي في لقاء نيروبي الذي نظمه الكوز خالد التجاني النور وفيه يؤكد كمال الجزولي بأن الدين يمكن أن يلعب دور بنيوي في السياسة والإقتصاد والإجتماع وهذا مضحك ومحزن إذا قارنا فكر كمال الجزولي بفكر كل من هشام شرابي وعمانويل تود.
الهدف من كتابة هذا المقال هو محاولة تنبيه النخب السودانية أن فكرهم إنعكاس لفكر نخب السبعينيات وهو كما قلنا إنتبه لفشله دكتور منصور خالد ومن هنا ننبه النخب السودانية أن مشاكل الراهن السياسي في السودان تحتاج لفكر أفقه ملئ بفكر جديد غير مطروق في راهننا ولم ينظر بإتجاهه أحد وعليه واقع عالمنا المعاصر يحتاج لمراجعة النخب السودانية لفكرها وهي محبوسة في فكر السبعينيات من القرن المنصرم كما ذكر منصور خالد وعليها أن تتسلح بفكر له القدرة على مجابهة التحدي والإنتصار عليه.
والتحدي للنخب السودانية هو وحل الفكر الديني وهو المسؤول عن فشل النخب في تنزيل شعار ثورة ديسمبر على أرض الواقع وبالمناسبة ثورة ديسمبر وشعارها هو تجسيد لتقدم الشعب وسقوط النخب غير القادرة على مواجهة وحل الفكر الديني ولذلك قد لاحظ الكل أن ثورة ديسمبر كثورة كبرى لم تلحقها تشريعات كبرى تنتصر للعقل والفرد والحرية وكانت أغلب النخب التي إستلمت قيادتها لا يختلف فكرهم عن فكر الكيزان في شئ.
وهذا ما شجع الكيزان على التطاول من جديد على أعظم ثورة يقودها مثقف تقليدي فاشل وأفق فكر مفكريه المؤالفة بين العلمانية والدين أو علمانية محابية للأديان بدلا من فكر ينتصر لعقلنة الفكر وعلمنة المجتمع وفكر قادر على تفكيك ثقافة الأسرة الجذعية التي لا تنتج إلا نظم حكم شمولي ونجده في أفق الشيوعي السوداني والبعثي والكوز وغيرهم من أتباع أحزاب اللجؤ الى الغيب كأبناء بررة لثقافة وفكر الأبوية المستحدثة ونجده واضح في إشتراك الحاج وراق وكمال الجزولي في تخليد فكر الامام الصادق المهدي وهو أكبر مجسد لثقافة الأسرة الجذعية وثقافة وفكر الأبوية المستحدثة كما تحدث عنه هشام شرابي وبالتالي لم يفرّق المثقف التقليدي السوداني بين الفلسفة السياسية وفكر الامام الصادق المهدي الأقرب لفكر رجل الدين من رجل السياسة.
في ختام المقال قصدت في أعلى المقال بالمفكرين الثلاثة في المقال كل من هشام شرابي ومنصور خالد وعمانويل تود ونقاط لقاءهم في الفكر وكما قلت يحمد لمنصور خالد أنه إنتبه أن فكر السبعينيات للنخب السودانية كان مكمن الفشل في التحول نحو نظم حكم يفضي لإستقرار سياسي.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..