ذاكرة الحكائين

أمير تاج السر
كلما قرأت نصا حكائيا للأديب المخضرم شوقي بدري، أحسست بالنشوة والضعف معا. النشوة من كونه قطعا، نصا استثنائيا عامرا بجميع أطايب الحكي التي ربما لا يعرفها الكثيرون، ولم تخطر على بالهم أبدا، والضعف أمام تلك المعلومات الغزيرة التي يمنحها لقرائه مجانا على الورق، وكلها عن بلد يعيش فيه الملايين من الناس وربما لا يعرفون إلا القليل عن تفاصيله.
شوقي بدري، أو الأخ الأكبر كما يلقب في منتديات الوطن المهاجرة، في رأيي، يعتبر الآن شيخا لكتاب الحكاية البسيطة، والأقرب للحكي الشفاهي، في السودان، رجل يقيم منذ سنوات طويلة جدا في بلاد الغرب، وتحديدا في السويد، لكن ذهنه ما يزال (أمدرمانيا) خالصا، أي مرتبطا بمدينة أمدرمان التي ربما تغيرت بعض معالمها الآن.
في ذلك الذهن تسكن الشوارع والأزقة القديمة والحارات بغبارها وتوابلها وعطور شاغليها، يسكن الناس بجميع أعراقهم وقبائلهم، وما يستطيعون منحه للحياة والمجتمع، أو لا يستطيعون، تسكن الأحداث التي وقعت في زمان بعيد، بدءا من شكوى أحدهم من ألم في ظهره، لا يعني أحدا، في أحد الصباحات، إلى محاولة انقلاب عسكري مكتملة الأركان، انطلقت خطواتها من حي ما وأحدثت خلخلة في البلد. وأيضا الحوادث التي كان يمكن أن تقع، والتي لن تقع أبدا، في مجتمع كان متماسكا بدرجة غريبة، لدرجة أن شخير النائم في بيته، كان يوجد من يوثقه، وينقل تفاصيله للآخرين.
في بساطة شديدة وبلغة هي نفسها لغة ذلك العالم البعيد، يمسك شوقي بدري بيدك، يقودك إلى بيت في حارة ضيقة من حارات (أبو روف، أو (ود نوباوي)، أو(عبد الله خليل)، لتأكل طبقا من طبيخ شعبي لعله العصيدة أو الكسرة بالباميا، يقودك إلى ساحات الموالد والذكر، لتتمايل مع الدراويش، وتردد: حي قيوم، إلى عراك الصبية في أحد الأزقة، على قطعة من رغيف يابس، وصياح الجارات حين يبحثن عن ملح أو سكر أو بصلة ينشئن بها طبيخا للغداء. وإلى مجالس الرجال على الطر ق في تلك الدكك الطينية المشيدة أمام كل بيت تقريبا، أو الكراسي منتوفة الحبال التي كانت أيضا سمة من سمات ذلك الوقت، وربما طاف بك في السوق الشعبي، لتشتري قماشا من تاجر قبطي، من أولئك الذين كانوا يسيطرون على تجارة القماش آنذاك، أو كيسا من التنباك وارد مدينة «الفاشر» في الغرب أو نعالا من جلد النمر والأصلة.
هذا الحكاء المخضرم، لا يمكن بالقطع عنونته أو تصنيفه كاتبا قصصيا أو روائيا، لا يمكن وصفه بالشاعر، ولكن خليطا من دم القصاصين والروائيين والشعراء ومؤرخي العصور حين يكتبونها لنا بصدق وجدارة، وأيضا بعفوية تامة بعيدة كل البعد عن التسلط اللغوي، والبحث عن المفردات الأكثر ثقلا، لردمها في حفر الحكاية.
الذين كتب عنهم، هو عاصرهم بلا شك وله مواقف وحكايات معهم، وذكوهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، وأيضا أسماء أمهاتهم عند الضرورة، وحتى البيوت ذات السمعة السيئة، يخبرك بمن كان يقطنها، ومن كان يتردد عليها، والذين لم يعاصرهم وورد ذكرهم في نصوصه، هو يطلعك على مصدر خبرهم، وكلما قرأت حكاية من تلك الحكايات الخليط، تصورتها طازجة تحدث أمامي الآن، وظللت مستمتعا بها لفترة، لكن الرجل ما يلبث أن يأتي بغيرها مضيفا مزيدا من المتعة.
تلك الحكايات الثرية التي وردت في كتابه? حكايات أمدرمانية?، المطبوع بإهمال شديد، وبلا تدقيق ولا تصحيح، ولا شبهة تحرير للنصوص، أزعم أنها لم تأت من فراغ، ولكن من موهبة كبيرة ومن حرص على صيانة تلك الموهبة ومدها بالوقود الذي ينشطها، وكم من حكايات وأساطير يعايشها المرء في حياته، لكنه لا يتذكرها، فقط أولئك الموهوبون من يستطيعون نقشها لتبقى حية، على مر الزمن، وإذا كانت أمدرمان القديمة هي محور حكايات شوقي بدري، برغم ابتعاده الطويل عنها، فلا شك أنه يستطيع إن أراد أن يكتب لنا الكثير عن مدن أوروبا التي دخلها منذ زمن بعيد، وتغيرت أثناء وجوده فيها.
أخيرا أحس بشيء من الأسى تجاه عدم الاهتمام بأمثال هؤلاء الحكائين المبدعين، هم في الحقيقة يكتبون، أو يحكون شفاهيا للمتعة الشخصية، أو الرغبة الجامحة في إيصال أفكارهم، لكن في حكاياتهم ثراء غير معقول وهم جديرون بالاحتفاء، وقد كتبت في مقدمة كتابي السيري: قلم زينب الصادر منذ عدة سنوات عن وزارة الثقافة والإعلام في قطر: إلى شوقي بدري، من جكاياته تستلهم الحكايات.
أخير أنوه بأنني عرفت حكائين شفاهيين كثيرين أثناء مصاحبتي للكتابة، وحقيقة، استلهمت منهم عددا من تلك الحكايات التي كانت خامات جيدة، تبحث عمن يطورها، ويوثقها في نصوص مكتوبة.
أمير تاج السر
القدس العربي
العم شوقي .بدري حكاء من الدرجة الأولى، ولكنه كاتب هجاء( كثير الهجاء) أيضاً. فرغم بُعده عن الوطن الذي لم يزل ممتداً حتى الآن، نراه يغمس يديه ويرمل قدميه في المشهد السياسي السوداني، ويتعامل مع هذا الواقع منتقداً كأنه مشارك فيه ليس بروحه فقط ولكن بجسده أيضاً.
– انني شخصياً غاضب من سبابه المقذع ووقوعه في الإمام الصادق المهدي وسبه إياه على المنابر الإسفيرية، وفُحشه في القول والتقول عليه، وتعمد تشويه صورته بكل الطرق غير الإنسانية.
– لم يحدد شوقي بدري لنفسه منهجاً سياسياً ينطلق منه في نقده الهدًام، وإنما راح يوزع شتائمه يمنة ويسرة دون رحمة ودون هوادة على شخصيات لها معجبين ورواد ومحبين، فأوغر كثير من الصدور وكسب كراهية كثير من الناس نتيجة لهذا التحيز الحاد، وغير المبرر ضد شخصيات بعينها.
– كتابات شوقي بدري حافلة بالأخطاء – اعتذر عن ذلك بسوء بصره- الإملائية غير المقصودة، ولم تخضع للمراجعة، والتشذيب والترتيب، فهي ك (أحاجي) (حبوبات)، يسردنها شفاهة، يبكين فيها على الماضي التليد، ويندبن فيها الحاضر الكئيب.
– كتابات شوقي بدري تعوزها (اللياقة) والكياسة، فهو يقول للأعور أنت أعور، وربما يرجع ذلك لتأثره بثقافة الغرب الباردة الجامدة التي لا تعرف المجاملة ولا الكذب ولا النفاق.
– رغماً عن ذلك نقرأ له، لنعرف ماذا سيقول هذه المرة: عموماً نحن نتعامل معه كرجل موسوعي ولكنه، (مجلي شوية)، أي رجل يمكن أن تتوقع منه أي شيء وكل شيء وفي كل وقت.
أخذ شوقي من الغرب كل شيء إلا احترام الآخر واحترام رأيه. فمن يخالفه الرأي فهو جبان، وفحم ريبت لحم، و (كلام فارغ من هذا القبيل).
ذهب إلى أوروبا، فلم يندمج ويذوب في ثقافتها، ولم يتغير منه شيء أبداً، لا في فهمه ولا تصوره للأشياء والأحداث والكون. لم يعد بعد لإدرمان، وأن عائد (فكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا).
الاستاذ القدير والكاتب الكبير امير تاج السر
لك التحية علي ما تقدمه للادب العربي والسوداني، فانت بحق كاتب من النخبة ولك اسلوب متفرد وسرد مدهش تستحوذ علي القارئ من اول كلمة… رواياتك تخطف الانفاس … وتصورك للشخصيات عميق.
ولكن… ويؤسفني ان اقول لكن
تخلو رواياتك من القيمة الثقافية التي يجب ان يكتسبها القارئ… فلا تضيف كتبك اي معلومة للقارئ من اي نوع كانت … فمثلا رائعتك مهر الصياح تتحدث عن مملكة عجايبية قديمة … وروايتك زحف النمل (كاني بك استوحيتها من النكتة الشهيرة (نحن اهل العوض الجابلك جركانة العسل) …
اقول هذا الكلام ليس النتقاداً لك ولكني ارى موهبة فذة تهدر في كتابات جوفاء … التفت لواقعنا السوداني واكتب عن ما تراه وتحسه اكتب عن نبض الشارع وعن تصرفاته واماله وتطلعاته… اكتب عن الحلو والمر الموجود في بلادنا
اتمني لك كل التوفيق استاذنا القدير امير تاج السر وننتظر كتابك القادم بإذن الله…
عزيزي تاج الأمير
تحية لك ولضيفك في هذاالمقال والمقام، بس بدور ازعلك، كتبت روايتك المهديها لأستاذنا وحبيبنا شوقي بدري زمان (قبل عدة سنوات) علي حد قولك؟ أم أيامنا دي، أيام العهد الجديد المبارك، يعني من 30 يونيو القديمة وجاي؟ ولا من 30 يونيو الجديدةوغادي؟؟؟!!!