قبل أن تصبح داعش هي الحل

أخطر ما في قوة داعش أنها تلعب على مشاعر الظلم الطائفي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي المتأججة في العديد من الأماكن.

بقلم: عادل الجوهري

إن الانجذاب إلى السلطة والصراع من أجل السيطرة على وسائلها، واختراع الوسائل والآليات التي تجعل من هذه السيطرة مستديمة ومحتكرة بيد فئة بعينها، سمة نشأت وارتبطت بوجود المجتمعات الإنسانية، بدءاً بالشكل البسيط منها، مروراً بالتطور الطبيعي للبشرية، وانتهاءً بالشكل المُعقد للدولة الحالية، التي امتدت تطلعاتها التسلطية إلى خارج حدودها، ما أدى إلى استقطاب الدول الكبرى لغيرها من الدول الصغرى لتدور في فلكها رضوخاً في حالة الاستعمار، أو رضاءً، كما في حالة التحالفات القصرية غير المتكافئة.

وعلى مر العصور كانت الصراعات تنشب بين الأفراد والدول في المجتمعات المحلية والخارجية بهدف أن تفرض طبقة محدودة العدد رأيها وسلطتها على السواد الأعظم من الجماعات التي تتشكل منها تلك المجتمعات، وغالباً ما كانت تتمكن من ذلك بالقوة ولكن لفترة زمنية محدودة، فالطبيعة الإنسانية في حالة تمرد دائمة تتيح التعايش مع الظلم دون الاستسلام له، ولهذا لم ولن تهدأ حالة عدم الرضاء المجتمعي مطلقاً طالما بقيت مسبباتها، فالشعوب قد تتناسى لكنها لا تنسى، وفي اللحظة التي تبدو أنها قد ماتت، تثور كالبركان، فتبدأ دورة جديدة من الصراع، هكذا ينبئنا التاريخ.

ومن يتابع الصراعات القديمة والحديثة، يصل إلى نتيجة واحدة، وهي أن العالم قد عجز عن إيجاد النموذج الذي يوفر العدالة ولو في حدها الأدنى، ولم يتح أي وسيلة لاستيعاب جميع الاختلافات الإنسانية الطبيعية والفطرية ويشجعها على التفاهم والتعاون والتعايش، لنبذ التضاد والتصارع والتناحر، بل زادت وتيرة الإصرار على فرض النموذج الحالي الذي يراه البعض مقسماً المجتمعات إلى طبقة أقلية متحكمة ظالمة قاهرة، وأغلبيات مُهمشة مظلومة مقهورة، والفريقان يعيشان حالة دائمة من عدم التكافؤ، فالأولى تمتلك السلطة والقوة والمال وتمنع تداولها سلمياً مع غيرها، والثانية عاجزة مُجبرة على الخضوع للأولى وقبول تصرفاتها ولا تمتلك المقدرة على تغييرها أو محاسبتها أو مشاركتها، ولكن تلك الحالة الأخيرة تولد غضباً يظل كامناً وكبتاً يصبح مستمراً يبحث بشغف عن وسائل الانفجار.

وصلنا والوضع هكذا إلى وجود حالة من العداء بين من يحكْمُون ومن يُحكَمون الذين بلغ منهم الإحباط مبلغاً اقتربوا به إلى اليأس فأدى لظهور مجموعة استخدمت الدين كنموذج أحق بمواجهة النموذج الأوحد الذي انتشر ظلمه ويأبى التغيير أو الإصلاح، ولسوء الحظ فإن غالبية الشعوب المظلومة وفي مقدمتهم الشباب، ظنوا في النموذج الديني أملاً وحلماً سينتشلهم من ظلم القوى الرأسمالية العالمية ومن يدور في فلكها، فانتشرت هذه الجماعات ووجدت لها أرضاً خصبة في البلدان العربية والإسلامية في آسيا وأفريقيا، حتى أنها غزت عقول شباب أوروبا وأميركا وروسيا وغيرهم من بلدان العالم، واجتمع لها مؤيدون ومناصرون، لأن حالة عدم الرضاء الناتجة عن النظام الحالي اشتملت الجميع بلا استثناء.

والنتيجة، أن من يديرون النموذج الديني أو ما يُعرف الإٍسلام السياسي، سواءً كان ذلك عن قناعة أو استغلالاً للدين واتجاراً به، قرروا مواجهة النموذج العالمي الحالي، وأعدوا لذلك العدة منذ سنوات طويلة حين زرعوا أفكارهم في عقول الأطفال الذين أصبحوا الآن شباباً وشابات، ومنهم أطباء ومهندسين وصيادلة وجامعيين من جميع التخصصات وغيرهم من فئات المجتمع المهمشة، وجميعهم على قناعة أن العدل المنشود لن يتأتى إلا بإقصاء من عداهم، وأن هذا لن يتحقق إلا بفرض نموذجهم الديني الذي تمثله دولة الخلافة، وهم على قناعة كاملة بأن دعواهم ستجد تأييداً بسبب ازدياد السخط الشعبي ضد الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة والآخذة في الازدياد مع تنامي حالة عدم الرضاء المجتمعي المكبوتة.

وجماعات النموذج الديني لم تكتف بالإعداد الفكري للآلاف من الشباب والشابات، إنما عمدت إلى إعدادهم عسكرياً بعد شحنهم دينياً ومعنوياً لدرجة استسلموا فيها كلياً لأوامر قيادات تلك الجماعات الذين حولوهم إلى أسلحة بشرية فتاكة يطلقونها وقتما وأينما يشاءون، وحصلت تلك الجماعات بطرق مباشرة وغير مباشرة على كميات من أحدث الأسلحة من ترسانات السلاح الدولية، فتحولت بذلك إلى قوة تُهدد مناطق عديدة من العالم، وأخطر ما في هذه القوة أنها تلعب على مشاعر الظلم الطائفي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي المتأججة في العديد من الأماكن، الأمر الذي ساعدها على احتلال أجزاء كبيرة من الأراضي العراقية والسورية، وما زالت ماكينتها الدينية الحربية تعمل ولا يقدر على إيقافها أحد.

فماذا فعل العالم؟ أقصى ما رأيناه حتى الآن الصراخ والعويل والتحذير والدعوة الى تكوين تحالف لمواجهة الخطر القادم من الجماعات الدينية المتطرفة، وهو خطر حقيقي لن يقف عند دولة دون الأخرى، فهي كما قلت تمثل نموذجاً يسعى لفرض سلطة دولته التي يراها عادلة ليقتص بها من النموذج العالمي الظالم القائم الذي لم يحاول حتى الآن التخفف من ذنوبه وعيوبه.

فهل تفرز هذه الصراعات نموذجاً جديداً للحكم يبشر الناس بالمدينة الفاضلة التي حلم بها أفلاطون، وبظهور زعماء يحملون الاثنى عشر صفة التي حددها الفارابي، أم تسود القناعة بأن داعش هي الحل؟ فلننتظر ونحن نفكر في حل لغز داعش التي ربما تكون أداة تمسك بزمامها قوى أخرى لا تريد بنا خيراً وتدفع بنا لاختيار مصيرنا القاتم بإرادتنا.

عادل الجوهري

[email][email protected][/email] ميدل ايست أونلاين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..